
لبنان: مبادرات فردية في مواجهة الكورونا والأزمة الإقتصادية الخانقة
برزت بعض المشاريع البديلة لتقديم خدمات مختلفة عبر الانترنت خلال فترة الحجر، ولكن واقع الأزمة الاقتصادية الحادة يجعلها تصارع للبقاء

مع انتشار جائحة كورونا واستمرار الحجر المنزلي برزت بعض المشاريع على الانترنت ومواقع التواصل الاجتماعي لتقديم الخدمات الطبية والمختبرية. أحد هذه المشاريع صفحة nurse home care التي تؤمن خدمات تمريضية منزلية. وكانت هذه الصفحة متواجدة سابقا لكنها اشتهرت أكثر وزاد عملها خلال فترة الحجر المنزلي.
هي صفحة خدمات طبية مخبرية متنقلة أي بمعنى آخر تصل الخدمات إلى بيت المريض للقيام بإجراء الفحوصات المطلوبة مثل مسحة ال pcr، فحوصات الدم او حتى علاجات فيزيائية بنفس السعر الذي تقدمه المختبرات الطبية.
وقد ازدهر عملها خلال الجائحة بسبب عدم قدرة الجميع على التنقل أو الخوف من الذهاب الى المختبرات أو المستشفيات المكتظة، مما جعلها تقدم خدمات جديدة مثل فحوصات دم معينة وأنواع من الاستشفاءات الخاصة. وعملت الصفحة على تقوية الإعلانات للوصول الى اكبر عدد من المتابعين مما يؤدي إلى زيادة عملها وربحها.
من ناحية اخرى، اختار العديد من الاطباء مواقع التواصل الاجتماعي للتقرب من متابعيها ومرضاهم، وبالوقت عينه استفادوا من الحجر المنزلي ليقدموا النصائح الطبية عبر الإنترنت.
Help us uncover the truth about Covid-19
The Covid-19 public inquiry is a historic chance to find out what really happened.
فمثلا اخصائية التغذية نانسي ريحاني بدأت بتقديم الاستشارات عبر الانترنت كما أن صفحتها على الانستغرام تقدم النصائح الغذائية والمعلومات الضرورية لحياة صحية. الفترة التي أمضتها خلال الحجر سمحت لها بتطوير الصفحة وازدهارها مما جعلها تصل للعديد من المتابعين الجدد، داخل وخارج لبنان. كما ساعدها هذا على بدء مشروع صغير وهو تحضير زبدة الفستق الصحية وبيعها، مما يعطيها مردود مالي إضافي.

تكلمت نانسي عن بعض العقبات التي تواجهها خلال الاستشارات عبر الانترنت وهي بطء الشبكة في لبنان، واحيانا انقطاع الاتصال مما يؤدي إلى تمديد فترة التشاور إلى أكثر من الوقت المحدد.
مشاريع بديلة
بالإضافة لهذه الخدمات الطبية برزت العديد من الأعمال التجارية عبر الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، منها الصفحات المتخصصة ببيع الثياب والاكسسوارات المستعملة المعروفة بال thrift shops، وصفحات لبيع الحلويات أو الطعام البيتي وصفحات للمونة المشهورة في لبنان.
حنان بكداش صاحبة صفحة "اكلة زوزو" على انستغرام تروي قصتها مع مشروعها الصغير، الذي تحول الى مشروع ينتج لها مردود مالي ويساعد أيدي عاملة.
"بدأ مشروع المونة مع بداية الحظر أثناء فترة كورونا العام الماضي، ومع تردي الأوضاع الاقتصادية. فقررت إنشاء هذا المشروع الذي يقوم بتشغيل أيدي عاملة نسائية متخصصة بالمونة، فهناك نسوة مختصة بكبكبة اللبنة ونسوة مختصة بصنع المكدوس وغيرهن، وبالوقت عينه المردود الذي احصل عليه قسم منه يتوزع على العائلات الفقيرة، وقسم يكون خاص لي."
والمونة هي من المنتجات التراثية في لبنان. وأضافت بكداش أن كل المنتوجات التي تستعملها طبيعية مئة بالمئة ومن الأرض مباشرة.

