"لولا وجود النساء ، لا أعتقد أن الثورة كانت ستحدث" ، هكذا أخبرتني ستيفاني سوتيري. كان من السهل لمح هذه المعلمة والفنانة البالغة من العمر ٣٤ عامًا وهي تتصدّر الصفوف الأمامية للاحتجاجات اليومية التي شهدتها العاصمة اللبنانية بيروت مؤخراً ، وسط موجة تظاهرات تاريخية اجتاحت جميع أنحاء البلاد.
انضمت سوتيري إلى الاحتجاجات حاملة دفّها منذ اليوم الأول ، حيث قدمت الموسيقى والغناء والرقص برفقة ناشطين شباب وفنانين آخرين. وعلى الرغم من أنّ الجو لم يكن عنيفاً في أغلب الأحيان ، إلا أن المظاهرات لم تكن فارغة. فقد أجبرت رئيس الوزراء سعد الحريري على الاستقالة في ٢٩ تشرين الأول.
قابلتُ سوتيري في أوائل تشرين الثاني، في الأسبوع الثاني من المظاهرات التي لا تزال مستمرة الى الآن. تظاهر مئات الآلاف من الناس في جميع أنحاء البلاد ضد النظام السياسي الطائفي والأزمة الاقتصادية الراسخة ، مطالبين النخبة الحاكمة بالتنحّي.
وهي تقف بجانب حاجز الطريق مع متظاهرين آخرين ، وصفت الفنانة كيف "كانت النساء تمنعن المواجهات بين الرجال خلال الاحتجاجات. كنا ندعو النساء إلى الصفوف الأمامية من أجل تجنّب تصعيد العنف ، وانتهى الأمر بإضافة لمسة شعرية للغاية على الثورة".
The Covid-19 public inquiry is a historic chance to find out what really happened.
بينما اتّخذت الاحتجاجات أشكالًا مختلفة في جميع أنحاء البلاد ، لاحظ المراسلون أيضًا تنوّع المشاركين، على صعيد الطبقة الاجتماعية والدين والجنس. وقد أثنى الصحفيون على دور النساء ، على سبيل المثال ، في تهدئة المتظاهرين والشرطة ، وقيادة الصفوف الأمامية ، وإلهام الآخرين.
لعبت الشابات على وجه الخصوص دورًا قوياً وصريحًا في التظاهرات ، وقد ألهم وجودهن ومشاركتهن وظهورهن في الاحتجاجات الشعب اللبناني والعالم.
في بيروت ، أخبرتني الطالبة زهراء الموسوي البالغة من العمر ١٨ عامًا عن تجربتها في ساحة الشهداء في الأسبوع الأوّل من الاحتجاجات.
وقالت : "هذه هي المرّة الأولى التي أتظاهر فيها ، لكنها لن تكون الأخيرة. نحن هنا لاستعادة حقوقنا، جميعنا هنا من مختلف الأعمار والمناطق والطوائف ، ونريد أن يكون لنا بلداً آمناً وقادة جيّدين ".
قابلتُ أيضًا تاتيانا لحود ، البالغة من العمر ١٩ عامًا. وهي طالبة جامعيّة صرّحت لي مع صديقاتها انّهن كنّ يحتجيّن على الفساد وسياساته في البلاد. وأوضحت: "هذه الأحزاب السياسية [الحاكمة] تدفع مقابل الأصوات في الانتخابات ، والسياسيون أنفسهم في السلطة منذ أكثر من ٣٠ عاماً".
وأردفت قائلة: "ربما لم يكن لدى جيلي من قبل الرغبة في الدخول في السياسة التقليدية ، لكنني أعتقد اننا سنقوم بذلك بعد هذه الاحتجاجات. أريد مستقبلاً شريفاً، كما أريد أن أنجح كامرأة في هذا المجتمع".
"المجتمع اللبناني أبوي للغاية. أريد أن أرى النساء ... في جميع قطاعات المجتمع، في الحكومة ، وادارة الأعمال ، والمدارس ، وسوق العمل".
Zahraa Mossawi at the Beirut protests. | Picture: Ani Hao.
تحدّثتْ معي إسراء صفاوي (٢٥ عامًا) في مقهى بعد عودتها من يومِ مظاهراتٍ مع زوجها. "لديّ طفل صغير ، أنا وزوجي عاطلان عن العمل". وقالت موضحةً مشاركتهما في التظاهر أنّ "الحكومة بأكملها فاسدة ولا يعنيها المواطن".
أضافت صفاوي أنّ "الشابات تلعبن دورًا في التغيير"، مشيرةً كمثال على ذلك بولا يعقوبيان ، وهي "امرأة شابة منتخبة، عضو في البرلمان وتقف معنا. نريد المزيد من الشبّان والشابات في الحكم، لذا نحن ندعو إلى انتخابات جديدة".
