Home

تنصيب السيسي والمعارضة المصرية

في محاولة لحصر السلطة بشكل مركزي، يسعى النظام إلى خلق عدوّ موحّد هو كناية عن تحالف بين المعارضة والنخب الأمنية والمدنية المستاءة.  English

Maged Mandour
06.03.2018

Ahmed Gomaa/Xinhua News Agency/PA Images. All rights reserved.

A special forces soldier stands guard in front of the National Election Authority in Cairo, Egypt on Jan. 29, 2018. The Chairperson of Egypt's Ghad Party, Moussa Mostafa Moussa, presented Monday his candidacy documents for Egyptian presidential elections to the country's election authority. Ahmed Gomaa/Xinhua News Agency/PA Images. All rights reserved.مع اقتراب الانتخابات الرئاسية المصرية، بدأ النظام بعملية منهجيّة لإزالة المرشحين المحتملين الذين قد يترشّحون ضدّ الرئيس عبد الفتاح السيسي.

كانت البداية مع العقيد أحمد قنصوة الذي عبّر عن نيّته بالترشح عبر فيديو على موقع "يوتيوب". أدّى إعلانه إلى اعتقاله والحكم عليه بالسجن لستّة أعوام لانتهاكه الأنظمة العسكرية ولمحاولة الترشح وهو لا يزال فعلياً في الخدمة. حاول قنصوة الاستقالة عدّة مرّات في السابق ولكنّ استقالته كانت تُرفض كلّ مرّة.

تشمل الشخصيات البارزة التي ترشحت أيضاً رئيس الوزراء السابق في عهد مبارك وجنرال القوات الجوية السابق أحمد شفيق والقائد العسكري السابق سامي عنان.

فور إعلانه عن نيّته بالترشح، تمّ ترحيل شفيق من الإمارات العربية المتحدة ووُضع في الإقامة الجبرية، ما دفعه إلى الانسحاب من السباق الرئاسي.

اعتُقل عنان في 23 كانون الثاني/يناير 2018 بعد بيان مختصر أصدره المجلس الأعلى للقوات المسلّحة واتّهم فيه عنان بانتهاك القواعد العسكرية ومحاولة إشعال الفتنة بين الشعب والمؤسسة العسكرية. المضحك في الأمر أنّ عنان كان عضواً في هذا المجلس.

وسط هذه الأجواء، ما كان من المنافس الفعلي الأخير، محامي حقوق الإنسان البارز خالد علي، إلّا أن سحب ترشيحه في 24 كانون الثاني/يناير. تجدر الإشارة إلى أنّه كان يواجه احتمال استبعاده من المنافسة بسبب قرار من المحكمة، قيد الاستئناف حالياً، جرّاء قيامه بفعل فاضح خلال تظاهرة.  

في 26 كانون الثاني/يناير، أعلن حزب الوفد، وهو أحد الأحزاب من عهد مبارك لديه علاقات وثيقة بالنظام، ترشّح قائده السيّد البدوي للانتخابات الرئاسية في محاولة للمحافظة على طبيعة انتخابات يشارك فيها عدّة مرشحين.

ما يثير العجب هو أنّ حزب الوفد كان قد منح دعمه للسيسي قبل 48 ساعة على إعلان البدوي ترشحه. برّر قراره بالترشح بحرصه على حماية الدولة وعلى إظهار صورة التعددية السياسية.

لكنّ البدوي أيضاً أُرغم على الانسحاب بسبب مواجهة داخلية في الحزب. عندها، اضطُرّ النظام إلى دعوة مرشح آخر إلى خوض السباق الرئاسي وهو قائد حزب الغد، موسى مصطفى موسى، المعروف بدعمه للرئيس. قدّم موسى الوثائق اللازمة قبل سبع دقائق على إغلاق باب الترشح.

ردّاً على ذلك، دعت الحركة المدنية الديمقراطية، وهي كناية عن ائتلاف جديد وليّن مكوّن من شخصيات معارضة، إلى مقاطعة الانتخابات، ما أثار غضب النظام، فأطلق السيسي تهديدات واضحة باستعمال العنف ضدّ المعارضة وضدّ أيّ محاولة تنظيم تظاهرات حاشدة شبيهة بأحداث 2011.

حوّلت السياسة التي اتّبعها النظام العملية الانتخابية إلى استفتاء بحكم الأمر الواقع، وستكون العواقب وخيمة عليه وعلى المعارضة.

أرجع هذا التطوّر النظام السياسي المصري إلى مستوى انتخابات 2005 الرئاسية وهي الانتخابات الرئاسية الأولى والوحيدة في حقبة مبارك التي سمحت لعدّة مرشّحين بالمشاركة، ويُقال إنّها كانت أكثر تنافسية من الانتخابات الراهنة.

يتمّ بعث رسالة واضحة للمعارضة التي لا تزال تأمل أن تعمل قانونياً ضمن النظام في سبيل الإصلاح، ومفاد هذه الرسالة هو أنّ الإصلاح الداخلي الممكن لن ينفع. تُرفض أيّ محاولات للمعارضة للطعن بالانتخابات وتُجرّ إلى تحرّك في الشارع.

ليست المرّة الأولى التي تتساوى فيها تداعيات العمل ضمن المنظومة السياسية مع الأفعال غير القانونية للمعارضة.

