
“I shouldn’t have to escort my sister everywhere.” UN Women/Flickr. Some rights reserved.منذ عشر سنوات، أثناء دراستي الجامعية، كنت أجلس مع مجموعة من الأصدقاء في أحد المقاهي المقابلة لأسوار جامعة القاهرة، وكان معنا صديقة أعرفها حتى اليوم.
تجاذبنا أطراف الحديث في مواضيع شتى، وأثناء ذلك، وجدت هذه الصديقة تخرج من حقيبتها علبة السجائر وشرعت في التدخين. لم أنتظر طويلاً كي أطالبها بالتوقف عن التدخين واشترطت – بكل ذكورية – أن تطفئ سيجارتها وإلا سأرحل عن المكان.
الغريب في الأمر أن هذه الصديقة استمعت لرغبتي وأنهت سيجارتها ولم تدخن طول مدة جلوسنا في المقهى.
هذا الموقف لم يغب عن ذهني مطلقـًا، فخلال العقد المنصرم كنت أنظر لهذا الموقف في مقارنة مع طريقة تفكيري التي تتغير بمرور الزمن. اليوم لا يمكنني القول سوى إنني مدين لهذه الصديقة باعتذار عن الحماقة التي صدرت مني، فما بدر مني لم يكن سوى تجسيد لذكورية قحة ترغب في فرض سلطتها على الأنثى التي – من البديهي – تعتبر كيان أضعف من الذكر.
لستُ خجلانـًا من الاعتراف بأنني كنت أفكر مثل ملايين من الذكور الشرقيين أو الغربيين في نظرتي للمرأة، فالمسألة بديهية كذلك، فالسياق الذي نشأ فيه الكثيرون منا رسخ هذه السلطة وجعلها غير قابلة للتساؤل أو النقاش.
فالذكر هو صاحب السطوة والسلطة والمال في علاقته بالمرأة، وهي كيان هامشي لا قيمة له سوى في أمور محددة كالإنجاب ورعاية الأطفال وإرضاء رغبات وتخيلات الذكر الجامحة في علاقة جنسية قد يصل فيها الأمر إلى إيذاء المرأة نفسيـًا وبدنيـًا. لكن هذا غير مهم، فللذكر أهمية تفوق أهمية المرأة كما قال لي شخص ما من قبل " هي معون أفرغ فيه طاقتي الجنسية".
كم الحوادث الجنسية التي ظهرت في الإعلام خلال الأسابيع الماضية من مشاهير حول العالم سواء في هوليوود مثل هارفي واينستاين أو على مجال الدعوة الدينية مثل طارق رمضان، لا يمكنني فهمها سوى من خلال منطق القوة.
المسألة لا يمكن أن تكون رغبة جنسية من قِبل ذكر تجاه امرأة، لأن الأمر لو كان كذلك لذهب كل هؤلاء الرجال إلى تفريغ طاقاتهم الجنسية مع العاملات في مجال الجنس التجاري، وظيفة يدّعي الكثيرون أنها المهنة الأقدم في تاريخ الإنسانية.
قد نمارس – نحن الذكور– ذكوريتنا في مرحلة ما دون وعي كامل، نمارسها كما مارسها آباؤنا الأولون، وكما قال لنا معلمونا في المدرسة، ورجال الدين في الكنيسة أو المعبد أو المسجد. وهنا يظل السؤال الأبدي: لما نطلق عليهم رجال الدين؟ ما الذي جعل الدين مرتبطـًا بالرجال منذ ظهرت الأديان؟
الإجابة على هذا السؤال محيرة للغاية، ولم تقنعني إجابات أي شخص تحدثت معه. ففي العام الماضي كنت أدرس مقررًا عن النساء والتمكين السياسي في شرق أوروبا، وكانت المحاضرة تدور حول بابا الفاتيكان البولندي جون بول الذي كان يمتلك سلطة كبيرة على الشارع البولندي نظرًا لقداسة منصبه الديني.
أثناء النقاش طرحت سؤالًا بدى كوميديًا لدى العديد من الحاضرين: لماذا هو دائمـًا بابا الفاتيكان وليست ماما الفاتيكان؟ لماذا شيخ الأزهر وليست شيخة الأزهر؟ مثل هذه الأسئلة مع سذاجتها، تزعج الكثيرين ممن لا يريدون فتح النقاش أو أنصار إبقاء الوضع على ما هو عليه.
منذ بضع سنوات أدركت الخطيئة التي كنت أعيش فيها، ذكوريتي التي غلبت إنسانيتي، لم أكن عدوانيًا ضد أي امرأة في حياتي، ولم أمارس أي نوع من التحرش تجاه أي أنثى، لكنني كنت مثل كثيرين أرى نفسي أفضل منهن، ليس لأنني أفضل بل لأنني ذكر.
