
سوريا: بين اتفاقيات محلية وتنافس إقليمي ووباء عالمي
يتزايد التنافس بين روسيا وإيران للسيطرة على سوريا، مع تحرك النظام نحو السيطرة على إدلب.

مع تحرك الرئيس السوري بشار الأسد نحو هدفه لاستعادة "كل شبر" من الأراضي السورية، استهدفت محافظة إدلب في شمال غرب سوريا بتصعيد الهجوم العسكري من قبل النظام، وبدعم من روسيا والميليشيات المدعومة من إيران. ما زالت مجموعة من الفصائل المعارضة في المعقل الأخير لقوات المتمردين، بما في ذلك هيئة تحرير الشام الجهادية والجيش السوري الحر، بدعم من القوات العسكرية التركية. ولكن توقف السعي لتحقيق النصر العسكري الكامل (مؤقتًا) في آذار 2020 عندما عقد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره التركي رجب طيب أردوغان الهدنة في محافظة إدلب.
ومنذ ذلك الحين، دفع تفشي وباء فايروس كورونا ووجود الأزمة الاقتصادية المتفاقمة والضغوط العامة الأسد إلى الدخول في العديد من الاتفاقيات المحلية مع الجماعات المتمردة في شمال سوريا. ويتمحور جوهر هذه الصفقات حول توفير تبادل للأسرى وفتح الطرق التجارية بين المناطق "المحررة" والمناطق الخاضعة لسيطرة النظام السوري. تبرز هذه الاتفاقيات كيفية تشكل الممارسة المستمرة لإدارة الصراع المحلي من خلال التنافس على السلطة على المستوى الوطني (والدولي). إذ يكشف مسح أوسع في سوريا للاتفاقيات المحلية بأنها غالبا ما تكون أدوات تكتيكية لمنح أحد الأطراف الموقعة على الأقل ميزة استراتيجية في ساحة المعركة أكثر من أنها مبادرات سلام بناءة.
Join the COVID-19 DemocracyWatch email list
Sign up for our global round-up of attacks on democracy during the coronavirus pandemic.
Help us uncover the truth about Covid-19
The Covid-19 public inquiry is a historic chance to find out what really happened.
ثلاث اتفاقيات سرية والافراج عن 18 سجينا
توسط النظام السوري في آذار ونيسان 2020 في عقد ثلاث اتفاقيات سرية للغاية مع الجماعات المعارضة لتبادل 18 سجينًا. جرى التبادل الأول حول مدينة دارة عزة في ريف حلب الغربي في 16 أيار 2020. وأفرجت هيئة تحرير الشام، التي تهدف إلى إقامة خلافة إسلامية داخل الحدود السورية، عن عقيد وجندي من قوات النظام السوري مقابل ثلاثة مقاتلين.
وبعد ذلك بيومين، في محيط بلدة تل حدية، جرى تبادل ثلاثة جنود من فيلق الشام، أحد فصائل جبهة التحرير الوطني، بمقاتل وضابطة استخبارات في النظام السوري، بالإضافة إلى جثتين تعودان لفردين من الطائفة الشيعية (أحدهما لبناني).
نظرًا لوجود وباء فايروس كورونا، فقد خضعت المقايضات الثلاثة لضمانات خاصة بالنظافة
أطلقت غرفة عمليات وحرض المؤمنين، وهي تحالف جهادي تابع للقاعدة، سراح ثلاثة "أعضاء ميليشيات" مقابل امرأتين وأطفالهما في 22 أيار. كانت إحدى النساء زوجة أحد قادة هيئة تحرير الشام وقد تم القبض عليها قبل ذلك بعامين. وبحسب ما ورد فقد قامت بتطليق زوجها عند عودتها وغادرت الجماعة الجهادية.
ونظرًا لوجود وباء فايروس كورونا، فقد خضعت المقايضات الثلاثة لضمانات خاصة بالنظافة. وحسبما ورد فقد كانت فصائل المعارضة قلقة بشأن العدوى المحتملة للسجناء الذين أطلق سراحهم النظام السوري. ووفقًا لمصادر خاصة، فقد اشترطوا في المفاوضات إلغاء التبادل إذا أصيب أي سجين أو إذا لم يتم التحقق من صحتهم بعناية قبل ذلك.
