
عندما عُزل اليمن عن العالم
خمسة أيام عاشها اليمنيون في ظلمة وعزلة عن العالم بسبب إنقطاع الانترنت بعد أن استهدفت مقاتلات التحالف العربي مبنى المؤسسة العامة للاتصالات في مدينة الحديدة

في العاشرة مساء يوم الجمعة 21 يناير/ كانون الثاني، استهدفت مقاتلات التحالف العربي الداعم للحكومة اليمنية، مبنى المؤسسة العامة للاتصالات في مدينة الحديدة غرب اليمن. نتج عن ذلك خروج منظومة الاتصالات والإنترنت في كامل البلاد عن الخدمة، وعُزلت اليمن عن محيطها العالمي.
لم يعرف اليمنيون ما الذي حدث في الحديدة، فقد انقطعت كل وسائل الاتصال بمن هم في المحافظة قبل أن تعود الاتصالات الهاتفية مساء اليوم التالي، إلا أن خدمة الإنترنت لم تعد متوفرة بعد ذلك. حينها أعلنت وزارة الاتصالات التابعة للحوثيين عن ضرر كبير سبَّبه القصف للبوابة الدولية للإنترنت، حيث تُعد المحطة الوحيدة التي تربط اليمن بالكابلات البحرية لشبكة الإنترنت الدولية.
خمسة أيام عاشها اليمنيون في ظلمة وعزلة عن العالم بسبب انقطاع الانترنت عن البلاد قبل أن تعود الخدمة في فجر الأربعاء 26 يناير/ كانون الثاني. تعطلت في تلك الفترة الحياة العامة في البلاد، وتوقفت أغلب الخدمات التي تعتمد على الإنترنت، فقد أدى انقطاع الإنترنت إلى توقف وتعذر عمل المنظمات الحقوقية والإنسانية والتعاملات البنكية والمصرفية، التي تُعد الرافد الرئيسي للاقتصاد الوطني.
في الأعقاب، نفى التحالف العربي في تصريح لوسائل إعلام عربية قيام مقاتلاته باستهداف البوابة الدولية للإنترنت، وقال إن الغارات استهدفت مواقع عسكرية في الحديدة كانت تُستخدم للقرصنة البحرية.
Help us uncover the truth about Covid-19
The Covid-19 public inquiry is a historic chance to find out what really happened.
فجـر اليـوم الاثنين 14 فبـرايـر/ شباط اسـتـهـدف طيـران التحالف الشـركة اليمنية للاتصـالات الـدوليـة التابعة للمـؤسسة العامة للاتصـالات السلكيـة واللاسلكـيـة فـي صنعـاء، تسـبب ذلك بانقطاع المكالمات الدولية، وتضرر شبكات الإتصالات في العاصمة صنعاء، ولكن لم تنقطع الإتصالات المحلية ولا الإنترنت.

صـرح التحالف أن المـؤسسة يتم إستخـدامها عسكــريًا مـن قبل جماعة الحـوثي، وذكـر أنه يتم التحـكـم بالطائـرات المُسـيـرة مـن نفـس المبنـى لإستهـداف المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، إلا أن وزارة الإتصالات التابعـة للجماعة نفت في مؤتمر صحفي ذلك، مـؤكـدة أن المؤسسة لا تُستخدم إلا للأغراض المدنية.
انتهاك لقوانين الحرب
خلال سبعة أعوام من الصراع في اليمن، لم يسلم قطاع الاتصالات في البلاد من الهجمات العسكرية من قبل أطراف الصراع، الحوثيين من جانب والحكومة اليمنية والتحالف العربي من الجانب الآخر. فبحسب رصد قامت به openDemocracy فقد تعرضت أبراج الاتصالات ومحطات الإنترنت في اليمن إلى أكثر من 100 عملية استهداف دُمر فيها 248 محطة وبرج اتصال في مناطق متفرقة داخل البلاد.



ويوفر القانون الدولي الإنساني حماية خاصة للمنشآت المدنية التي تخدم عددًا كبيرًا من المدنيين، هذا ما يجعل استهداف شبكات الإنترنت والاتصالات في اليمن سلوكًا حربيًا ينتهك حقوق المدنيين. يرى علي جميل - الخبير في القانون الدولي الإنساني، أن استهداف وقصف منشآت الاتصالات والإنترنت يُعد مخالف لهذا القانون ويقول " بشكل أساسي كل ما هو مدني هو محمي بموجب القانون الدولي الإنساني، ما لم يكن له استخدام عسكري او هناك ميزة عسكرية مرجوة من استهدافه، وهذا يعني أن منشآت الاتصالات والإنترنت تتمتع بحماية خاصة كمنشئات حيوية هامة للسكان، بمعنى أنها تخدم قطاع كبير من المدنيين".
