Home: Feature

كيف يقضي اليمنيون رمضانهم هذا العام؟

يحلّ رمضان على اليمن في ظل أزمة معيشية واقتصادية حادة تفاقمت مع جائحة كورونا وتضاؤل حجم المساعدات الدولية للبلاد

زهرة القدسي
30.04.2021 12.01am
يعيش المعلمون في فقرٍ شديد اضطر كثيرًا منهم للنزوح أو امتهان مهنًا أخرى ليتحملوا مصاريف العيش لهم ولأسرهم
|
Michele Falzone / Alamy Stock Photo. All rights reserved

يمرُّ العاملون في القطاع التعليمي في اليمن بوضعٍ مزري لا يكاد يختلف عن باقي القطاعات في البلاد. يعيش المعلمون في فقرٍ شديد اضطر كثيرًا منهم للنزوح أو امتهان مهنًا أخرى ليتحملوا مصاريف العيش لهم ولأسرهم.

مع حلول شهر رمضان، تزداد كلفة المعيشة ومصاريف الأسر. ويأتي رمضان هذه السنة في ظل أزمة معيشية واقتصادية حادة تفاقمت مع جائحة كورونا وانقطاع بعض المساعدات التي كانت تقدمها الجمعيات غير الحكومية الى المحتاجين وذلك بسبب تضاؤل حجم المساعدات الدولية للبلاد.

مع صيامها، تستفيق سناء (إسم مستعار) باكرا لرعي الماشية رغم عدم اعتيادها على ذلك. سناء التي تبلغ من العمر ٤٦ عاما، ليست راعية او مزارعة، بل معلمة في احدى المدارس الحكومية في مدينة ذمار جنوب صنعاء منذ عام ١٩٩٦. تعمل سناء حاليًا في تربية الماشية كمهنة بديلة عن التدريس لتوفير كلفة معيشتها واسرتها.

بحسب وصفها فقد وصل الأمر بها بأن تذهب إلى المدرسة وتعود بدون أن تحصّل قيمة المواصلات أو حقَّ وجبةِ إفطار.

Help us uncover the truth about Covid-19

The Covid-19 public inquiry is a historic chance to find out what really happened.

وقد بدأ الوضع يزداد سوءً منذ انقطاع رواتب الموظفين الحكوميين ومن ضمنهم المعلمين بعد سيطرة الحوثيين على صنعاء عام ٢٠١٥ وإصدار قرار نقل الحكومة والبنك المركزي الى عدن في سبتمبر/أيلول ٢٠١٦ مما أدى الى تراجع سعر صرف العملة ليساوي الدولار الواحد ٦٠٠ ريال يمني بعملة الشمال المتداولة في مناطق سيطرة الحوثيين بعد أن كان يساوي ٢٥٠ ريال يمني. استمر هذا الانقطاع مع صرف نصف راتب حين تسنح الفرصة لحكومة صنعاء بذلك.

مجهود مضاعف

اضطرت سناء لشراء الحيوانات وتربيتها بحكم انقطاع الرواتب وضرورة المحافظة على مهنة التدريس بسبب فرض الحكومة على المعلمين الحضور وعدم التغيب وإلا يتم إلغاء الوظيفة الحكومية: "قبل عام فكرتُ بشراء الماشية ووضعها عند أحد الجيران ليعتنوا بها وثم تقاسم سعرها النصف بالنصف مستقبلًا، لكن سرعان ما مرَّ الوقت ورفض جيراني أخذها مما اضطرني للإعتناء بها ,تنظيفها ورعيها وهكذا حتى كبر عدد الماشية شيئًا فشيئا..."

"بالرغم من مشقة تربية الحيوانات ورعايتها تبقى أفضل بألف مرة من التدريس بحكم انقطاع الرواتب والحالة المادية الصعبة حاليًا،" تقول سناء، وتضيف: "الحاجة والصبر وحب الحيوانات ساعدوني على تحمل هذه المشقة".

تفكر سناء ببدء التسويق لحيواناتها في الصيف من هذا العام لتبدأ بالاستفادة وجني المال لتعيل أسرتها ولكنها توجهت للجهات المعنية قائلة: "ارحمونا واصرفوا رواتبنا بدلًا من البهدلة التي نعيشها".