هذا الوهم تفتت مع السنوات والسفر والقراءة والتعامل مع أشخاص من مختلف بقاع العالم، فالمرأة التي تدخن ليست شيطانـًا، والأنثى التي ترتدي زيـًا يبدو كاشفـًا لجسدها ليست عاهرة، والفتاة التي تعاملك بلطف لا تريد منك مضاجعتها مع نهاية السهرة.
بالطبع لكل امرئ منا خيالاته التي قد تصل لحد المرض، لكن الأمر كله يتعلق بمدى القدرة على التحكم في الذات. فالذكورة لن تنتفي عنا الذكور، لكن كيف يتحكم المرء في ذكورته؟ هل يمارسها في شكل عنف وتحرش وسيطرة؟ أم يمارس ذكورته من خلال فهمه لذاته أولًا ثم محاولة فهم الجنس الأخر الذي شعرنا – نحن الذكور– أنهن كائنات خرافية مثل العنقاء لابد من كبح جماحهن حتى يسهل السيطرة عليهن.
لا أفهم في أحيان كثيرة عندما يرفض ذكر عمل امرأة سوى أن ذكوريته أصيبت بالإهانة، فهو لا يريد لها أن تخرج أمام العيان بل يريدها له فقط مادامت أصبحت زوجته وأم أبنائه. أما لو كانت مجرد امرأة يستمتع بها خارج إطار القانون أو الدين، فلا مشكلة، فهي لا تمت له بصلة سوى في ساعات الليل الأخيرة عندما يضاجعها ويستمتع بجسدها دون نظر لأي شيء آخر.
على مدار التاريخ نجحت المجتمعات الذكورية في صناعة ثنائية الزوجة/الساقطة من أجل خلق مساحة للذكور من أجل التمتع بمساحة أكبر للتحكم في النساء، فعندما يخرج المرء عن أعراف المجتمع ويصاحب امرأة تعمل في أحد البيوت الحمراء، قد ينهره المجتمع ويطالبه بالعودة إلى صوابه، وربما يلوم المرأة لأنها السبب فيما صار إليه الرجل.
لكن قلما نجد الذكر منبوذًا في المجتمع مهما كانت فداحة أخطائه، في حين أن نفس المجتمع يسوم النساء أشد العذاب إذا ما اقترفت نفس الخطأ الذي ارتكبه الرجل، لأنها ببساطة أنثى لا يحق لها أي من حقوق الذكور.
اللغة التي نتعامل بها في تسمية الأشياء وفهمها تحدد نظرتنا نحوها. فكلمة ذكر أصبحت تعني ببساطة القوة والعنف في حين أن كلمة أنثى تعني القهر والضعف، والزوجة تعني النموذج الجيد أما الساقطة فهي شارحة لذاتها. أما الرجولة فهي قرينة لصفات أخرى مثل المروءة والشهامة ولا يمكنني فهمها في إطار الذكورة التي ارتبطت بها مثل هذه الصفات من زمن بعيد، لكنها أسطورة مثل العنقاء تمامـًا، مثلها مثل الحكمة الشعبية المتداولة لوصف النساء ذوات البأس الشديد: بنت بمائة رجل.
هذا المثل هو تجسيد لقبح الذكورة في هذا المجتمع، فالرجل هو الذكر بالطبع، وعندما أصبحت المرأة مميزة تم تقييمها بمئة وحدة من الرجال. قد يرى البعض أن هذا في صالح المرأة لكنه في الحقيقة يحط من شأنها لأن أصل القياس هو الذكر/ الرجل، فالمرأة لا يمكن قياسها بمثيلتها، بل يجب العودة للأصل، الذكر.
أنا نسوي التوجه، ويوجد كثير من الذكور في هذا المجتمع يؤمنون بهذا التوجه الفكري، فالنسوية ليست سُبة أو إهانة إذا وُصف بها الذكور، النسوية تجعل الذكور أقل ذكورية وأكثر إنسانية، تجعلهم أقرب لفهم مشاكل النساء سواء الفسيولوجية أو النفسية أو الاجتماعية أو الاقتصادية إلى آخره. لست من المؤمنين في الوقت ذاته بالراديكالية النسوية فهي تمثل الوجه الآخر للذكورية التي طالما عانت منها النساء.
لقراءة المزيد
تلقَّ بريدنا الأسبوعي
تعليقات
نشجّع أي شخص على التعليق. الرجاء الرجوع إلى openDemocracy تعليمات أسلوب التعليق الخاص ب ن كان لديك أسئلة