Home

بعد الثورة: تواجه نساء السودان رد فعل عنيف من الأصوليين الإسلاميين

أطَحْنَ بأحد أسوأ الديكتاتوريين في العالم. ثم واجهن هجمات مضادة ووحشية لأصوليين إسلاميين أثرياء ومسلحين عابرين للحدود.

Nazik Awad
26.11.2019 7.37am
Women protesters in Khartoum, Sudan April 2019.
|
Ala Kheir/DPA/PA Images. All rights reserved.

"إذا تمكنت من المشي مجدداً ، فسأعود إلى الشارع" ، هذا ما أخبرتني به مؤخرًا منى* عبر الهاتف، وهي متظاهرة سودانية تبلغ من العمر ٢٥ عامًا. أطلق الجيش النارعليها و أُصيبت بجروح خطيرة خلال حملة القمع لفض اعتصام في العاصمة الخرطوم في أوائل حزيران/ يونيو ، مما ادى حسب النشطاء الى مقتل أكثر من ١٠٠ شخص قُتلوا في يوم واحد وتم سحب عشرات الجثث من النيل.

على رغم الرصاصة التي بقيت في ساقها ، واصلت منى نضالها من أجل حقوق المرأة والديمقراطية في السودان ، ودعت الآخرين للانضمام إلى "مسيرة الملايين" في وقت لاحق من ذلك الشهر ، في ٣٠ حزيران / يونيو. ولم يقف بوجهها قطع الإنترنت عن كامل البلاد لمدة شهر ، فواصلت إرسال الرسائل النصية والانتقال من مكان إلى آخر على كرسي متحرك ، لنشر المعلومات والحفاظ على نبض الثورة.

كناشطة في مجال حقوق المرأة السودانية ، تعيش في المنفى في مصر ، شاهدت هذه الثورة تتكشف بمزيج من الدهشة والخوف. كل يوم ، أتحدث مع نساء مثل منى تتصدّرن الصفوف الأمامية. كنّ القلب والعقل والقوة الدافعة للثورة التي انطلقت في كانون الأول ٢٠١٨. وفي نيسان ، أطاحوا بأحد أسوأ الديكتاتوريين في العالم ، عمر البشير.

تواجه الآن تلك النساء الشجاعات اللواتي يناضلن من أجل الحرية والمساواة والعدالة تحديات متزايدة ، وسط رد فعل أصولي إسلامي عنيف. بعد ٣٠ عامًا في السلطة ، يتمتع البشير ونظامه بحلفاء اجتماعيين واقتصاديين ودينيين وعسكريين أقوياء في جميع أنحاء المنطقة وتعمل حالياً هذه القوات معًا لمحاربة التغيير في السودان.

Help us uncover the truth about Covid-19

The Covid-19 public inquiry is a historic chance to find out what really happened.

شملت القوات التي هاجمت الاعتصام في ٣ حزيران / يونيو ميليشيات يقودها الداعية الوهابي ، عبد الحي يوسف ، وفقًا لتقارير صادرة عن سيدة صحفية تتابع عن كثب هذه الأحداث والتحركات. وهو معروف بتنظيم حملات مناهضة للديمقراطية ومؤيدة لتطبيق الشريعة من مركزه الإسلامي في السودان ، بتمويل من تركيا والسعوديين. حتى أنه دعا إلى الجهاد ضد حكومة مدنية في حال إنشائها.

دعمت الجماعات الدينية الراديكالية ، بما في ذلك الدعاة الأصوليين ، المجلس العسكري الانتقالي الذي حل محل البشير فورًا بعد الإطاحة به ، فيما يعتبر الآن على نطاق واسع بمثابة انقلاب عسكري. ويعني هذا الدعم أن المجلس العسكري يرفض باستمرار تسليم السلطة بالكامل إلى حكومة يقودها مدنيون.

وقّع المجلس العسكري الانتقالي والمتظاهرون المؤيدون للديمقراطية هذا الشهر اتفاقًا سياسيًا بغيّة إنشاء مجلس سيادي مشترك للحكم لمدة ثلاث سنوات ، بينما يتم تنظيم الانتخابات. لكن العديد من النساء اللائي تحدثت إليهن ما زلن متشائمات وليست لديهن ثقة في هذا الاتفاق. ويواصلن النزول إلى الشوارع لحماية ثورتهن ، مطالبات بمحاسبة المسؤولين عن الفظائع العسكرية وبمجييء خبراء لتشكيل الحكومة الانتقالية، بمعزل عن الأحزاب السياسية.