فكرت سناء أكثر من مرة بترك التدريس والتفرغ لتربية الحيوانات بحكم المجهود المضاعف والتكاليف الذاتية التي يتحملها المدرسون دون أي عائد، "لكن في النهاية أفكر أنه إذا تحسنت الأوضاع وعادت الحياة لطبيعتها لا أريد أن تضيع معها وظيفتي، لذلك أداوم وعلى الله...".

مساعدات مقطوعة

تصف سناء الأوضاع التي جعلت هذا العام اصعب من الذي سبقه: "مرَّ شهر رمضان في العامين السابقين أفضل بكثير مع حوافز اليونيسف التي سلمت لنا، وساعدتنا في شراء مصاريف رمضان وملابس للعيد... لكن هذه السنة وقفوا صرف الحوافز مما أزّم علينا الحال"

على مدى العامين الماضيين تكفلت اليونيسف بصرف حوافز نقدية شهرية للمعلمين والموظفين العاملين في المدارس في اليمن بعدما قامت بتأمين مبلغ ٧٠ مليون دولار لهذه الغاية.

٢٠٢١٠٤٢٢_١٧٣٧٢٧-01.jpeg
مع حلول شهر رمضان، تزداد كلفة المعيشة ومصاريف الأسر
|
زهرة القدسي

كان يسلم هذا الحافز في شهر رمضان دفعةً واحدة بمبلغ ٢٥٠ دولار للمعلم الواحد، ويساعد الكثير من المعلمين في شراء احتياجاتهم من مصاريف رمضان وسداد ديونهم بعد ثلاث سنوات من انقطاع رواتبهم.

مع ذلك تضيف سناء: "الحمدلله تم تدبير حاجات ومستلزمات رمضان لهذا العام بمساعدة مادية من أقاربي إضافة الى نصف راتبي وراتب زوجي… رمضان يأتي ومعه الخير".

النزوح الى العاصمة

سالم (اسم مستعار) أكاديمي كان يعمل في جامعة الحديدة غرب صنعاء. على عكس سناء، قرر سالم ترك عمله والنزوح إلى العاصمة في رمضان ٢٠١٨ هربًا من الحرب والأوضاع المعيشية الصعبة لعلهُ بذلك يجد عملًا أفضل بحكم عملهِ الأكاديمي.

اصطدم سالم كالعديد من النازحين بالوضع المعيشي الصعب في صنعاء. "المدينة آمنة كمنطقة نزوح، لكنها ليست آمنة نفسيًا لسوء المعيشة"، يقول.

كما حال سناء، يضطر العديد من العاملين في القطاع الأكاديمي وغيره من القطاعات الى العمل رغم انقطاع رواتبهم منذ عام ٢٠١٥.

"عندما خرجتُ من الحديدة قلتُ لنفسي سأجد عملًا في صنعاء وسأرتاح لكن الرواتب متوقفة، والتاجر الذي لديه عمل يشكي حاله فماذا عنا؟" يضيف الأكاديمي البالغ من العمر ٤٥ عاما.

تفاجأ سالم أيضًا بالازدحام السكاني الذي تكتظ به العاصمة نتيجة نزوح أبناء مناطق النزاع إليها هربًا من الحرب وبحثًا عن فرص أفضل للعيش فيها. فقد أوضح تقرير للمجلس الأعلى للشؤون الإنسانية أن عدد الأفراد النازحين في محافظة صنعاء بلغ حوالي ٢٠٨ ألف نازح.

أسوأ أزمة انسانية في العالم

مع حلول شهر رمضان وازدياد مصاريف الأسر، زاد الأمر صعوبة مع توقف المساعدات مما دفع الكثيرين للجوء إلى الاستدانة.

حصل سالم سابقا على مساعدات نقدية قدمت له من منظمة DKH الألمانية التي تدعم النازحين عبر منظمة مجتمع مدني إسمها مؤسسة تنمية القيادات الشابة. ولكن سرعان ما انتهى المشروع الذي كان عبارة عن تقديم شيكات مالية ومواد تنظيف لمواجهة كورونا، وتوقف الدعم قبيل ثلاثة أشهر.