وأبلغنا رئيس نقابة الأطباء الأحرار في إدلب أن السجناء الذين أطلق سراحهم النظام السوري، وكان بعضهم محتجزين في سجني صيدنايا وعدرا في شمال دمشق وفي فروع مخابرات عسكرية أخرى، أنه قد تم إجلاؤهم إلى منطقة تابعة لمديرية الصحة في معرة النعمان ليتم تعقيمهم وخضوعهم للحجر الصحي لمدة أسبوعين. وبمجرد التحقق من حالتهم الصحية، سُمح لهم بالعودة إلى أسرهم.
وكما هو الحال في سوريا في كثير من الأحيان، تم دعم المقايضات الثلاثة بشكل لوجستي من قبل الهلال الأحمر العربي السوري. وأشار العديد من الناشطين ممن تمت مقابلتهم في محافظة إدلب إلى الوضع الغامض لهذه المنظمة الإنسانية. إذ تعتبر الشريك الحكومي الرسمي (الوحيد) الذي على جميع وكالات الأمم المتحدة والوكالات الدولية العمل من خلاله في سوريا. إذ يُنظر اليه كمنظمة تابعه للنظام السوري وتخضع لسيطرة مشددة من قبل المخابرات الجوية، رغم أنها تنتمي رسمياً إلى اللجنة الدولية للصليب الأحمر.
الاتفاقيات المحلية لضمان الدعم الداخلي والخارجي
تعتبر هذه الأنواع من الصفقات المحلية مثيرة للاهتمام لأنها تخدم عددًا من الاهداف للرئيس السوري. والأهم من ذلك أن بشار الأسد يتعرض لضغوط من حليفته إيران. إذ تصر الأخيرة بشكل منهجي على استعادة جثث الجنود الذين ماتوا في ساحة المعركة. حيث ينتمي هؤلاء الجنود إلى الميليشيات المدعومة من إيران والجماعات المرتبطة بحزب الله. وهم إما إيرانيون أو عراقيون أو لبنانيون وفي قلب استراتيجية دعائية تتمحور حول استشهادهم و"تضحيات المسلمين الشيعة لتحرير الأرض السورية من الإرهاب (السني).”
تبادل السجناء يوفر وسيلة للرئيس السوري لإظهار إحسانه للشعب السوري
ومع ذلك، يعتبر الدعم الداخلي مهم أيضا لسلطة الأسد داخل سوريا، ويوفر تبادل الأسرى وسيلة للرئيس السوري لإظهار إحسانه للشعب السوري. في حين أن الصفقات سرية للغاية، يصور النظام السوري الممارسة على أنها التبادل بين "أبناء العرب" الأبطال من الشعب السوري ضد "الإرهابيين" الذين لا قيمة لهم. ومن الناحية العملية، فإن التبادل هو أيضًا فرصة لاسترداد معلومات استخبارية ثمينة عن الجانب الآخر.
والمثير للدهشة أن النظام السوري قد شارك بشكل متزايد في الصفقات المحلية مع الجماعات الجهادية في محافظة إدلب. فعلى سبيل المثال، وافق النظام في شباط 2020 على فتح معبر لتبادل البضائع مع هيئة تحرير الشام حول سراقب. ومن المرجح أن تعزز هذه الأنواع من الصفقات دور وشرعية هيئة تحرير الشام داخل المناطق التي يسيطر عليها المتمردون. وفي الوقت نفسه، تبقى هذه الجماعة الجهادية واحدة من أقوى المعارضين للنظام السوري فكريًا وعسكريًا.
ويعتبر التقارب الواضح بين النظام السوري والمتمردين الجهاديين أقل إثارة للدهشة عندما ينظر المرء إلى استراتيجية الرئيس السوري لتصوير الصراع على أنه صراع النظام (الشرعي) ضد الإرهاب. وفي النهاية، تجعل هذه الرؤية الثنائية للصراع الأسد أقل شرًا وستمنحه دعم المجتمع الدولي لشن هجوم واسع النطاق في شمال غرب سوريا.
اكتشف العديد من المراقبين علامات واضحة للتعاون بين الأسد والفصائل الجهادية بين عامي 2011 و2017
ففي الأيام الأولى من الثورة السورية، كان الأسد قد أمر بالفعل بإطلاق سراح مئات المسلحين الإسلاميين من سجن صيدنايا. إذ اكتشف العديد من المراقبين علامات واضحة للتعاون بين الأسد والفصائل الجهادية بين عامي 2011 و2017. كان يعتقد أن قوات الحكومة السورية لم تشارك في مواجهة عسكرية مع الجماعات الجهادية عندما أتيحت لها الفرصة للقيام بذلك من جهة. وبدلاً من ذلك، ركزت قوات النظام عملياتها العسكرية ضد العناصر المعتدلة من المعارضة. ومن ناحية أخرى، اتُهمت الحكومة السورية بالتورط في صفقات طاقة مع الجماعات المتمردة وشراء النفط والغاز من المناطق التي تسيطر عليها تنظيم الدولة الإسلامية وجبهة النصرة.
