
Amr Nabil/AP/Press Association. All rights reserved. منذ بضعة أسابيع وأنا أشاهد أحد عروض الرقص المعاصر في وسط القاهرة داخل أحد المباني الحكومية ضمن فعاليات أحد المهرجانات المستقلة في العاصمة، دخل علينا ثُلة من رجالات الشرطة الذين تتراوح رُتبهم بين العميد واللواء، مابين زي مدني و آخر يرتدي البذة الشرطية المرصعة بالنجوم والنسور والسيوف.
لا أخفيكم سرًا، كانت لحظة مثيرة لغثياني وغضبي، شعرتُ بتوتر شديد، فرؤية رجال الشرطة في هذا البلد ليست من أسعد اللحظات التي تمر علي. وهذا يحيلني لمسألة التعاطف مع قتلى الشرطة، والذين لا أشعر معهم بتعاطف حقيقي، نعم، هذا ما أشعر به نحوهم، قُل أنني متطرف، متعصب، أصب أحكامي التعميمية على الصالحين من رجال الشرطة الذي يقدمون أرواحهم فداء الوطن.
المسألة تتعلق بشعور وليس حكم عقلاني، صورة رجل الشرطة في ذهني شَرطية، مُرتبطة بالقهر والظلم لكل مَن هو مستضعف، ولا يستطيع الحصول على حقه إلا إذا كان لديه ظهير قوي يسانده. الشرطة في ذهني تتعلق بمقتل خالد سعيد، وسيد بلال، وعماد عفت. الشرطة في ذهني تتجسد في حالات الإختفاء القسري، والإعتقال السياسي واغتصاب الفتيات في أقسام الشرطة، واستغلال السلطة بشكل غير سوي لإثبات عُقد النقص لدى رجال الشرطة أيا كانت رُتبهم.
لا أستطيع حتى هذه اللحظة أن أتعامل مع ضابط الشرطة الذي صفع هذا الرجل، أو ركل مؤخرة هذه المرأة بأنه حالة فردية، لماذا نرى في النماذج السيئة حالات فردية، ولا نرى أيضـًا في الحالات الجيدة نفس الفردية؟ كيف لرجل إمتلك سلطة في يديه أن يرى نفسه حاكمــًا بأمر الله في مقدرات بشر آخرين يمكنه أن يقضي على حياتهم بجرّة قلم دون إكتراث، ثم نُطالب بعد ذلك أن نرى الأمر فرديـًا؟
لماذا تحول مبدأ الحسنة تخص والسيئة تعم في هذه الحالة إلى العكس تمامــًا؟ فصار رجل الشرطة قاتل الشاب في الدرب الأحمر حالة فردية؟ وأمناء الشرطة في أزمة نقابة الأطباء حالة فردية؟ وأزمة نقابة الصحافيين كذلك !!؟؟
أحتقر ذاتي، لأن الجُبنَ يمتلكُ كُلي، أشعر أنني أضعف من المواجهة، وأن قولة الحق لا طائل منها
الشرطة هي التجسيد الأكثر قبحــًا للسلطة، لذا فكراهيتها فرض عين، كراهية السلطة بشكل عام، وسلطة الشرطة بشكل خاص. كراهية الأشخاص والمؤسسة، وهنا لا يمكنني الفصل بينهما، فالمؤسسة هي التي تنتج الأفراد، والأفراد هم من يديرون المؤسسة ويضعون لبنات الحركة والتخطيط داخلها.
هذه الكراهية في لحظة ما، تفقدني شعوري النقي كوني إنسانـًا، رُغم أن الكراهية مثل الحب تمامـًا مسألة شعورية يصعب التحكم فيها طوال الوقت، إلا أنها تصيبني بحالة من احتقاري لذاتي، لا أرغب في رؤيتها وهي كارهة لكيان أيـًا كان.
لكنها السلطة المُفسِدة التي تُشكل من يدخل في دهاليزها كيفما تشاء، فإن كانت الشرطة هي القابعة على هرم الكراهية، فكل قابض على سلطة بيديه هو جزء من صورة الكراهية التي تزداد حجمـًا في هذا الوطن.
ذلك المواطن الذي يرى في نفسه حامي حمى التراب الوطني، مُنصّبــًا نفسه رقيبـًا على وطنية الآخرين، هو ذلك الوجه القبيح القابع في أسفل درجات الهرم، تشعر بوجوده وأنت تسير في الشارع، نظراته المرتابة منك، الممتلئة شكـًا من مظهرك الخارجي الذي يبدو خطرًا داهمـًا على أمن الوطن وسلامة أراضيه.
هذا المواطن ليس شخص أو إثنين بل هو مستنسخ ينتشر كل يوم، فتشعر وأنت تسير في الطريق أنهم يرتدون نفس القناع ويمتلكون نفس النظرات التي تملؤك رُعبـًا وأنت تسير بين أركان وطنك.
ثلاث سنوات مرت، وأنا أشعر أن السير في هذا البلد صار عبئـًا جسيمـًا يجثو على صدري، شعور بالرصد طوال الوقت، رصد مجتمعي وأمني، لا تعلم من أين ستأتيك الضربة؟ تحاول أن تحمى ذاتك، وتتسلل إلى هذه القوقعة الوهمية التي تُشعرك أن كل شيئ على مايُرام وإنه "مسيرها تروق وتحلى" حتى تنتهي رحلتك اليومية في الشارع حتى تصل إلى البيت فتغرق داخل سريرك حتى تستمع إلى صوت الإطمئنان الخادع داخل وسادتك.
أحتقر ذاتي، لأن الجُبنَ يمتلكُ كُلي، أشعر أنني أضعف من المواجهة، وأن قولة الحق لا طائل منها، لن تسمن أو تغني من جوع، وأن مدة الهروب داخل وسادة النوم هو أفضل وسيلة لاستكمال هذه الرحلة المُرهقة من الحياة، فنُصرة الضعفاء لن تفلح، لأننا ضعفنـا لن يتحد فيقوى فيكسر جبروت السلطة، أي سُلطة حتى لو كانت سلطة أب يسيطر على مصير إبنته الصغيرة.
لا أعلم، هل إحتقاري لذاتي سبب أم نتيجة لكراهية السلطة، هل لأنني أضعف وأجبن من مواجهة السلطة أكره ذاتي فأكره السلطة والسلطان؟ أم لأنني أكره السلطة لما تفعله فأحتقر ذاتي لأنها تكره؟ والكراهية شعور يقتل.
لقراءة المزيد
تلقَّ بريدنا الأسبوعي
تعليقات
نشجّع أي شخص على التعليق. الرجاء الرجوع إلى openDemocracy تعليمات أسلوب التعليق الخاص ب ن كان لديك أسئلة