Read this article in English.
في نشاطي اليومي لمناهضة التحرش الجنسي في شوارع اليمن , أجد نفسي في كثير من الأحيان أتعامل مع أسئلة تدور حول على من يقع اللوم. و للأسف عادة ما يستلزم هذا تقديم المساعدة للضحايا الذين يلقى عليهم اللوم بشكل غير عادل على أعمال المتعدين عليهم. و مع ذلك فأنا أيضاً أجد نفسي أتساءل على من يقع اللوم فيما يخص نسبة التحرش المرتفعة في بلدنا. ووفقاً لتقرير صدر في مؤتمر عقد في القاهرة في عام 1999 , تتعرض 90% من النساء في اليمن للتحرش الجنسي مع أدلة تشير إلى أن هذه النسبة ترتفع إلى 98% في العاصمة صنعاء.
منذ كتبت مقالتي الأولى حول التحرش الجنسي في شوارع اليمن لمنظمة open Democracy في يوليو الماضي , كان هناك سؤالين على وجه الخصوص يتبادران إلى ذهني. هل يكفي إلقاء اللوم على القانون اليمني لعدم فرض عقوبات أكثر صرامة على جريمة التحرش الجنسي ؟ أو هل يتعين علينا أن نلوم المجتمع اليمني على السماح للمتحرشين من الإفلات من العقاب و إلقاء اللوم على الضحايا؟
قانون الفعل الفاضح : ما بين الفهم القانوني و التطبيق الخاطئ.
إن أحد العوائق الأساسية للتعامل مع التحرش الجنسي في اليمن هو الإطار القانوني الغير ملائم. لا يوجد في اليمن قانون محدد لمعاقبة التحرش الجنسي و مع ذلك فإن هناك قانون لمعاقبة الفعل الفاضح . على النحو المبين في المادة 273 في قانون العقوبات اليمني , فإنه يتم تجريم أي عمل يسيء إلى الآداب العامة أو الشرف أو القيام بكشف المناطق الخاصة أو التحدث بطريقة مسيئة. كما أن المادة 274 من نفس القانون تنص على المعاقبة بالحبس لمدة لا تزيد عن 6 أشهر أو بدفع غرامة عن أي شخص يرتكب فعل فاضح يمكن رؤيته أو سماعه من قبل الآخرين. إن الثغرة في قانون العقوبات هذا أنه لا يعطي تعريفاً واضحاً لما يقصد به من مخالفة الآداب العامة. و هذا يجعله خاضعاً لفهم المنفذ لهذا القانون, مما قد يؤدي في بعض الأحيان إلى عواقب وخيمة للنساء.
غالباً ما نقرأ أو نسمع أنه قد تم القبض على امرأة بتهمة مخالفة الآداب العامة لمجرد قيامها بأعمالها اليومية , لكونها في الخارج مع رجل لا تربطها به أي علاقة عائلية على سبيل المثال. فقد كان هناك امرأة تمشي في الشارع مع خطيبها عندما قام ضابط شرطة بالقبض عليهما و اقتيادهما إلى مركز الشرطة و اتهامهما بارتكاب عمل فاضح في الأماكن العامة. و ما كان من المرأة إلا أن قامت بالاتصال بوالدها و طلبت منه المجيء إلى مركز الشرطة ليثبت لضباط الشرطة أن هذا الرجل هو خطيبها. فبدلاً من استخدام لإيقاف المتحرشين , يقوم بعض ضباط الشرطة بشكل واضح و متعنت بإساءة استخدام المادة 273 لمعاقبة المرأة.
إن الثغرة الأخرى في هذه الحماية القانونية هو أنه حتى عندما يتم تطبيق القانون ضد مرتكبي التحرش الجنسي , فإن الغرامة اللازم دفعها لا تتجاوز 1000 ريال يمني. أي ما يعادل حوالي 5 دولارات أمريكية. كما شدد قائد دوريات الشرطة عبد الغني الوجيه مؤخراً في اليمن تايمز أنه : "لابد من إعادة صياغة القانون ليشمل إجراءات أكثر صرامة لأن غرامة الألف الريال اليمني لا تردع أحداً و احتمالية السجن لمدة 6 أشهر لا تؤخذ على محمل الجد ." و كما أضاف المحامي يحيى السخي أن : " آخر مرة تم فيها تعديل القانون كانت في عام 1994 و نحن الآن بحاجة لتحديث القانون لمواكبة الوقت الحاضر ."
و لقد كانت هناك عدة مقترحات لتعديل قانون العقوبات في السنوات الأخيرة لجعل جريمة التحرش الجنسي أكثر وضوحاً و تحديداً و أيضاً لزيادة الوعي بسوء تطبيقها في الوقت الراهن. فعلى سبيل المثال في عام 2009 قام اتحاد نساء اليمن بعمل ندوة بعنوان : "قانون الفعل الفاضح : ما بين التطبيق الخاطئ و الاستيعاب القانوني." و الذي كان مخصصاً بشكل كامل لهذه القضية. لكن على الرغم من هذه المبادرات , لم تتخذ الكثير من الاجراءات على الجبهة القانونية. و لذلك لا يزال الكثير من الناس يتطلعون إلى التغيير المجتمعي للحصول على حلول.