أطلق النظام حملة قمع للمعارضة بحيث اعتُقل عدد من أعضاء الأحزاب المدنية  لتهم مختلفة أبرزها إهانة الرئيس والارتباط بمجموعات خارج القانون، في إشارة شبه واضحة إلى الإخوان المسلمين، ومحاولة الإطاحة بالنظام.

إنّ أبرز قضية أثارت غضباً ملحوظاً داخل المعارضة هي قضية إسلام مرعي، أمين سرّ الحزب الديمقراطي الاجتماعي، الذي اعتُقل من منزله في 15 حزيران/يونيو وحُكم عليه بثلاثة أعوام لتهم مشابهة.

عبر اتّباع هذه السياسة، لم يغلق النظام المجال العام فقط وإنّما سلب عملية المشاركة السياسية القانونية محفّزاتها لأنّ الثمن المترتّب لا يختلف كثيراً عن التظاهرات غير القانونية والاعتصامات التي يحظّرها قانون التظاهر السيء السمعة.

تغيّرت إستراتيجية النظام من الخيار الثانوي المتمثل بالمعارضة المدنية في تحالف ضدّ الإخوان المسلمين إلى قمع مباشر. تستمرّ هذه العملية منذ وصول السيسي إلى سدّة الرئاسة وقد بلغت ذروتها مع قمع العملية الانتخابية لتصبح استفتاءً رئاسياً بحكم الأمر الواقع.

تمسّ العواقب النظام أيضاً بشكل ملحوظ. بسبب التلاعب الفاضح بعملية الانتخاب، ستتبخّر أي ذرّة متبقية من الشرعية.

بالتالي، سيكون وضع النظام غير مستقرّ لأنّ مصدر الشرعية الوحيد مترسّخ في قدرته على إرساء الأمن في البلاد وتطوير الاقتصاد.

لكن، وسط تدهور الأمن وتراجع الوضع الاقتصادي بسبب الهجمات الإرهابية المحبطة والصعوبات الاقتصادية المتفاقمة، من المتوقع أن يزداد استياء الشعب. أضف إلى ذلك أنّ النظام، على عكس سلفه، فشل في حشد حزب مدني ليكون الجهة الضامنة للتوازن.

استبعد النظام بشكل منهجي النخب المدنية ومجتمع الأعمال إذ أنّهما من فلول نظام مبارك وكذلك المؤسستين الأمنية والقضائية. اختار النظام الاعتماد على تحالف ليّن من المستقلّين للدعم في البرلمان ضمن ائتلاف غير رسمي اسمه "تحيا مصر" الذي يفتقد إلى بنية حزبية رسمية.

وسّعت المؤسسة الأمنية نشاطها الاقتصادي بشراسة، مؤثرة بذلك على قدرة القطاع الخاص على المنافسة. من ناحية المعارضة ضمن وكالات الأمن، ظهرت تسريبات محرجة لأحاديث هاتفية مسجّلة، وعكست آخرها محاولات مسؤولين في النظام بالتلاعب بالرأي العام لتقبّل أن تصبح القدس العاصمة الإسرائيلية.

بعد ذلك مباشرة، تمّت إقالة قائد جهاز المخابرات العامة واستبداله برئيس أركان السيسي، عبّاس كامل، مؤقتاً، ما غذّى اعتقاد أنّ التسريبات الأخيرة جزء من صراع القوى بين السيسي وجهاز المخابرات الواسع النفوذ.

كانت معارضة القضاء أيضاً صارمة وبرزت في قضية نقل تبعية جزيرتي البحر الأحمر، تيران وصنافير، من مصر إلى السعودية.

برزت أيضاً بعض حالات المعارضة ضمن مؤسسة الدولة، وأبرزها قضية هشام جنينة، الرئيس السابق للجهاز المركزي للمحاسبات، الذي أصدر تصريحات عن الفساد داخل مؤسسات الدولة في مصر.

نتيجة هذا الادعاء، أُقيل من منصبه وحُكم عليه بالسجن لسنة واحدة بسبب نشره أخباراً كاذبة. تجدر الإشارة إلى أنّ عنان ذكر أنّه كان سيختار جنينة كنائب له لو فاز.

هوجم جنينة بعد اعتقال عنان في حادث سير مركّب واحتُجز في محطّة الشرطة لأربع ساعات على الرغم من إصابته بحجّة إتمام التحقيق.

عبر تحويل الانتخابات إلى استفتاء بحكم الأمر الواقع، أزال النظام الغطاء الأخير المزيّف عن الشرعية المزعومة. ستدفع هذه الخطوة المعارضة الشرعية بعيداً عن النظام للعمل خارج المنظومة السياسية.

في محاولة لحصر السلطة بشكل مركزي، يسعى النظام إلى خلق عدوّ موحّد هو كناية عن تحالف بين  المعارضة والنخب الأمنية والمدنية المستاءة التي إذا اتّحدت، سيكون ترويضها صعباً.

تم نشر هذه المقالة لأول مرة باللغة الإنجليزية في ٦ فبراير ٢٠١٨.

Had enough of ‘alternative facts’? openDemocracy is different Join the conversation: get our weekly email

تعليقات

نشجّع أي شخص على التعليق. الرجاء الرجوع إلى openDemocracy تعليمات أسلوب التعليق الخاص ب ن كان لديك أسئلة
Audio available Bookmark Check Language Close Comments Download Facebook Link Email Newsletter Newsletter Play Print Share Twitter Youtube Search Instagram WhatsApp yourData