بدأت بكداش بتسويق منتجاتها ضمن العائلة والأصدقاء، ومن ثم اعتمدت التسويق الالكتروني اي الboosting مما ادى الى زيادة الطلبات وارتفاع عدد زبائنها.
والboosting هي عملية تسويق على منصات مواقع التواصل الاجتماعي تتيح لصاحب الصفحة بدفع مبلغ مالي معين للوصول إلى عدد أكبر من الزبائن مما يؤدي إلى الربح وزيادة نسبة المتابعين.
ولكن بكداش تواجه مشكلة كبيرة بسبب ازمة الدولار الذي ارتفع سعره في الآونة الأخيرة بنسبة وصلت الى ٩٠٠٪. المواد الأولية اصبحت اسعارها مرتفعة ومعدات التغليف والتعبئة ايضا ارتفعت اسعارها.
"ليس هناك سعر ثابت بسبب سعر الدولار غير المستقر، فمثلا كيلو اللبنة كان يكلف عشرون ألف ليرة لبنانية الان ارتفع الى خمسة وثلاثين ألفا"، مشيرة إلى صعوبة الوضع الاقتصادي الذي تعيشه البلاد.
وأكدت الخبيرة الاقتصادية محاسن مرسل الحلبي، على أن السوق الافتراضي يتذبذب بتغير سعر صرف الدولار مثله مثل اي محل فعلي، خصوصا ان لبنان يستورد كل منتجاته ومواده الاولية من الخارج بالدولار وليس بالليرة اللبنانية.
صراع للبقاء
رغم أن هذه الصفحات لا تحتاج للعديد من العاملين فيها، وتكلفتها أقل من المحلات الفعلية، إلا أن بعض الصفحات تواجه صعوبة كبيرة بالاستمرار وتعاني من أزمة تآكل رأس المال، مما يستدعيها الى التوقف عن العمل لفترة معينة.
وهذه الحالة الصعبة يعاني منها ايضا صعب شميط، صاحب صفحة saab delights الذي يقوم من خلالها ببيع حلويات منزلية. تكلم شميط عن شغفه القديم تجاه المطبخ والمأكولات مما حفزه على انشاء هذه الصفحة.
"قمت بانشاء هذه الصفحة منذ حوالي السنة والنصف ولكن التركيز عليها بدأ خلال فترة الحجر المنزلي أي مع بدء انتشار فيروس كورونا".

بدأ شميط بالاهتمام اكثر من ناحية التصوير، ابتكار الوصفات ، التفاعل مع المتابعين واخذ الطلبات المتنوعة من قوالب حلوى لاعياد ميلاد أو تخرج وغيرها من المناسبات.
فشميط يحلم أن يكون له عمل خاص به ولو بسيط لكنه الآن يصارع ليبقى، "انا ادفع على هذا المشروع أكثر مما انتج منه، كل هدفي حاليا إبقاء هذا المشروع حي."
حاليا توقف شميط عن أخذ الطلبات بسبب ارتفاع سعر الدولار وعدم قدرته على تحمل خسارة اكثر، ولا يمكنه أن يزيد الاسعار اكثر لان الوضع المادي للقاطنين في البلاد محدود.
أزمة دولار
ومن الصفحات او الاعمال التي انتشرت بشكل واسع على مواقع التواصل الاجتماعي هو الthrift shops اي المحلات التي تبيع ثياب مستعملة ونظيفة.
هبة ورينا، طالبتان في الجامعة الاميركية في بيروت، قامتا بإنشاء صفحة لبيع ثيابهما الجديدة والمستعملة ، والهدف من ذلك تمضية بعض الوقت، التخلص من الثياب المتراكمة والاهم ان تكونا مستقلتين ماديا وعدم طلب المال المتكرر من أهلهما في ظل الظروف المادية الصعبة.
مرحلة التسويق تبدأ بالتصوير، عرض الثياب وتسعيرها ثم بيعها، وعند التخلص من "الستوك" تقومان ببيع ثياب أشخاص على الطلب مع أخذ نسبة بسيطة و بالتبضع لعرض بضاعة جديدة.

"السعر يكون دائما اقل من السوق المنافس خصوصا أن وضع المقيمين لا يسمح بدفع مبالغ عالية مقابل شراء كنزة او بنطال"، تقول هبة.
من ناحية التسويق تواجه الفتاتان مشكلة وهي الاعلانات، فكل إعلان يحصد العديد من التفاعل والزبائن ولكن بسبب ازمة الدولار التي يعيشها البلد لم يعد باستطاعتهم تسويق منتجاتهما بشكل متكرر، مما أدى إلى انخفاض مستوى الربح.
"اذا أردنا ان نسوّق لاي منشور ندفع على الاقل ١٠ دولار اي ثمن قطعتين او ثلاث لدينا، فأين يكون الربح والمردود الصافي؟ لذلك نقتصد كثيرا من ناحية الاعلانات ونركز أكثر على الطرق المجانية أي التفاعل مع المتابعين عبر خاصية الـ ستوريز وغيرها،" تضيف هبة.
وأضافت محاسن أن العديد من الصفحات المتوسطة الدخل، تعاني من الازمة عينها وهي عدم توفر ال"fresh dollars" للقيام بعمليات التسويق بسبب الوضع الاقتصادي الذي يعيشه لبنان حاليا، مما يؤدي إلى انخفاض نسبة القبول للمنتجات أو الخدمات التي تقدمها الصفحة، ونسبة الربح تنخفض تدريجيا، ويكون أصحاب هذه المشاريع أمام خيارين هما إما إنهاء المشروع، او الخسارة والعمل به رغم الظروف الصعبة.
لقراءة المزيد
تلقَّ بريدنا الأسبوعي
تعليقات
نشجّع أي شخص على التعليق. الرجاء الرجوع إلى openDemocracy تعليمات أسلوب التعليق الخاص ب ن كان لديك أسئلة