الإطار للتغيير المجتمعي : " لو كانت محترمة , ما كانت لترفع صوتها. "
علينا أن نأخذ في عين الاعتبار في هذا السياق أن المجتمع اليمني مجتمع محافظ جداً و أن معظم الناس يعتبرون المرأة أقل شأناً و أن المرجح ألا تحتاج للخروج من المنزل. كما أن القوالب النمطية تملي بأن المرأة تحتاج إلى محرم أو وصي في كل الأوقات , و أنها إذا خرجت لوحدها فهذا يعني أنه يجوز التحرش بها. إذاً طالما أن القانون لا يزال غير ملائم و لا يزال المتحرشون يفلتون من دون أي عقاب , فسيظل المجتمع أيضاً غير قادر على الرد.
وقد نُشرت مؤخراً قصة على صفحتنا في الفايس بوك " حملة شوارع آمنة " من قبل رجل يخبرنا عن تجربته مع مثل هذه السلوكيات المحافظة في باص عمومي في صنعاء. فقد قال : " لمناهضة التحرش الجنسي في بلدنا , يجب علينا ألا نتكل على مجتمعنا لأنه يعطي الضوء الأخضر للمتحرشين و يقوم بحمايتهم. فلقد رأيت بأم عيني فتاة فوق الباص و قد كانت تقوم بضرب الرجل القاعد خلفها , و ما أتضح لاحقاً أن هذا الرجل كان يتحرش بها بلمس ظهرها بأصابعه من تحت مقعدها. لقد اعتبرت ردها على تصرفه هذا مثال للشجاعة . و لكن بقية الركاب بجانبي كان لهم رأي آخر. لقد سمعتهم يرددون الآتي : " لو كانت محترمة , ما كانت لترفع صوتها ." " البنات المحترمات لا يضربن الناس ." " لو كانت تريد ألا يضايقها أحد , فلماذا تعرض نفسها لمثل هذه المواقف ؟"... لماذا يقوم الناس بإلقاء اللوم على الضحايا خاصة إذا كانت هذه الضحية امرأة و يسعون لتبرير تصرفات المتحرشين ؟"
هناك الكثير من القصص في كتاب " يحدث في الطريق " الذي اُعد و نُشر من قبل حملة شوارع آمنة و المُمول من قبل Tacticaltech (Tactical Technology Collective). هذا الكتاب هو عبارة عن مجموعة من القصص الحقيقية لنساء تعرضن للتحرش الجنسي في اليمن. إحدى أكثر القصص المثيرة للصدمة هي عن تلميذة في سن المراهقة : العمة أم عرفات أرملة و لها ثلاث بنات. كانت تأتي إلى بيت أمي شهرياً للحصول على مساعدة مادية. أخبرتنا أم عرفات أنه في أحد الأيام و بينما ابنتها عائدة من المدرسة , قام رجل في الستين من عمره و هو من الحي الذي تعيش فيه بمسك صدرها و رفض أن يتركها. و لكن الفتاة تمكنت من أخذ حجر و قامت برميه في وجهه مما أدى إلى كسر بعض أسنانه و أخذه إلى المستشفى. و بعد ذلك قام بعض أهالي الحي نفسه بمطالبة هذه الفتاة بدفع تكاليف العلاج الطبي لهذا الرجل الكبير الذي قام بمضايقة ابنتها.
كيف يمكننا الاعتماد على المجتمع للحصول على محاكمة عادلة عندما يقوم الناس بمعاقبة هذه الفتاة و والدتها لأنها قامت بتلقين هذا المتحرش درساً يستحقه؟
لقد أصبح التحرش الجنسي كارثة مجتمعية في اليمن و تهديد جوهري لأمن المرأة و الرجل لأنه مسموح له بالتغلغل و النمو في مجتمع يجعل الضحايا تدفع ثمن التعرض للتحرش في حين أن المتحرشين ينجون بكل سهولة. إن التغيير المجتمعي اللازم لمناهضة التحرش الجنسي في اليمن يمكن أن يحدث فقط بالتعاون مع الاصلاح الجزائي . نحن بحاجة إلى قانون غير مبهم وواضح لمعاقبة المتحرشين لا لمعاقبة الضحايا.
Read other articles in this series, 16 Days of Activism against Gender Violence.
لقراءة المزيد
تلقَّ بريدنا الأسبوعي
تعليقات
نشجّع أي شخص على التعليق. الرجاء الرجوع إلى openDemocracy تعليمات أسلوب التعليق الخاص ب ن كان لديك أسئلة