"كانت المساعدة المالية تساوي ٧٠ دولار وكانت تساعد على تغطية مصاريف كثيرة، ولكن توقفها أثر على رمضاني لهذا العام"، يشرح سالم.

unnamed2.jpg
المطبخ الخيري الرمضاني
|
ياسمين النقيب

وتعاني البلاد أسوأ أزمة إنسانية حول العالم حسبما ذكرته المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، حيث يحتاج أكثر من ٨٠% من السكان إلى شكل من أشكال المساعدة كما يحتاج ١٤ مليوناً إلى تدخل إنساني عاجل. وقد ذكر برنامج الأغذية العالمي أن أكثر من ٢٠ مليون شخصا في اليمن يواجهون الجوع في ظل غياب المساعدات الغذائية.

"المساعدات التي تقدمها المنظمات جيدة ويشكرون عليها لكنني أفضل أن نملك اعمالًا ونحصل قوت يومنا بأنفسنا. كل ما نحتاجه هو أن تعود رواتبنا وحياتنا كما كانت، وكل منا يعود الى عمله،" يضيف سالم.

في انتظار أن يأتي هذا اليوم، يقضي سالم أيامه بالاستدانة وتسديد هذه الديون من المساعدات التي يحصل عليها من اخوته المهاجرين في السعودية أو من الأجر الذي يحصل عليه عندما يجد عملا حرا بين الحين والآخر.

أزمات متشابكة

يدفع سالم ١٠٠ دولار شهريًا ليسدد إيجار البيت الذي يسكن فيه والذي يتكون من ثلاث غرف في منطقة شعبية على أطراف العاصمة. لم يجد هذا السكن بسهولة فقد كان يعيش مع أحد إخوته الذين يقطنون في صنعاء وانتقل ما إن وجد سكنًا.

IMG-20210415-WA0021.jpg
المطبخ الخيري الرمضاني
|
ياسمين النقيب

يطلب العديد من مالكي البيوت ضمانًا للسكن ودفع إيجار ستة أشهر مقدمًا وسالم حاله كحال العديد في المدينة، لا يمتلك هذا المبلغ بحكم نزوحه وبحكم الازمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد. "تدينتُ إيجار الستة أشهر المقدمة كي استطيع الانتقال"، يشرح سالم، "البيت يعتبر صغيرًا برغم ارتفاع سعرهِ... ولكن بعض اصدقائي يدفعون ٢٠٠ دولار شهريًا لبيوت غير صالحة للعيش."

كلفة السكن ليست الوحيدة التي ارتفعت. ففي ظل تدهور التعليم في القطاع الحكومي بسبب الأزمة التي دفعت بالعديد من المعلمين والأكاديميين مثل سالم وسناء الى البحث عن لقمة عيشهم في أعمال اخرى أو ترك المهنة، يسعى العديد من الأهالي الى إرسال أولادهم الى مدارس خاصة لتأمين فرصة أفضل لهم. هذا الأمر، يشرح سالم الذي لديه أربعة أطفال يضطر لتعليم بعضهم في مدارس خاصة، يرتب عليه رسوم وتكاليف اضافية.

مبادرات بديلة

ولكن في حين توقفت بعض مساعدات المنظمات غير الحكومية، فقد ظهرت مبادرات مجتمعية لها الأثر في تخفيف معاناة الفقراء والمحتاجين الذين فقدوا الدعم.

ففي السنوات الأخيرة ونتيجةً لارتفاع نسبة الفقر والنزوح في البلاد، برزت مبادرات جديدة تدار بأيدي شباب وبتعاونٍ بينهم لتوزيع سلل غذائية أو فتح مطاعم خيرية بعدما كانت تلك المطاعم عادة مرتبطة ببعض الأسر الميسورة او بيوت فاعلي الخير الكبار في السن.

منذ خمس سنوات بدأت المطابخ الخيرية بالانتشار كنشاط تطوعي تقوم خلاله مجموعة من الشباب بطبخ وجبات للإفطار وتوزيعها على المحتاجين ومن ثَمَّ بدأ هذا التقليد بالإنتشار للدلالة على التكافل الإجتماعي في رمضان.

unnamed.jpg
المطبخ الخيري الرمضاني
|
ياسمين النقيب

لمسة الإنسانية إحدى هذه المبادرات المجتمعية. "هذهِ السنة الرابعة للمطبخ الخيري الرمضاني،" تقول رئيسة المبادرة ياسمين النقيب، "كما أننا لا نشارك فيه لوحدنا وإنما اجتمعت عدة مبادرات خيرية للعمل عليه. في العادة نقوم بتوزيع سلل غذائية لكن لعدم توفر الدعم هذا العام شاركنا في المطعم الخيري".