استمر الاعتصام النسائي السوداني ، خارج المقر العسكري في الخرطوم ، لمدة شهرين بعد سقوط نظام البشير. أصبح الفضاء متاحاً للجميع، وليس فقط للسياسيين والنخب المتعلمة، لمناقشة مستقبل البلاد. وانضمّت النساء العاديات وربّات المنازل الى هذه الجموع التي حلمت بمجتمع جديد ومتساو. في هذا السياق، خرجت المطالب لتنادي بالحكم المدني والفصل بين الدين والدولة في السودان.

واحتلت بائعات الشاي والأطعمة مركز الصدارة في الاعتصام. اذ كُنّ من بين أكثر الفئات المستهدفة بقوانين النظام العام حسب الشريعة التي منعت النساء من العمل في الشارع. تعرّضن للضرب والسجن والجلد والقتل من قبل الدولة. أرادت تلك النساء حماية الثورة لأنهن يعرفن جيداً أنّ نجاحها يمكن أن يُترجم إلى تغيير حقيقي في حياتهن اليومية.

"علينا أن نبقى في الشارع لحماية حقوقنا التي حاول الأصوليون الإسلاميون دائمًا صدّها تحت ذريعة الشريعة"، هذا ما أخبرتني به احدى المتظاهرات، وفاء غوراشي، عبر الهاتف، في وقت سابق من هذا الشهر. وأضافت، "وجودنا في الشارع جعلهم يخشون على مناصبهم، لذا هاجمونا بعنف".

image1_3LocLWZ.width-800.png
People celebrate the fall of Al-Bashir outside the Sudanese army headquarters, Khartoum, Sudan April 2019. | Ala Kheir/DPA/PA Images. All rights reserved.

كان من المتوقع أن تعود الاحتجاجات هذا الأسبوع، ضد المسؤولين عن مجزرة ٣ حزيران لمحاسبتهم عن جميع جرائمهم. أعلن المدّعون العامون عن اتهامات موجّهة ضد ثمانية ضباط عسكريين (لم يُذكر أسماءهم) زُعم تورطهم في أعمال العنف التي وقعت في ذلك اليوم. لكن نتائج التحقيقات، التي اعترفت بـ ٨٧ حالة وفاة فقط، لم ترضِ الناشطين الذين أخبروني أنّها لا تعكس الصورة الكاملة. هذه مشكلة منهجية عند النظام العسكري ؛ اذ لا يمكن تحميل المسؤولية الكاملة لعدد قليل من الضباط.

القمع الوحشي

آمال قوس ، أحدى بائعات الشاي في الاعتصام ، عثر عليها ميتة في النيل بعد ١٥ يومًا. لا تزال هناك خمس بائعات شاي في عداد المفقودين بعد أكثر من شهر. وفي الوقت نفسه ، ذكرت هيومن رايتس ووتش ومسؤولو الأمم المتحدة كيف تم استخدام العنف الجنسي ، بما في ذلك الاغتصاب على نطاق واسع لفض الاعتصام. يشكّل هذا الانتهاك وسيلة استعملت منذ زمن طويل لقمع وتخويف النساء السودانيات ، واستخدمت لإسكاتهن ان كان في مناطق الحرب، أو من قبل الشرطة وخلال الاعتقالات الأمنية.

استعان المجلس العسكري الانتقالي الذي حلّ محل البشير بجنود الجنجويد (الذين أعيدت تسميتهم "قوات الدعم السريع") لفض الاعتصام. يشتهر الجنجويد بالاغتصاب الجماعي والتطهير العرقي في دارفور ويطلق عليهم لقب "جن على ظهور الجياد". اللواء محمد حمدان دقلو، المعروف باسم حميدتي، هو نائب رئيس المجلس العسكري الانتقالي ويقود الجنجويد أيضًا. ولقد اتُهم شخصياً من قبل جماعات حقوق الإنسان بتنسيق جرائم الحرب.

الطيب مصطفى ، أحد الأصوليين الإسلاميين البارزين ، وعم الديكتاتور السابق البشير ، هنّأ حميدتي على اساليبه لإنهاء "الممارسات السلبية" للاعتصام ، بما في ذلك "الدعارة" ، في إشارة إلى وجود النساء.

