
French Rafale fighters. ABACA/ABACA/Press Association Images. All rights reserved.قامت الحكومة المصرية في الفترة الأخيرة بشراء سلاح بمليارات الدولارات، في وقت هي ليست بحاجة ماسة لذلك، حتى ولو كان لمحاربة تنظيم الدولة والمتطرفين في سيناء، لأن الحرب في سيناء أشبه بحرب الشوارع، وقائمة على الكر والفر.
والقوات المسلحة المصرية لا تستطيع إدخال معدات حربية ثقيلة لشمال سيناء، لأنها بذلك تخترق معاهدة السلام واتفاقية كامب ديفيد مع العدو الصهيوني، وإنما ما تحتاجه حقيقة هو التنمية وزيادة الصادرات والاستثمار، وتقليل الديون والأعباء على الاقتصاد بدلاً من زيادته.
تقترض الحكومة المصرية مليارات الدولارات أدت لإرتفاع ديون مصر في سنة واحدة بمبلغ قدره ٢٣.٢ مليار دولار في نهاية العام المالي ٢٠١٦ / ٢٠١٧ ، ما يدفعنا للتساؤل، هل قروض مصر للتنمية أم لشراء السلاح؟
أغلب الديون التي تقترضها مصر هي قصيرة الأجل، أي أنه يجب سدادها بين عام وأربعة أعوام، ويكون ذلك حسب شروط كل قرض.
قد بلغت قيمة القروض قصيرة الأجل المستحقة السداد قبل نهاية ديسمبر ٢٠١٧ حوالي ١٢ مليار دولار، وغالباً ما تستعين الحكومات بالقروض قصيرة الأجل لسداد عجز طارئ، وتكون معتمدة على مصدر دخل مرتقب لتغطية قيمة تلك القروض.
ونظراً لعدم وجود مصدر دخل قوي في مصر بسبب تراجع إيرادات قناة السويس، وعدم وجود سياحة خارجية، وعجز ميزان المدفوعات بسبب زيادة الواردات عن الصادرات، الذي يستطيع تغطية تلك الإلتزامات خلال هذه الفترة، ستقوم مصر على الأغلب باقتراض ديون جديدة لسداد القروض المستحقة.
وبسبب ضخامة المبلغ المستحق وصعوبة تدبيرة في تاريخ السداد، فقد أعلن محافظ البنك المركزي، طارق عامر، عن قيام البنك بمفاوضات لمد أجل سداد بعض القروض المستحقة للعام القادم، في محاولة لتدارك الأزمة.
ضخامة حجم الديون لم يمنع الحكومة من شراء السلاح والمعدات الحربية بمبالغ ضخمة في السنوات القليلة الماضية. وكانت أشهر تلك الصفقات، صفقة بين مصر وفرنسا عام ٢٠١٥، تضمّنت شراء مصر عدد ٢ حاملتي طائرات ميسترال و ٦ قطع بحرية جوويند وفريم، وقدر قيمة هذه الصفقة بـ ١.١ مليار دولار.
وبعدما تسلمت القوات المسلحة المصرية الفرقاصة الأولى من فرنسا طراز جوويند في سبتمبر الماضي.
تسببت هذه الصفة في جدل كبير في مصر وخاصة على شبكات التواصل الاجتماعي بين مؤيد ومعارض لتلك الصفقة، بسبب تكلفتها الكبيرة، وعدم الحاجة الماسة إليها، كونها تستخدم في الحروب البحرية، خاصة أن مصر لا تواجه تهديداً، ولم تخض حرب منذ أكثر من ٤٤ عاما، من بعد حرب أكتوبر ١٩٧٣.
ولم تكن تلك الصفقة هي الوحيدة لشراء مصر السلاح من فرنسا في عهد الرئيس السيسي، وإنما اشترت مصر في فبراير ٢٠١٥ عدد ٢٤ طائرة رافال بقيمة تبلغ ٥.٩ مليار دولار، لتنضم تلك الصفقة لمجموع الصفقات التي استنزفت الاقتصاد المصري.
بالإضافة إلى ذلك، أنفقت مصر على صفقات شراء السلاح من روسيا خلال العامين الماضيين نحو ١٠ مليارات دولار على أقل تقدير.
