
Rana Magdy. All rights reserved.استناداً إلى مقولة عالم الاتصال شارل ماكلوهان "الوسيلة هي الرسالة". تحاول العديد من الدراسات حول الإعلام البديل في العالم (كتاب "أيديولوجيا شبكات التواصل الاجتماعي وتشكيل الرأي العام" تأليف معتصم بابكر مصطفى، مثالاً)، أن تثبت بأن المحتوى الذي يصنعه الصحفي المواطن، هو محتوى مؤدلج بطبيعته، رسالته بحد ذاتها مؤدلجة، ولا يمكن ركون الثقة إليها.
ونحن، وإن كنّا لا نقرأ هذا الكلام بصريح العبارة غالباً، إلا أننا نتداول أساليب حسابية تورطنا بهذه النتيجة حتماً.
الدراسات والأبحاث تخبرنا أن المنصات الإلكترونية، مثل مواقع التواصل الاجتماعي، تعتمد في آليات عملها على ترويج الرأي الأكثر جماهيرية، فهي ترتب منشوراتها وتروّج لها بحسب نسبة التفاعل معها، وبذلك تساهم في ترسيخ تبني الرأي السائد، بل وتعميمه، وهذه الركيزة الأساسية التي تقوم عليها أي إيديولوجيا؛ التعميم والشمولية.
وعلى اعتبار أن إعلام المواطن، اعتمد بشكل أساسي على هذه المنصات، فإن رسائله مشكوك بحياديتها وموضوعيتها، وهذا الشك حقيقةً يقود بسرعة إلى التشكيك بالثورات نفسها، وحركات الاحتجاج الشعبية التي عمّت عدة بلدان عربية منذ عام ٢٠١١.
إذ أن الصحفي المواطن، هو العين الوحيدة التي كنّا نرى من خلالها ما يجري في الشوارع والساحات والأحياء العشوائية في كثير من البلدان، لا سيما سوريا، وكان انحياز الناس للثورات نابعاً مما رأوه بعين الشاهد/الصحفي.
لكن ونحن نطعن بهذه الرسائل معتمدين على معيار الحياد والموضوعية (كون الإيديولوجيا متعصبة ومتطرفة بالضرورة)، نغفل بأن هذه المعايير إنما تهدف إلى حماية العامة، كثرة الناس، غالبيتهم، فلا ننحاز إلى طرف أو مشروع على حساب المنفعة العامة.
إن كان إعلام المواطن يُطلق محتواه من بين الناس أنفسهم، وبدعمهم وموافقتهم، بل وبمشاركتهم بصناعة هذا المحتوى، فما هو خلل الحياد والموضوعية الذي نخشى أن تصاب به رسائلهم؟
إن هذا الرفض لإعلام المواطن ينطوي على أزمة مفادها؛ أن الإعلام التقليدي يرفض تمثيل الناس لأنفسهم، بل ويصرّ على الضلوع في إنتاج هوية جمعية يرفضها العامة والغالبية.
هناك أسباب ترغم الإعلام التقليدي على مواجهة شرسة مع نده البديل، فالأول يسعى إلى تعميم صورة ترضى عنها السلطة صاحبة الحماية، ورجال الأعمال الممولين؛ ففي حوادث متكررة في عدة دول عربية، تقوم بها الجهات الحكومية بإخلاء حي عشوائي ما بالقوة، رامية سكانه في الشوارع، من أجل مشروع لرجال أعمال يقضي بإقامة منتجعات، أو أبراج، أو شركات تجارية، سيتجاهله الإعلام التقليدي بكل تأكيد، وإذا ما خيب ظننا، فإنه لن يصور الأمر كما يجب (آخر هذه الأحداث هو ما يفعله النظام المصري في جزيرة الوراق اليوم).
من جهة أخرى أدت المنصات الإلكترونية إلى تثوير المجتمع، وتم الاستغناء عن الإعلام التقليدي كمزود للإخبار، وفي كثير من الأحيان حاجب لها.
بل إن التطور التكنولوجي عموماً وجه صفعة مفاجئة للإعلام التقليدي، إذ إنه عمم على الجمهور أدوات اتصال وإخبار هي من السرعة بحيث تجاوزت أقوى وسائل الإعلام حول العالم، مثل تطبيقات الدردشة على سبيل المثال، فما يحدث في إدلب، قد يصلك وأنت في نيويورك بضغطة زر، في حين أن الخبر يكون ما زال قيد الصياغة في غرفة الأخبار.
لقد تجاوز إعلام المواطن كل أشكال البيروقراطية، وخدش "هيبة الدولة"، وهذا لا يعني بطبيعة الحال أنّه معصوم عن الوقوع في فخ الأدلجة.
المهمة الأكثر صعوبة التي تنتظر هذا الإعلام اليوم، بعد إغلاق مئات الوسائل منه (السورية على أقل تقدير)، هي قدرته في الاعتماد على أساسيات مرنة، قادرة على مواكبة انفعالات الجمهور الثائر، والمتعب في ذات الوقت، قدرته على تشذيب هذه الانفعالات وتوجيهها وتركيزها، وليس الحد منها بما يتناسب مع أدواته، وإلا سيكون من الصعب جداً التمييز بينه وبين الإعلام التقليدي الموالي للسلطة.
لقراءة المزيد
تلقَّ بريدنا الأسبوعي
تعليقات
نشجّع أي شخص على التعليق. الرجاء الرجوع إلى openDemocracy تعليمات أسلوب التعليق الخاص ب ن كان لديك أسئلة