كان يوجد بالفعل واقع متوتر بشكل واضح بخصوص العمل في مجال حقوق الإنسان الفلسطيني أثناء الحرب الإسرائيلية الأخيرة على غزة. لقد تم إلقاء المسؤولية على منظمات حقوق الإنسان الفلسطينية عن القصور في أي بيان صحفي صادر عن الأمم المتحدة أو الأفراد التابعين لها - كما لو كانت منظمات حقوق الإنسان الفلسطينية مسؤولة مباشرة عن تصريحات الأمين العام بان كي مون والمواقف الرسمية للأمم المتحدة. جهود هذه المنظمات التي في الصدارة (خاصة المنظمات الغزاوية)، وعملها الشجاع في فضح انتهاكات حقوق الإنسان وجهودها في مجال الدعوة لإنهاء الهجوم على غزة، لم يعفها من انتقادات الرأي العام.
اللحظة الراهنة مليئة بالشكوك بالنسبة لحركة حقوق الإنسان الفلسطينية - وبالنسبة لجميع الفلسطينيين. هل سيصمد وقف إطلاق النار الحالي؟ هل تستطيع حكومة الوحدة في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة أن تصمد؟ ما هو ولاؤها بالضبط؟ هل سيستطيع الفلسطينيون الحصول على أي عدالة من الحرب الأخيرة في غزة، أو أنها لن تؤدي إلا إلى مزيد من المعاناة؟ هل ستقوم السلطة الفلسطينية (PA) بدورها بجدية في الدفاع عن الشعب الفلسطيني ضد الانتهاكات الإسرائيلية لحقوق الإنسان - أم ستترك هذه المهمة مرة أخرى لمنظمات حقوق الإنسان؟ كل هذه الأسئلة تقودنا إلى إعادة التفكير في دور جديد لحركة حقوق الإنسان الفلسطينية بعد الحرب الأخيرة على غزة.

Andrea DiCenzo/Demotix (All rights reserved)
Gaza City celebrates the announcement of an indefinite ceasefire. What will the new role of the Palestinian human rights movement be after the latest war on Gaza?
منذ نشأتها، واجهت جماعات حقوق الإنسان الفلسطينية ثلاثة تحديات رئيسية. فقد انبثقت حركة حقوق الإنسان في فلسطين من الحراك السياسي - مما يعني أن خطاب حقوق الإنسان سيطر عليه الخطاب السياسي بشكل واضح لفترة طويلة. ولكن مع تنامي جماعات حقوق الإنسان الفلسطينية مهنياً وبنائها علاقات مع العالم الخارجي، تطور خطابها إلى التركيز على حقوق الإنسان فقط. مع هذا التحول، كان يساء فهم حركة حقوق الإنسان من جانب الشعب الفلسطيني والحراك السياسي على حد سواء. فكانت نظرة كليهما إليها على أنها مجندة لخدمة أجندة خارجية، وأنها تتميز بلغة "محايدة" ضعيفة لم تضع في اعتبارها المطالب الفلسطينية بالكامل.
في الواقع ورغم ذلك، تمكنت حركة حقوق الإنسان من دعم الحركة السياسية من خلال تنفيذ برنامجها وتسليط الضوء على أولوياتها. على سبيل المثال، عندما سعت منظمة التحرير الفلسطينية (PLO) ومعظم فصائلها لنيل الدعم الكامل من الأمم المتحدة لتحقيق سلام عادل في المنطقة، كانت حركة حقوق الإنسان هي التي قامت بوضع جميع الأسس اللازمة، وإعداد جميع الوثائق ذات الصلة لهذه الحملة. أمثلة أخرى لقيام حركة حقوق الإنسان بدعم التطور السياسي الفلسطيني تشمل ما يلي: العمل مع السلطة الفلسطينية (PA) لإعداد الملفات والمواد اللازمة للانضمام لاتفاقيات ومعاهدات الأمم المتحدة؛ العمل مع الأحزاب السياسية وبالنيابة عنها لوضع القوانين، عبر المجلس التشريعي الفلسطيني، المتعلقة بحقوق المرأة وحقوق الطفل وذلك لتتوافق مع المعايير الدولية؛ والعمل مع السياسيين الفلسطينيين لتعزيز خطابهم عن حقوق الإنسان وتحديث استخدامهم للمصطلحات القانونية ومصطلحات حقوق الإنسان. وعلى الرغم من هذه الجهود، لا تزال حركة حقوق الإنسان يساء فهمها.
وقد أدي التحدي الثاني، الناجم عن اتفاقات أوسلو لعام 1993، إلى إنشاء السلطة الفلسطينية، وتقسيم الأراضي الفلسطينية المحتلة (OPT) إلى مناطق أ، ب، ج. وقد انحصرت السلطة الفلسطينية في المنطقة أ؛ أما الحماية والتنمية، أساساً في المنطقتين ب و ج، فهما متروكتان للمجتمع المدني. وهكذا، بدأت منظمات حقوق الإنسان الوطنية والدولية على حد سواء العمل على حماية أراضي وحقوق الشعب. وقد ترتب على هذه المسؤولية نشوء عبء ثقيل تحملته منظمات حقوق الإنسان المحلية. وأصبحت النظرة إلى هذه المنظمات الآن على أنها نصير للشعب الفلسطيني، وبشكل غير واقعي نسبوا إليها القدرة والواجب لإنهاء الاحتلال والضغط بمفردها على المجتمع الدولي للدفاع عن القضية الفلسطينية. وبعبارة أخرى، ترتب على ضعف السلطة الفلسطينية والأحزاب السياسية الأخرى نشوء توقعات مبالغ فيها لدى الشعب من منظمات حقوق الإنسان.
