Home

نَمرةٌ تأكل أولادها الثلاثة من شدة الجوع في سوريا

وقع خليفة مرةً أخرى في صراع نفسي بين الموت مع القرب والحياة مع الفراق، قبل أن يقرر أخيراً الموافقة على إخراج جميع الحيوانات رغبةً منه في منحهم حياةً أفضل.

مجاهد أبو الجود
30.09.2017

Megahed AbulGud. All rights reserved.

"أعشق الحيوانات.. ربّيتهم بين أطفالي وأخذوا من وقتي أكثر من عائلتي. تقاسمنا الحياة سويّاً، وظُلمنا سويّاً، وما مرّ عليهم من ظروف قاسية مرّ عليّ أيضاً."

في مساحة تبلغ نحو 2 كم، وعلى مقربة من خط التماس بين المعارضة السورية المسلحة وقوات النظام، يعيش عمر خليفة، البالغُ من العمر 37 عاماً، في حديقة ببلدةِ كفرناها غرب مدينة حلب تدعى بعالم السحر. وكانت الحديقة قبل الحرب في سوريا منتزهاً يضم مدينة ملاهٍ وحديقة حيوانات، يرتادها مئات السكان يومياً، قبل أن تتحول المنطقة لساحة حربٍ تُدكّ بمختلف أنواع الأسلحة الفتاكة.

تضم الحديقة مجموعة كبيرة من الحيواناتِ مختلفةِ الأنواع، ويعمل عمر مروضاً ومربياً لهم منذ سبعة عشر عاماً، يطعمهم ويسقيهم ويداويهم. لكن ومع اندلاع الحرب في منطقته أصبح الوضع الإنساني أكثر سوءاً، ما انعكس على الحيوانات أيضاً. فقد أغلقت المحال التجارية والأسواق أبوابها وتوقفت وسائل المواصلات عن العمل وانعدمت مظاهر الحياة بشكل كامل، ووجد عمر نفسه في منفىً عن العالم.

يقول عمر: "أصعب اللحظات التي مرت عليّ على الإطلاق، كانت عندما الطائرات الحربية والمروحية تقصف محيط الحديقة، بينما يتوجب عليّ الخروجُ لجلب الطعام للحيوانات. وكنت أفكر هل أجازف بحياتهم أم حياتي؟َ فكرت في تركهم وحزمت أمتعتي مرات عديدة، وفي كلٍ مرة أصل إلى باب الحديقة للهروب، استرق نظرة لهم فأعود وأقرر البقاء، وما زلت أعيش صراعاً نفسياً حتى الآن."

أكثر الحيوانات محبة في قلب عمر أسدٌ اسمه ليث، ونَمِرَةٌ اسمها جودي، توفيت أمهاتهم عند ولادتهم، فقام هو بإطعامهم والاعتناء بهم، بل كان ليث ينام مع أطفاله في نفس السرير على حد وصفه.

وقد قُتلت عشرات الحيوانات بسبب الظروف السيئة التي فرضتها الحرب الراهنة، وعلى رأس هذه الظروف، الجوعُ. وفي أسوأ حادثة تُرصد مأساة الجوع، فقد أكلت نَمِرَةٌ أولادها الثلاثة من شدة الجوع بعد أن بقوا جميعاً دون طعام لأكثر من أسبوع. ولم يتمكن عمر وقتها من جلب الطعام لهم بأي وسيلة، بينما قُتلت القرود والأفاعي والتماسيح لعدم توفر المناخ المناسب، فقد كان لهم مناخ اصطناعي خاص بهم قبل الحرب، أما اليوم فلم يعد هذا متوفراً.

ولقوات النظام والميليشيات الموالية له نصيبٌ في قتل هذه الحيوانات، فقد تعرضت الحديقة لقصف جوي وصاروخي مكثف قُتل إثرها ثلاثة ضباع لوبوتان، وثلاث دببة، وخمسة نمور. أربعةٌ منها ترجع أصولهم لجبال سيخوت ألين في أقصى الشرق الروسي، ويعرفون باسم النمور السيبيرية، وآخر أمريكي الأصل ويعرف باسم الجاكور، حيث قتل الأخير عام 2015 بقصف صاروخي على قفصه الذي يعيش فيه، بينما أصيبت أنثاه بعدة جروح وسالت منها الدماء، ما دفع بمُرَوِّضها للمخاطرة بحياته بين جنبات القصف وإخراجها من القفص إلى مكان أكثر أمناً، لتضميد جراحها وعلاجها.

ووقف عمر مكتوف الأيدي، مقهوراً، دون حيلةٍ تجاه مقتل معظم حيواناته واحداً تلو الآخر، تقتلعهم الحرب من جذور قلبه دون أن تتمكن أي قوة من إيقاف ذلك، معتبراً أنّ فِراق أيٍّ منهم كفراق أحد أبنائه، لا تُفرق مشاعرُه بين هذا وذاك، بل كثيراً ما قدّم الطعام لحيواناته قبل عائلته.

Megahed AbulGud. All rights reserved.وبعد سبع سنوات من الحرب في سوريا، تمكنت منظمة Four Paws، نمساوية المنشأ، من الوصول لهذه الحديقة، وعرضوا على خليفة إخراج ما تبقى من الحيوانات لمحميات طبيعية في هولندا، على غرار مشروع لهم لإنقاذ حيوانات في الموصل أول العام الجاري.

وقع خليفة مرةً أخرى في صراع نفسي، قبل أن يقرر أخيراً الموافقة على إخراج جميع الحيوانات رغبةً منه في منحهم حياةً أفضل، يقول: "الحياة هنا ظلم وحرمان وخوف، ولا أستطيع أن أقدم لهم شيئاً. استغنيت عنهم علَّهم يعيشوا حياة أفضل من الحياة في القفص هنا."

خرجت الحيوانات من الحديقة في الشهر السابع من العام الحالي باتجاه مدينة عفرين، الخاضعة لسيطرة وحدات حماية الشعب الكردية، ومنها إلى معبر الراعي مع تركيا شمال حلب، حيث استقبلهم في تركيا أطباء ومختصون لعدة أيام قبل أن ينقلوا إلى محميات طبيعية.

ولم تكن قصة رعاية الحيوانات في عالم السحر هي الأولى في سوريا. فقد أنشأ محمد علاء الجليل، أول محمية للقطط داخل مدينة حلب عام 2014، تضم نحو 170 قط. لكن صواريخ طائرات النظام دمرت محمية القطط بشكل كامل في تشرين الثاني 2016، وقتلت نحو 20 قطة، بينهم أربعة على الأقل قتلوا خنقاً بالغازات السامة، خلال الحملة العسكرية البرية التي شنتها قوات النظام وروسيا للسيطرة على شرق حلب، بعد إطباق الحصار عليها. وتمكن الجليلُ من إخراج نحو 25 قطة معه أثناء خروجه من حلب ضمن اتفاق إجلاء المحاصرين من المدينة منتصف كانون الأول العام الماضي، لينقلهم إلى محميّةٍ جديدة أنشأها في بلدة كفرناها في ريف حلب الغرب.

Had enough of ‘alternative facts’? openDemocracy is different Join the conversation: get our weekly email

تعليقات

نشجّع أي شخص على التعليق. الرجاء الرجوع إلى openDemocracy تعليمات أسلوب التعليق الخاص ب ن كان لديك أسئلة
Audio available Bookmark Check Language Close Comments Download Facebook Link Email Newsletter Newsletter Play Print Share Twitter Youtube Search Instagram WhatsApp yourData