تعتمد هذه المبادرات على الدعم الذاتي من أفراد فريقها أو من الميسورين أو من أهالي المنطقة ولو بالشيء البسيط لشراء مستلزمات ومكونات الوجبات التي يتم إعدادها جماعيًا في المطبخ.

تحديات الجائحة

هذا العام حُكمت هذهِ المبادرات بالوضع الصحي وانتشار الجائحة والضائقة الاقتصادية مما دفع بعض المطابخ الخيرية ومنها اللمسة الانسانية بالاضافة الى بسمة أمل وبلدي أحلى وروضة الحنان وكن خير للغير وأنا أستطيع، إلى توحيد القوى لتوفير التكلفة والاتحاد في مطبخ واحد وصل انتاجه الى ٥٠٠ وجبة في اليوم.

توزع الوجبات التي تنتجها مبادرة اللمسة الانسانية على محتاجي المنطقة التي ينتمي لها المتطوعون وقد تصل إلى سبعين وجبة لمنطقة أو حارة واحدة بالإضافة الى حوالي ٣٠٠ حصة من التمر والماء توزع في مختلف أنحاء العاصمة يوميا. تقول ياسمين "يأخذ المتطوعون الوجبات حسب الحاجة لكل منطقة ينتمون لها ويقومون بتوزيعها مع الالتزام بالإجراءات الاحترازية للوقاية من كورونا."

شهر الخير

اما مبادرة "سحورك علينا" فتقوم بتوفير وجبات السحور للأسر المحتاجة. "فكرت بأطفال هذهِ الأسر لأنهم قد لا يجدون ما يأكلون في الصباح. ففي العادة الأسرة قد تعيش على وجبة الإفطار فقط"، تقول ابتهال طه المشرفة على المشروع.

received_732602620717316.jpeg
"سحورك علينا"
|
ابتهال طه

وكان برنامج الأغذية العالمي قد حذّر عام ٢٠١٩ بأن ما يقارب ٢٢ مليون شخص في اليمن يضطرون الى تقليص عدد الوجبات أو التخلي عنها بسبب المخزون الغذائي الضئيل.

شرحت الشابة البالغة من العمر ٢٥ عاما أنها تختار الأسر المحتاجة القريبة من منطقتها كون دخلهم اليومي لا يكاد يصل الى دولار واحد يوميًا، كما أن اطفال العديد من هذه الأسر يعملون في قطف القات أو جمع العبوات البلاستيكية. كما استهدفت ابتهال ايضًا المعلمين الذين يعانون من الأزمة المعيشية الحادة التي تحدثت عنها سناء.

أما للتمويل، تعتمد ابتهال على متابعي صفحتها على الفيسبوك بالإضافة للأصدقاء وفاعلي الخير الذين يساهمون بمبالغ صغيرة.

تقول ابتهال أنها سعيدة جدا لأن الفكرة انتشرت في أماكن أخرى مؤكدة أن اثنتين من متابعاتها على الفيسبوك نفذتا الفكرة في محيطهما.

ابتهال ما زالت طالبة في الجامعة ولكنها تستعمل منبرها على الفيسبوك لتشارك وتدير سنويًا أعمال خيرية تدعم بها المحتاجين. ففي ظل كل هذه الأزمات المعيشية والصحية والسياسية، يبقى شهر رمضان مرتبط بالكرم وعمل الخير.

We’ve got a newsletter for everyone

Whatever you’re interested in, there’s a free openDemocracy newsletter for you.

Had enough of ‘alternative facts’? openDemocracy is different Join the conversation: get our weekly email

تعليقات

نشجّع أي شخص على التعليق. الرجاء الرجوع إلى openDemocracy تعليمات أسلوب التعليق الخاص ب ن كان لديك أسئلة
Audio available Bookmark Check Language Close Comments Download Facebook Link Email Newsletter Newsletter Play Print Share Twitter Youtube Search Instagram WhatsApp yourData