التحدي الثالث هو التمويل. ويتم تمويل معظم منظمات حقوق الإنسان الفلسطينية جزئياً أو كلياً من الخارج؛ في هذه الحالة، غالباً من دول الاتحاد الأوروبي ووكالات الأمم المتحدة المختلفة. المشكلة هي أن معظم دول الاتحاد الأوروبي تميل إلى الامتناع عن التصويت أو التصويت ضد فلسطين في الأمم المتحدة ومجلس حقوق الإنسان بها والهيئات الدولية الأخرى - مما يهدد مصداقية منظمات حقوق الإنسان الفلسطينية في أعين الشعب الذي تخدمه. من ناحية، الفلسطينيون لديهم توقعات عالية من وراء عمل هذه المنظمات وقدراتها وعلاقاتها، ومن ناحية أخرى، فإن هذه المنظمات لديها في الواقع تأثير ضئيل جداً على الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة. المجتمع الفلسطيني لا يفهم هذا بشكل كاف، مما يؤدي به إلى النظر إلى منظمات حقوق الإنسان المحلية على أنها "خائنة" تدين بالفضل للغرب.
الانتقاص الشائع من جماعات حقوق الإنسان الفلسطينية يكشف عن تعميم سوء الفهم لدور هذه المنظمات والغرض منها. ولكن يجب على المنظمات الأهلية الفلسطينية دراسة وتحليل هذا الواقع، والتواصل عن وعي وقصد على نحو أكثر كثافة مع مجتمعها، وتوضيح دورها، والسعي لمزيد من التحالفات داخل المجتمع. وهذا للاحتراس من أي نخبة ملحوظة بين الناشطين، وهو عامل قد ناقشه العديد من الكتاب على الرابط openGlobalRights.
الأهم من ذلك كله، يجب أن تكون منظمات حقوق الإنسان واقعية بخصوص قدرتها، ولا تخلق الأوهام في أذهان الناس. لا تستطيع جماعات حقوق الإنسان الفلسطينية تحقيق الانسحاب الإسرائيلي بنفسها؛ ولا يمكنها إنهاء الاحتلال؛ ولا يمكنها أن تغير جذرياً في ميزان القوى الإقليمي. ولكن يمكنها أن تفعل أشياء كثيرة لتعزيز النسيج الديمقراطي للمجتمع بشكل ملموس، وبالتالي تتجاوز أدوارها التقليدية في الدعوة والتوثيق والرقابة وتصبح وكلاء حقيقيين للتغيير الاجتماعي.
يجب على جماعات حقوق الإنسان الفلسطينية أن تساعد مواطنيها لبناء مجتمع أفضل في وطنهم، وفي نفس الوقت تساعدهم أيضاً لتأسيس دولتهم على الساحة الدولية
ومن أجل هذا، أقترح أربعة أهداف لحركة حقوق الإنسان الفلسطينية.
أولاً، الاستمرار في فضح انتهاكات حقوق الإنسان، بغض النظر عن الجناة؛ مساعدة الجهود التي تركز على انضمام فلسطين إلى الأمم المتحدة كعضو كامل وليس فقط كدولة مراقب؛ الضغط من أجل إضافة فلسطين إلى جميع المواثيق والاتفاقيات والمنظمات الدولية؛ وحشد التأييد لفلسطين للانضمام إلى المحكمة الجنائية الدولية، وفي نفس الوقت المساعدة على إعداد الملفات اللازمة لمقاضاة إسرائيل.
ثانياً، الضغط لإجراء مؤتمر دولي حول فلسطين – عدم ترك هذه المسألة "للمفاوضات" الدبلوماسية غير الفعالة بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية في وجود وسيط منحاز مثل الولايات المتحدة.
ثالثاً، مراقبة جهود إعادة الإعمار في غزة وضمان تحديد الأولويات وفقاً لحقوق الشعب واحتياجاته؛ وأيضاً ضمان أن جميع الأموال يتم توجيهها نحو مصلحة الشعب. يجب على جماعات حقوق الإنسان الفلسطينية أن تكون يقظة بخصوص فضح ومعارضة أي فساد في جهود إعادة الإعمار.
أخيراً، تشجيع المشاركة الشعبية في الحياة السياسية، وحماية عملية المصالحة بين حماس وفتح، والمساعدة في الحفاظ على حكومة الوحدة، التي انضم إليها اثنتان من الفصائل السياسية الفلسطينية الرئيسية منذ شهر يونيو. إذا لزم الأمر، يمكن لجماعات حقوق الإنسان الفلسطينية أن تساعد بمثابة وسيط بين الفصائل.
من خلال هذه الإجراءات، سوف تصبح منظمات حقوق الإنسان الفلسطينية قادرة على الاستفادة من الفرص الحالية وبناء مجتمع أقوى وأكثر ديمقراطية. يجب على جماعات حقوق الإنسان الفلسطينية أن تساعد مواطنيها لبناء مجتمع أفضل في وطنهم، وفي نفس الوقت تساعدهم أيضاً لتأسيس دولتهم على الساحة الدولية.

لقراءة المزيد
تلقَّ بريدنا الأسبوعي
تعليقات
نشجّع أي شخص على التعليق. الرجاء الرجوع إلى openDemocracy تعليمات أسلوب التعليق الخاص ب ن كان لديك أسئلة