خاضت يعقوبيان الانتخابات النيابية في العام الماضي ، ببرنامج مستقل ، وهي واحدة من بين ست نساء تم انتخابهن في ذلك العام من أصل ١٢٨ عضوًا في المجلس التشريعي. وكانت شديدة الاعتراض على النظام الطائفي.
كما لاحظت الصحفيات أهميّة المرأة في هذه الاحتجاجات. "النساء اللبنانيات تكسرن المحظورات لتكن واجهة الاحتجاجات" ، هذا عنوان لمقالٍ بقلم سنيفا روز في ذا ناشونال ، وهي مؤسسة إخبارية تصدر باللغة الإنجليزية من الإمارات العربية المتحدة.
"لم يطلق عليها اسم ثورة النساء من فراغ"، هكذا غرّدت لونا صفوان، مراسلة فايس أرابيا في بيروت. "لقد كانت مختلف النساء في لبنان في الصفوف الأمامية لمظاهرات بيروت منذ اليوم الأوّل".
كما واصلت "لقد أثبت التنوع أنه عنصر رئيسي [في المظاهرات]" ، واصفةً كيف أنّ "النساء من جميع الطوائف والثقافات والخلفيات والأوضاع الاجتماعية والخلفيات التعليمية تقدن بطريقة أو بأخرى المظاهرات. تتشاركن المسؤولية ، وتقفن بوجه الشرطة. القوة للنساء"!
في ٣ تشرين الثاني ، خرجت مجموعات نسوية في مسيرة إلى رياض الصلح في بيروت ، وأصررن على أن الانتفاضة لن تتنازل عن المساواة بين الجنسين والعدالة الاجتماعية وحقوق المرأة. وردّدْن وهنّ حاملات لافتات تقول "الثورة امرأة": "ثورة النسويات ، ثورة ضد النظام الأبوي".
أضافت المتظاهرات النسويات بشكل واضح قائمة من المطالب للاحتجاجات. وقالت سارة أبو جودة ، ٢٨ سنة ، "نريد حقوقًا متساوية وحقوقًا مدنية وأجرًا متساويًا وتقليص الإنتهاك والاعتداء والتحرش والعنف الجنسي".
وقالت: "لا تُعتبر المرأة متساوية مع الرجل في لبنان ، انظر فقط إلى قانون الجنسية الذي يمنع المرأة من منح جنسيتها لأولادها" ، مضيفة أن النساء "كنّ حاضرات دائمًا في الاحتجاجات" ، بما في ذلك تلك التي "تطالب بالمساواة في الدستور اللبناني".
Graffiti in Beirut, Lebanon 2019. | Yaghobzadeh Alfred/ABACA/ABACA/PA Images.
على الصعيد الدولي ، غالبًا ما يُعتقد أن المرأة اللبنانية تتمتع بحقوق وحريات أكثر من غيرها من نساء العالم العربي. لكن البلاد قد تعرضت لانتقادات عديدة من قبل الجمعيّات والمعلقّين المعنيين بحقوق الإنسان بسبب قوانين "متحيّزة جنسياً" تترك النساء "غير متكافئات وغير محميّات".
على سبيل المثال ووفقًا لتقرير لاذع صدر عام ٢٠١٥ عن منظمة حقوق الإنسان الدولية الغير الحكومية هيومن رايتس ووتش ، فإن قوانين الأحوال الشخصية والجنسية في لبنان تجعل من الصعب على النساء الطلاق والحصول على حضانة الأطفال ، بينما لا توفر لهنّ "حماية كافية من العنف المنزلي".
هذا هو السياق الذي تركت فيه قيادة ومشاركة النساء بصمة لا تمحى على هذه الاحتجاجات. لقد وسّعن المطالب لتتعدى مراجعة النظام السياسي الطائفي ، وتوحيد المواطنين على اختلاف طبقاتهم وأديانهم ، عبر التحدّي المباشر والحاد للأبوية.
من غير المؤكد ما إذا كانت هذه الطاقة ستغذي ثورة نسوية شاملة ، لكن النساء اللبنانيات اللواتي تحدّثت معهّن في بيروت قلن إنه سيكون من الصعب أن تنسى كيف شاركن وقدن الصفوف الأمامية لهذه الاحتجاجات.
"عادة ما أكون خائفةً جدًا من العنف ، لكنني شعرت بجمال وثقة كبيرة وانا في الصفوف الأمامية"، أخبرتني سوتيري في ساحة الشهداء ، "إنها ثورة من الداخل" ، موضحة كيف أن "الثورة تغيرني. تجعلني أشعر بالأمل ، وأشعر بخوف أقل في الأماكن التي لا تزال مخيفة".
تعليقات
نشجّع أي شخص على التعليق. الرجاء الرجوع إلى openDemocracy تعليمات أسلوب التعليق الخاص ب ن كان لديك أسئلة