Home

أزمة حقوق الإنسان: هل هي مشكلة متعلقة بالتصورات؟

Gordon_0.jpg

الأزمة الرئيسية لحقوق الإنسان ليست متعلقة بالتصورات، بل متعلقة بمشاكل متجذرة بتعمق في السلطة والسياسة. مساهمة في النقاش على الرابط openGlobalRights، "حقوق الإنسان: حركة شعبية أم حركة النخبة"   English, Español, Français

Nicola Perugini Neve Gordon
24.06.2015

عندما تتعرض إسرائيل لانتقادات بسبب سياساتها التعسفية تجاه الحقوق في الضفة الغربية وقطاع غزة، تكون العبارة المتكررة التي يرددها غالباً السياسيون المحليون هي أن توضيح الحكومة، التي هي آلة الدعاية الإسرائيلية، غير ملائم. وبعبارة أخرى، لا تكمن المشكلة فيما تفعله إسرائيل على أرض الواقع للفلسطينيين، بل تكمن في عدم قدرتها على صياغة رسالة إيجابية توجهها للمجتمع الدولي. عادة ما يشار إلى هذا السلوك على أنه "تحسين صورة إسرائيل". المعنى الضمني المقصود هنا هو أن البضاعة على ما يرام، والمطلوب هو فقط تغيير أسلوب التعبئة والتغليف.

لقد استندت آخر حجة لراشيل كريس إلى منطق مماثل، على الرغم من أنها تكتب عن مسألة مختلفة. فهي تخبرنا بأن معظم الناس في المملكة المتحدة لا يؤيدون حقوق الإنسان، وتجادل بأن هذا يحدث لأن حقوق الإنسان تبدو منفصلة عن حياة الناس اليومية. كما أنها تزعم أنه إذا سمع الشعب قدراً أقل من "الخطاب السلبي" عن حقوق الإنسان وقدراً أكثر من "القصص عن كبار السن الذين يتحدون سوء العلاج أو العمليات الجراحية أو التطفل على حياتهم الخاصة والعائلية"، فسوف يزداد دعم حقوق الإنسان بشكل أوسع. مرة أخرى، المشكلة مع حقوق الإنسان تتعلق بالتصورات، والحل هنا أيضاً هو التوضيح.

غير أن العلاقة بين التوضيح والواقع أكثر تعقيداً. فهي علاقة مع حقوق الإنسان نفسها: الطريقة التي يتم من خلالها إضفاء الطابع المؤسسي عليها، والمشاريع السياسية التي تعرض نفسها من خلالها، واتصالاتها المعقدة مع الدولة، وأحاديثها البديلة عن العدالة التي تجاهلتها وأهملتها.

 يمكن لحقوق الإنسان، وغالباً ما تقوم بتعزيز الهيمنة. نحن لا نفترض، مثلما يفترض العديد من دعاة و باحثيين حقوق الإنسان، أن مزيداً من حقوق الإنسان يؤدي بالضرورة إلى مزيد من التحرر. في الواقع، الافتراض بأن الشعب سيؤمن بحقوق الإنسان فقط إذا فهم عمل حقوق الإنسان بشكل افضل هو افتراض  خاطئ. يمكن لحقوق الإنسان، وغالباً ما تقوم بتعزيز الهيمنة. وتصبح هذه المسألة ملحة لا سيما عندما تقوم المنظمات غير الحكومية التي تزعم أنها تنتقد الانتهاكات بتأييد القوى ذاتها التي تحقق معها وتنتقدها.

بالإشارة إلى تقرير عام 2013 حول هجمات الطائرات بدون طيار، تستعرض هيومن رايتس ووتش في هذا التقرير ست هجمات للجيش الامريكي غير معترف بها ضد أعضاء مزعومين من تنظيم القاعدة في اليمن. لقد تم قتل 82 شخصاً، من بينهم 57 مدنياً على الاقل، في هذه الهجمات. وهذه مجرد عينة من أصل 81 هجمة تم تنفيذها في اليمن، وهي لا تشمل المئات من عمليات القتل المستهدفة في باكستان والصومال.

تقول هيومان رايتس ووتش أن هجمتين من أصل ست هجمات قد قامتا بانتهاك واضح للقانون الدولي الإنساني لأنهما هاجمتا المدنيين فقط، أو استخدمتا أسلحة لا تميز بين المدنيين والمقاتلين المستهدفين. كما أن هيومان رايتس ووتش قد ذكرت ما يلي:

"ربما انتهكت الحالات الأربع الأخرى قوانين الحرب، لأن الفرد الذي هوجم لم يكن هدفاً عسكرياً مشروعاً أو لأن الهجوم أدى إلى أضرار مدنية غير متناسبة، وهي قرارات تتطلب مزيداً من التحقيق. وفي العديد من هذه الحالات، لم يتخذ الجيش الامريكي أيضاً جميع الاحتياطات الممكنة لتقليل الأضرار التي تلحق بالمدنيين، كما تتطلب قوانين الحرب."

المنطق الكامن وراء هذه البيانات غامض، ولكنه مقلق جداً لأنه يكشف كيف يمكن للالتزام بالقانون الدولي أن يدعمالهيمنة. بالنسبة لهيومان رايتس ووتش، من غير الواضح ما إذا كانت الحالات الأربع المتبقية قد انتهكت القانون. ولكن، إذا اتضح أن الجيش قد استخدم أسلحة تمييز، واتخذ جميع "الاحتياطات اللازمة"، ولكن في النهاية قتل المدنيين أثناء استهداف المسلحين، حينئذ لا يشكل "قيام الحكومة بالقتل المتعمد" في بلد آخر في الطرف الاخر من العالم في الواقع أي انتهاك. عبارات مثل "جميع الاحتياطات اللازمة" هي بالضبط التي يبدأ بها دعاة حقوق الإنسان مواءمة أنفسهم مع القوة العسكرية.