يؤكد الحقوقي والمسؤول الإعلامي بوزارة حقوق الانسان اليمنية، مطهر الخظمي، أن "استهداف المنشآت الخدمية والمصالح العامة من قبل أطراف الصراع يعد جريمة حرب، كون الاتصالات والانترنت منشأة خدمية مدنية وتتوقف عليها مصالح ملايين المواطنين ومصادر أرزاقهم، ولا بد من تحييدها عن الصراع، ولا ينبغي اقحامها بشكل أو بآخر في الصراع الدائر في البلاد."
الغريب في الأمر أن حدثًا كهذا لم يلق أي اهتمام من المجتمع الدولي، ولم يتصدر أخبار الإعلام العالمي
من جهته يقول عبد الرشيد الفقيه - المدير التنفيذي لمنظمة مواطنة لحقوق الإنسان " إن استهداف المنشآت المدنية والمؤسسات التي تخدم عدد كبير من المدنيين، هو سلوك حربي خطير يمكن أن يرقى إلى جريمة حرب، باعتباره شكل من أشكال العقاب الجماعي التي لا تميز بين المدنيين، وبحكم الأثر والضرر الواسع الذي يشمل مدنيين كأفراد أو مؤسسات مجتمع مدني وقطاعات مدنية فعالة في حياة اليمنيين".
ويُضيف " الهجوم على البوابة الدولية للإنترنت جاء بالتزامن مع تصعيد عسكري غير مسبوق، وكان هناك هجمات جوية وبرية ضد المدنيين في مختلف المناطق اليمنية حتى في المحافظات التي لا تشهد مواجهات عسكرية مباشرة، سقط إثر هذا التصعيد العشرات من المدنيين، أكبرها كانت الهجمة التي استهدفت مركز احتجاز في صعدة، وبسبب انقطاع الإنترنت لم نستطع إبلاغ العالم بهذه التحديثات من أجل حماية المدنيين والضغط على أطراف الصراع لوقف هذه الهجمات".
تجاهل دولي
الغريب في الأمر أن حدثًا كهذا لم يلق أي اهتمام من المجتمع الدولي، ولم يتصدر أخبار الإعلام العالمي.
لا يجد الناشط في الحقوق الرقمية فهمي الباحث، تفسيرًا واضحًا للتجاهل الإعلامي الذي رافق حادثة انقطاع خدمة الإنترنت في اليمن، "الحرب في اليمن بشكل عام لم تحظ باهتمام عالمي في كل حالاتها، فهي حرب منسية، وداخلها صراع منسي آخر في قطاع الاتصالات والانترنت".
ويضيف الباحث، " مما لا شك فيه أن الإنترنت أصبح شريان حياة بالنسبة للجميع حول العالم في حالات السلم، لكن حاجته أكثر في حالات الحروب، إذ يُستخدم في الجانب الإعلامي لتغطية الأحداث ومتابعتها، وذلك يساهم في الحد من زيادة انتهاكات حقوق الإنسان التي غالبا ما ترافق حالات الصراع المسلح. معظم الأعمال الإنسانية والصحية تحتاج إلى الإنترنت، ناهيك عن دور الانترنت الاقتصادي الذي تستخدمه الكثير من الأسر لبيع وتسويق منتجات تم صناعتها في المنزل، وبفقدان الانترنت كأن محلهم التجاري تم اغلاقه".
يتعجب 'ضيف الله حمران' - مراسل وكالة أنباء رابتلي الروسية في اليمن، من الصمت الذي خيم على وسائل الإعلام العالمية تجاه حدث كهذا ويقول "أن استهداف منشآت الاتصال والإنترنت جريمة خطيرة، لأنها تهدف إلى عزل اليمن عن العالم، خصوصًا أنها جاءت بالتزامن مع تصعيد عسكري لأطراف الصراع، الذين يسعون دائمًا إلى تكتيم الإعلام عن الجرائم المرتكبة بحق المدنيين".