أخبرني محمود، وهو شاهد عيان، تفاصيل الهجوم. وصف رؤية جنود الجنجويد وهم يسحبون ويضربون امرأة حامل كانت تبيع الشاي في تلك المنطقة من المدينة. قال: "ظلّوا يضربونها على ظهرها حتى نزل ماء الرحم". عندما بدأت في النزيف ، قال لها الجنود:" لن ندعك تلدي هذا الطفل اللقيط".

وأضاف مقاوماً دموعه: "استمر الجنود في ضربها بالعصي والبنادق بين ساقيها حتى فقدت الوعي. ثم أخذوها إلى جانب النهر وسمعنا أعيرة نارية. على الارجح قتلت هناك".

أشارت العديد من المتظاهرات السودانيات الذين تحدّثت معهن إلى أنّ المجلس العسكري الانتقالي أراد عبر الاستعانة بالجنجويد ارسال رسالة إلى النساء على وجه التحديد، بأنهن كائنات جنسية فقط ، وسيتم التعامل معهن على هذا النحو. بالإضافة إلى مجزرة الاعتصام ، تظهر كل يوم تقارير جديدة عن العنف ، وهناك العديد من الحالات التي لا تصل إلى الاعلام ، في هذه الحملة المستمرة للقضاء على الطاقة والمطالب الثورية.

تأتي هذه القصص من جميع أنحاء البلاد. علمت عبر الواتساب نهار الاثنين هذا الأسبوع، انّ ما لا يقل عن ثمانية طلاب ، بينهم فتاة مراهقة قد قُتلوا برصاص القناصة أثناء حضورهم مسيرة سلمية مؤيدة للديمقراطية لطلاب المدارس الثانوية في العبيد ، شمال كردفان ، في غرب السودان.

Sudan 7.jpeg
Woman protester in Khartoum, Sudan 2018. | Photo courtesy of Noor Ali.

التحالفات الإقليمية

ضم مؤيدو نظام البشير العديد من اللاعبين الإقليميين ، بما في ذلك الوهابيين والجهاديين وأنصار داعش. لهذا السبب ، يعتقد الكثير من الناس أن النظام لم يتزعزع نسبيًا في الربيع العربي.

علنًا ، صَنّفت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ومصر جماعة الإخوان المسلمين (جمعية أصولية إسلامية عابرة للحدود الوطنية) كمنظمة إرهابية. وشنوا حتى الحروب ضد جماعة الإخوان المسلمين في بلدان عديدة من ليبيا إلى سوريا. ولكن من المفارق أن كل هذه الدول حافظت على تحالفات وثيقة مع جماعة الإخوان المسلمين في السودان.

يعود السبب جزئيًا بذلك الى انّ الجيش السوداني يدعم السعوديين في حربهم ضد اليمن ، حيث يساهم بأكثر من ٣٠٠٠٠ جندي سوداني (معظمهم من الجنجويد). وقد ظلت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ومصر وفيّة لجماعة الإخوان السودانيين لأنهم يخشون من تأثير ثورة شعبية ناجحة ، وتغيير ديمقراطي حقيقي ، في ثاني أكبر دولة في الشرق الأوسط.

أعلنت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة علنًا أنها قدّمت للبلاد "مساعدات" بقيمة ٣ مليارات دولار، منها ٥٠٠ مليون دولار ذهبت مباشرة إلى البنك المركزي السوداني (الخاضع لسيطرة الحكومة العسكرية). وتم التبرع بالباقي على شكل أدوية ومواد غذائية وبترولية. نظرًا لأسباب اشتعال الثورة المرتبطة بالارتفاع الشديد في تكاليف المعيشة الأساسية خلال شهر ديسمبر ، فإن هذه التبرعات ساهمت، من دون قصد، باطالة حكم المجلس العسكري.

وأظهرت تقارير وسائل الإعلام أن المجلس العسكري يستخدم جماعات اللوبي في الدول الغربية لتخفيف الضغوط الدولية عليه. يشمل ذلك مجموعة كندية ، هي شركة ديكينز ومادسون، التي عيّنها قائد قوات الدعم السريع والمجلس العسكري حميدتي بمبلغ ٦ ملايين دولار للمساعدة في تلميع صورتهم بعد الثورة.

يقول هذا العقد: "سنبذل قصارى جهدنا لضمان تغطية إعلامية دولية وسودانية مواتية لك". يرأس شركة ديكينز ومادسون، آري بن ميناشي ، الذي كان في السابق جاسوسًا إسرائيليًا وعمل مؤخرًا مع رئيس زيمبابوي، موغابي ، وفقًا للقناة الرابعة.