بعد إملاءات القانون الدولي الإنساني، استمرت هيومان رايتس ووتش في مناقشة ما إذا كان "الإرهابيون المشتبه بهم" هم في الواقع "أهداف عسكرية مشروعة"، وما إذا كان الوضع في اليمن يمكن وصفه بأنه تجاوز نقطة "عتبة النزاع المسلح"، وكذلك ما إذا كانت الاغتيالات تتفق مع سياسة الولايات المتحدة في القتل المستهدف. وعلى الرغم من اعترافها بمشروعية بعض الهجمات، فهي تنتقد الحكومة الأمريكية لعدم تقديم تعويضات لعائلات القتلى المدنيين بغير قصد. وبالتالي، كما يوضح هذا التقرير، عندما تكون حقوق الإنسان خاضعة للخطاب القانوني الدولي، فإن أفضل ما يمكن ان تقوم  به هو الدعوة للحد من الإصابات في صفوف المدنيين، وتقديم التعويض الاقتصادي للضحايا، وضمان أن عمليات القتل المستهدفة في المستقبل تمتثل للقانون.

Gordon.jpg

Demotix/MusarratUllah Jan (All rights reserved)

A wounded civilian awaits medical treatment following a US drone strike in Wazirstan, Pakistan.


في الواقع، مثل هذه التقارير تؤكد ما يحدث لحقوق الإنسان بمجرد أن تخضع للقانون وتصبح منظاراً لمناقشة مشروعية أو عدم مشروعية العنف، بمعنى أنها تتوقف عن طرح الأسئلة حول مدى أخلاقية وشرعية القانون نفسه. وهذا يصبح أكثر إثارة للانتباه عند قراءة تقرير هيومان رايتس ووتش ليس فقط لما يقوله، ولكن أيضاً لما فشل أن يقوله. على سبيل المثال، يستشهد التقرير بفيصل بن علي جابر، أحد أقارب رجل دين ورجل شرطة تم قتله خطئاً خلال هجوم طائرة بدون طيار، حيث يقول: "لقد كنا عالقين بين طائرة بدون طيار من جانب والقاعدة من جانب آخر". وبالرغم من ذلك ، فقد رفضت هيومان رايتس ووتش أن تعترف بأنه بالنسبة لعلي جابر فإن هجمات الطائرة بدون طيار تعادل الأعمال الإرهابية لتنظيم القاعدة. هذا القصور هو أيضاً نتيجة لتخفييض حقوق الإنسان لإملاءات رسمية من القانون الدولي، وهو نهج تبنته هيومان رايتس ووتش بإصرار.

وبغض النظر عن آلاف القتلى المدنيين خلال حروب الطائرات بدون طيار، والأثر الإرهابي نتيجة هذه الحروب على شعوب بأكملها، بقدر تسليح الطائرات بدون طيار بأسلحة تمييز (بين المدنيين والمقاتلين المستهدفين) وعدم القصد لقتل المدنيين، فإن الحروب الأمريكية باستخدام الطائرات بدون طيار ليست عملاً إرهابياً، وذلك من وجهة نظر هيومان رايتس ووتش. بهذه الطريقة، يتم الحفاظ على قانون يسمح للقوى المهيمنة بالقتل، بل ويقوم الذين يناضلون من أجل حقوق الإنسان بتعزيز هذا القانون. هذا بالضبط عندما يتم صياغة استنكارات حقوق الإنسان بطريقة تتوافق مع حق صاحب السيادة في القتل، حينئذ تصبح حقوق الإنسان هي الخطاب الذي يبرر القتل، ما نسميه "حق الإنسان أن يقتل"، وهذا أمر يتعارض مع البديهيات.

وأخيراً، لا بد من التساؤل عما إذا كان تقرير هيومان رايتس ووتش عن الطائرات بدون طيار يمثل بالفعل شعب اليمن. وبعبارة أخرى، فإن مشكلة إعادة التمثيل ليست لها علاقة فقط  أو أساساً بكيفية تصوير حقوق الانسان في وسائل الإعلام، بل تنطوي على حقيقة أن منظمات حقوق الإنسان غير الحكومية تعمل كما لو كان لديها تفويضاً طبيعياً من المعذبين في الأرض. ومع ذلك وفي الواقع، تمنع منظمات حقوق الإنسان غير الحكومية حقوق الإنسان من أن تصبح اللغة الشعبية التي ينشرها الشعب من أجل حشده الشعبي. في هذا المعنى، لا يمكن أن تصبح حقوق الإنسان أداة للشعوب، بل أداة فقط لهؤلاء الدعاة الذين يزعمون أنهم يمثلون الشعب المظلوم.

وبعبارة أخرى،  أزمة حقوق الإنسان في الحقيقة ليست أزمة تصورات. ولكنها تتعلق بالتواطؤ مع الهيمنة.

imgupl_floating_none

Had enough of ‘alternative facts’? openDemocracy is different Join the conversation: get our weekly email

تعليقات

نشجّع أي شخص على التعليق. الرجاء الرجوع إلى openDemocracy تعليمات أسلوب التعليق الخاص ب ن كان لديك أسئلة
Audio available Bookmark Check Language Close Comments Download Facebook Link Email Newsletter Newsletter Play Print Share Twitter Youtube Search Instagram WhatsApp yourData