هيمنة القوى الخارجية
أكدت عشرات المقابلات التي أجريت في إدلب مع الأطباء ومتطوعي الدفاع المدني ونشطاء حقوق الإنسان اليد العليا لروسيا وتركيا في الشؤون العسكرية والسياسية في سوريا. وحتى أن أكثر الاتفاقات المحلية البسيطة، مثل تبادل عدد قليل من السجناء، قد تمت الموافقة عليها والوساطة فيها والاشراف من هاتين الدولتين. وفي الوقت الذي يطرح التأثير الخارجي مسألة وكالة النظام السوري والجماعات المسلحة المعارضة، فإنه يعرض أيضًا دور المجتمع المدني وممثلي الشعب السوري للخطر على نطاق أوسع في إدارة النزاع.
وكما أفصح ضابط رفيع المستوى شارك في عدة مفاوضات رفيعة المستوى في سوريا، "عندما يكون [رجل عسكري] روسي في الغرفة، لا يجرؤ أحد على فتح فمه. الروس يسيطرون على كل شيء في المناطق التي يسيطر عليها النظام ويستمع إليهم الجميع.” وبالإضافة الى ذلك، يبدو أن الجيش الروسي كان قادراً على كسب الثقة النسبية لجميع أطراف الصراع في سوريا، بما في ذلك في معسكر المتمردين. وكما أضاف الضابط المجهول: "نحن نعلم أن كلمات الروس تتبعها دائمًا الأفعال، سواء أحببنا ذلك أم لا".
ومع الاصابات الشديدة لفايروس كورونا في إيران وروسيا، ترزح الأولى أيضًا تحت وطئة العقوبات الدولية واقتصاد فاشل. ونتيجة لذلك، يتوقع الخبراء أن تجد جمهورية إيران الإسلامية صعوبة في التعافي على الجبهة السياسية والاقتصادية، مما يدفع إلى الانسحاب من ساحة المعركة السورية والى الدعم المكلف للعديد من الميليشيات في جميع أنحاء الشرق الأوسط.
قد تمنح الاطاحة بالأسد "روسيا اليد العليا على حساب إيران"
كانت الروايات حول المنافسة في قيادة النظام السوري في العام الماضي تزيد من ثقل النفوذ الروسي. ففي 8 تموز 2019، أعلن بشار الأسد عن تغييرات عديدة في كبار ضباط الأمن - أهم عملية إعادة هيكلة منذ تفجير مقر الأمن القومي في دمشق عام 2012. بينما حاولت روسيا التخفيف من أهمية إعادة التنظيم السورية، كان ينظر إليها على أنها المستفيد الرئيسي من الإصلاح. منح القرار أدوارًا رئيسية للشخصيات الموالية لروسيا في أجهزة المخابرات والأمن السورية. وفسر على أنه علامة على النفوذ الخارجي المتزايد وبشكل أدق على أنه "جزء من تنافس أكبر بين روسيا وإيران على السيطرة على الجيش السوري والأجهزة الأمنية السورية وبالتالي جزء من إطار المنافسة الجيوسياسية". وكما يروي اللواء اللبناني الياس حنا أنه قد تمنح الاطاحة بالأسد "روسيا اليد العليا على حساب إيران". وكانت السعودية قد قدمت تحليلاً مماثلاً في ورقة بعنوان "هل تطيح روسيا نفوذ إيران في الأجهزة الأمنية السورية".
يبدو أن السلام المتفاوض عليه في سوريا هو شبه مستحيل. إذ يستعيد بشار الأسد السيطرة على الأراضي تدريجياً بدعم من روسيا وإيران. ومع ذلك، فإن تدمير الثقة والنسيج الاجتماعي في البلاد التي دمرها ما يقرب عقد من الصراع الوحشي قد يكون أكبر تحد لمن يفوز في المعركة النهائية، الأمر الذي سيتطلب مشاركة مدنية.
لقراءة المزيد
تلقَّ بريدنا الأسبوعي
تعليقات
نشجّع أي شخص على التعليق. الرجاء الرجوع إلى openDemocracy تعليمات أسلوب التعليق الخاص ب ن كان لديك أسئلة