آثار متعددة
يصف الناشط الحقوقي محمد الوتيري فترة انقطاع الإنترنت بأنها عودة للحياة البدائية، ويتحدث عن الصعوبات التي واجهته، "مثّل انقطاع الانترنت ازمة حقيقية بالنسبة لعملنا في المجال الحقوقي، فعلى الرغم من امتلاك المنظمات لبدائل مختلفة للوصول إلى الإنترنت، إلا أن انقطاع الانترنت عن كامل محافظات الجمهورية، أعاق عملنا واتصالنا بالحقوقيين والراصدين الميدانيين، الذين تعذر حصولهم على الانترنت. فقد قمنا بإيقاف أنشطتنا بسبب صعوبة الحصول على التحديثات والأخبار من الميدان، وقد وصل الأمر إلى أننا كنا نرسل بعض الأوراق والمستندات للشركاء مع أحد المسافرين أو خدمات النقل ليقوم بالتوقيع عليها وإعادتها".
"الهجوم على البوابة الدولية للإنترنت جاء بالتزامن مع تصعيد عسكري غير مسبوق، وكان هناك هجمات جوية وبرية ضد المدنيين في مختلف المناطق اليمنية حتى في المحافظات التي لا تشهد مواجهات عسكرية مباشرة"
أما مبارك اليوسفي الصحفي المختص بالجانب التقني، فقد توقف عمله بشكل كلي، "كصحفي متعاون مع جهات إعلامية ويرتبط عملي بشكل أساسي على وجود الانترنت من أجل التواصل مع المصادر المختلفة أو وسائل الإعلام التي أعمل معها، لذا فقد توقف كل عمل بمجرد توقف خدمة الانترنت".
ويبدي اليوسفي استغرابه من صمت الأمم المتحدة والمنظمات الدولية، تجاه استهداف المنشئات المدنية من قبل أطراف الصراع في اليمن، ويرى أن قصف البوابة الدولية للإنترنت في محافظة الحديدة لم يكن اعتباطا، ويذهب إلى أنه قد يكون الهدف منه نزع خدمة الإنترنت من يد جماعة الحوثي، خصوصًا بعد إنشاء بوابة دولية أخرى في عدن من قبل الحكومة المعترف بها دوليًا.
وعن الآثار الاقتصادية التي تسبب بها انقطاع الإنترنت في اليمن، يقول شوقي نعمان - مسؤول العلاقات العامة في بنك الأمل، "شكل الانقطاع أزمة على المستوى الاقتصادي، فلم نستطيع التواصل مع الجهات المانحة لصرف المساعدات المالية للاجئين والنازحين، ولم نستطيع العمل في التمويلات ولا التحويلات الاجتماعية رغم توفر شبكة أو نظام داخلي خاص بالبنوك، إلا أنه لم يكن يغطي نسبة 30 %من أعمالنا اليومية."
ويعد الإنترنت في اليمن الأسوء بحسب مؤشر speedtest الذي رصد متوسط سرعة الإنترنت في اليمن بـ 2,86 ميجا بايت بالثانية، إلا أن اليمنيين يرونه نافذة أمل للاتصال بالمحيط الخارجي والعالم، خصوصًا أن اليمن يعيش حالة حصار مطبق منذ اندلاع الحرب في مارس/ آذار 2015.
ومنذ وقتٍ مبكر تسعى أطراف الصراع في اليمن من أجل الاستيلاء على الإنترنت والاتصالات وكل طرف يفرض مضايقات أكبر من الآخر على شركات الاتصالات ويستخدمها لأغراض سياسية واخرى عسكرية، بهذا الحال يقول اليمنيون إن الضروري أن يتخذ المجتمع الدولي إجراءات للضغط على أطراف الصراع من أجل تحييد قطاع الاتصالات والانترنت عن الصراع والتوقف عن استهدافها أو تعمد حرمان المستخدمين منها.
Ukraine's fight for economic justice
Russian aggression is driving Ukrainians into poverty. But the war could also be an opportunity to reset the Ukrainian economy – if only people and politicians could agree how. The danger is that wartime ‘reforms’ could ease a permanent shift to a smaller state – with less regulation and protection for citizens.
Our speakers will help you unpack these issues and explain why support for Ukrainian society is more important than ever.
لقراءة المزيد
تلقَّ بريدنا الأسبوعي
تعليقات
نشجّع أي شخص على التعليق. الرجاء الرجوع إلى openDemocracy تعليمات أسلوب التعليق الخاص ب ن كان لديك أسئلة