وبسبب إرتفاع حجم ديون مصر، ومخاطر السداد، أشارت صحيفة لا تريبون الفرنسية إلى احتمال توقف صفقة شراء مصر ١٢ طائرة رافال جديدة، ما يعني أن مصر لم تعد في الحدود الآمنة للديون، وأن الاحتياطي النقدي هو احتياطي وهمي، لأنه لم يتم توفيره من مصادر دخل حقيقة للدولة، مثل السياحة وقناة السويس والصادرات والاستثمارات، وإنما هو جزء من الديون التي اقترضتها مصر من الخارج مودعة في البنك المركزي.
وقد بلغت ديون مصر ٧٩ مليار دولار حتى ٣٠ يونيو ٢٠١٧ مع نهاية السنة المالية ٢٠١٦- ٢٠١٧، وفقاً للتقرير الذي أعلنه البنك المركزي في نهاية سبتمبر الماضي.
ومن المتوقع أن تكون ديون مصر قد زادت عن هذا الحد، لأنه خلال نوفمبر الماضي، صرح وزير المالية، عمرو الجارحي، إن مصر تخطط لطرح برنامج سندات دولية جديد بقيمة ١٠ مليارات دولار.
كما أن صندوق النقد الدولي لم يكن قد سلّم مصر الدفعة الثانية من قيمة القرض، وتسلمتها مصر بتاريخ ١٤ يوليو ٢٠١٧ وقيمتها ١.٢٥ مليار دولار من قرض تبلغ قيمته الإجمالية ١٢ مليار دولار.
كما من المقرر إستلام مصر دفعة جديدة بقيمة ٢ مليار دولار من قرض صندوق النقد الدولي خلال شهر ديسمبر ٢٠١٧ أو يناير ٢٠١٨، لم يتم استلامها بعد.
وخلال شهر ديسمبر الماضي وافق البنك الدولي على منح مصر قرض بقيمة ١.١٥ مليار دولار. كما تمت الموافقة على قرض فرنسي بقيمة ٣٠ مليون يورو، وقرض ياباني بقيمة ٨٨ مليون دولار خلال نفس الشهر.
وكل هذه القروض التي أخذتها مصر لم تحقق التنمية، إنما زادت من معدلات الفقر وفقاً للبيان الذي نشره الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء المصري في نهاية يوليو ٢٠١٦، فقد كشف أن ٢٧.٨ من سكان مصر تحت خط الفقر، ولا يستطيعون الوفاء باحتياجاتهم الأساسية من الغذاء وغير الغذاء.
كانت هذه المؤشرات قبل تعويم الجنيه المصري مقابل الدولار وارتفاع أسعار السلع والخدمات. وفي أكتوبر الماضي أشارت عدة تقارير أن حوالي ٣٠ مليون مصري يعيشون تحت خط الفقر.
كل المعطيات السابقة تقول أن لا نيّة حقيقة للحكومة لرفع مستوى التنمية والنمو الاقتصادي الموعود. فلا معدلات الفقر تنخفض ولا المشاريع المعلنة تجلب تغييراً للمواطن المصري. وعلى ما يبدو فإن الهم الأول والأخير للحكومة يكون في الاقتراض وتوقيع صفقات السلاح لشراء شرعية دولية للنظام وتمكين الجيش، على حساب الشعب.
بعد مرور سبعة أعوام على ثورة 25 يناير، وتظاهر ملايين المصريين مطالبين بـ"العيش والحرية والعدالة الاجتماعية"، لم تتحقق أي من هذه الأهداف التي هتفوا من أجلها، بل تدهورت الأوضاع أكثر، وأصبح الاقتصاد المصري أكثر هشاشة من ذي قبل.
ومن يدفع الثمن هم المواطنين الفقراء وأبناء الطبقة الوسطى من الشعب المصري، خاصة بعد قرض صندوق النقد الدولي الذي فرض على مصر سياسات اقتصادية تقشفية طالت كل فئات الشعب.
لقراءة المزيد
تلقَّ بريدنا الأسبوعي
تعليقات
نشجّع أي شخص على التعليق. الرجاء الرجوع إلى openDemocracy تعليمات أسلوب التعليق الخاص ب ن كان لديك أسئلة