ووفقًا لتقارير إعلامية أخرى ، ساعدت أموال الخليج في تنظيم مسيرات ضد أي اتفاق بين المتظاهرين والجيش لا يشمل الشريعة كمصدر رئيسي لقواعد وقوانين الحكم.

أخبرتني سارة * ، وهي طبيبة شابة ، عن إحدى هذه المسيرات "لدعم الشريعة" في العاصمة الخرطوم والتي مرت عبرها في سيارتها في ١٦ أيار / مايو. هاجمها المتظاهرون الأصوليون الإسلاميون بعنف وأساءوا إليها ، واتهموها بـ "التجسس" والتقاط صور لهم. أخبرتني أن "الشرطة رفضت الإبلاغ عن القضية وتحديد هوية المهاجمين على أنهم المتظاهرين المؤيدين للشريعة".

اجمعت النساء السودانيات اللواتي تحدثت إليهن أن أموال الخليج ساعدت في تنظيم هذه التظاهرة على وجه التحديد. ومع ذلك ، على رغم أموالهم ونفوذهم وعلاقاتهم ، يبدو أن هؤلاء الأصوليين الإسلاميين لا يستطيعون ان يحشدوا الملايين أو الآلاف ، وذلك على الأرجع بسبب ضعف الإيمان بقضية فرض الشريعة.

الثورة مستمرة

العلاقة بين الأصولية الدينية والديكتاتورية العسكرية في السودان ليست قصة جديدة: اذ كانت قوية منذ أن وصل البشير إلى السلطة عقب انقلاب عام ١٩٨٩ ، إلى جانب الجبهة الإسلامية الوطنية (الإخوان المسلمين في السودان) التي فرضت الشريعة الإسلامية.

منذ ذلك الحين ، "تعيش النساء والفتيات السودانيات تحت نسخة سودانية من داعش: وهي الدولة الإسلامية في السودان" ، هكذا قالت نونا علي * ، ناشطة حقوقية شابة من الخرطوم شاركت في الاحتجاجات هذا العام.

ولكن هذا التاريخ مع الإسلاميين يسمح لنا بمعرفة طرق مقاومتهم، اذ يستمر النظام القديم في استخدام حيله القديمة بالتحالف العابر للحدود مع رجال متدينين معادين للمرأة. نحن نعرف ما نواجهه ، وقمنا ببناء علاقاتنا الإقليمية أيضًا (مع نشطاء حقوق المرأة عابرين للحدود).على رغم التوصل إلى اتفاق سياسي في الوقت الحالي بين الجيش والمتظاهرين ، فإن النساء السودانيات يبقين أعينهن مفتوحة: بعد عقود من القمع في ظل النظام العسكري ، يدركن جيداً انّه لا يجب الوثوق في هذا المجلس العسكري.

شاهدتُ شابات شجاعات وحازمات مثل منى ووفاء وسارة يقفن ضد هؤلاء الأصوليين العسكريين: لم أر شيئًا مثل ذلك من قبل. وعلى رغم الصدمات المستمرة والألم والإصابات الناجمة عن وقوفهن في الصفوف الأمامية ، فقد نجحن في هز المنطقة وسيواصلن استعادة حقوقهن في مواجهة رد الفعل الديني المتطرف.

*تم تغيير الأسماء لحماية الهويات.

Ukraine's fight for economic justice

Russian aggression is driving Ukrainians into poverty. But the war could also be an opportunity to reset the Ukrainian economy – if only people and politicians could agree how. The danger is that wartime ‘reforms’ could ease a permanent shift to a smaller state – with less regulation and protection for citizens.
Our speakers will help you unpack these issues and explain why support for Ukrainian society is more important than ever.

We’ve got a newsletter for everyone

Whatever you’re interested in, there’s a free openDemocracy newsletter for you.

Had enough of ‘alternative facts’? openDemocracy is different Join the conversation: get our weekly email

تعليقات

نشجّع أي شخص على التعليق. الرجاء الرجوع إلى openDemocracy تعليمات أسلوب التعليق الخاص ب ن كان لديك أسئلة
Audio available Bookmark Check Language Close Comments Download Facebook Link Email Newsletter Newsletter Play Print Share Twitter Youtube Search Instagram WhatsApp yourData