Home

سياسات العمل الثقافي السوري في تركيّا: التهميش مازال مستمراً -١ من ٢

الانتقال القسري نحو السياق التركي يحمل صعوبات لا يختلف طعمها كثيراً عن طعم التهميش الذي اعتاده كثير من السوريون في وطنهم، ومازالوا. English

وسيم الشرقي
06.09.2017

Louai Barakat/Zuma Press/Press Association Images. All rights reserved.

May 15, 2017 - The Alasalah is a group of Syrian youth and Syrian artists interested in reviving traditional Arab artistic tradition, with particular focus on Syrian heritage. They are involved in poetry, acting, music, song and dance. Louai Barakat/Zuma Press/Press Association Images. All rights reserved.احتلّ العمل الثقافي في سوريا، ومنذ ما قبل الثورة السورية، مساحة مبالغاً في أهميّتها السياسيّة، فبسبب الفقر السياسي الذي عانى منه البلد لعقود طويلة، وانعدام سبل العمل السياسي، كان المهتمّون بالشأن العام غالباً يجدون طريقهم إلى العمل الثقافي بتنويعاته المختلفة، كوسيلة ممكنة للفعل العام قد تحمل أثراً سياسياً.

لكن، وحتّى حين كان الفاعلون الثقافيون في سوريا ما قبل الثورة لا يسعون بشكل مباشر إلى تحميل عملهم الثقافي حمولة اجتماعية أو سياسيّة، كانت تلك الحمولة ملقاة على كاهلهم بشكل أو بآخر، كون امتياز العمل الثقافي في سوريا ما قبل الثورة فعلاً ليس من الصعب أن تحمّلك أطراف مختلفة مسؤوليّة مضاعفة عند إنجازه. سواءً من السلطة ودوائرها الرقابية المختلفة، أو من أطياف معارضيها ممّن يرون فيه وسيلة شبه وحيدة متاحة للمقاومة السياسية، فيقيّمون المنتج بناءً على مردوده السياسي.

على ما يبدو فإن الجدليّة الخاصة بسوريا ما قبل الثورة، لم تنته صلاحيتها بالنسبة لتحليل المشهد الثقافي السوري الراهن، مع كلّ التغيرات التي طرأت على الواقع الجغرافي لسوريا الداخل بين مناطق النفوذ المختلفة، وأيضاً بالنسبة لسوريا الخارج حيث تتوزّع الكتل البشرية السوريّة على بلدان عدّة، ونرى بأنّ تلك الجدليّة من الممكن أن تعيننا على فهم واقع العمل الثقافي السوري اليوم، حيث أنّه، وبالرغم من تحوّلات ظروفه الإنتاجيّة، إلا أنّ مستوى تسييس ذلك الفعل الثقافي في سياقه السوري ربّما لم يتغيّر كثيراً، كما لم يتغير أيضاً تهميش فئات من السوريين كانوا مهمّشين ثقافياً في سنين ما قبل الثورة، وما زالوا مهمّشين إلى اليوم، وإن اختلفت الأسباب جزئياً.

وعلى وجه التحديد، وبالانتقال إلى تركيّا حيث يقيم أكبر عدد من اللاجئين السوريين في العالم. يلعب العمل الثقافي السوري دوراً أساسياً كتعبير سياسي وحيد متاح عن السوريين داخل تركيّا، وذلك في ظل غياب الأجسام السياسية التي قد تمثّلهم بشكل كاف أمام كلّ من السلطات والمجتمع المحلّييّين على حد سواء.

فالعمل الثقافي السوري، ورغم كلّ التغيرات التي طرأت على الواقع السوري، ما زال مثقلاً بحمل المسؤولية السياسية، حيث يعمل بالتوازي معها، أو على هامشها، كما سنحاول أن نوضّح في جزئي المقال.

تركيّا كمساحة للعمل

بعد موجات الربيع العربي، وردات الفعل العنيفة عليها من الأنطمة، انتقل عدد كبير من الفاعلين الثقافيين والسياسيّين العرب بشكل عام، والسوريين بشكل خاص للاستقرار على أراضي تركيّا التي اتبّعت حتّى أواخر العام 2015 سياسة الباب المفتوح لمواطني دول الربيع العربي، فكان أن استقرّ بها عدد كبير من هؤلاء، حيث شكّلت تركيّا مساحة للعمل السياسي والثقافي السوري بأشكاله المختلفة.

فمن المعلوم أنّ الحكومة التركيّة احتضنت الكثير من أجسام المعارضة السوريّة مثل الائتلاف السوري لقوى الثورة والمعارضة، والحكومة السورية المؤّقّتة، وغيرها. وكذلك الأمر بالنسبة لبعض منظمات المجتمع المدني السوريّة في مختلف المدن التركيّة (التي تشهد حملة تضييق شديدة من الحكومة التركيّة مؤخّراً) وعلى هامش هذه المؤسسات السياسية، شهدت تركيا ولادة عدد من المؤسسات والمشاريع الثقافية السورية المختلفة، والتي يمكن تقسيمها إلى نوعين رئيسيين.

النوع الأول يتمثّل في العديد من منصّات إنتاج المحتوى، مثل الراديوهات، والمواقع الإلكترونيّة، ووكالات الأنباء، ومراكز الأبحاث، والتي تنتج محتواها غالباً لتتم متابعته من قبل الداخل السوري كما في حالة الراديوهات، أو أماكن توزّع السوريّين بالمجمل كما في حالة المنصّات الأخرى.

هذه المنصّات المنتجة للمحتوى الثقافي السوري، وإن تمّ إنتاجها من قبل سوريّين مقيمين على الأراضي التركيّة، إلا أنّ جمهورها في أغلب الحالات هو مقيم في مكان آخر، كما ذكرنا، وبالتالي فهي تعمل بمعزل عن المجتمع المحلّي السوري (اللاجئ) والمتوزّع جغرافيّاً على مدن تركيّة مختلفة.

أمّا النوع الثاني من العمل الثقافي السوري، فيتمثّل في المراكز والمبادرات الثقافية التي تستهدف بشكل مباشر السوريين الموجودين على الأراضي التركيّة، سواءً بمبادرات تثقيفيّة سوريّة بالكامل، أو بمبادرات ومشاريع تتوجه إلى المجتمع المحلّي التركي، وتحاول الاندماج معه، الأمر الذي يتم بسوّيات شديدة التفاوت بين المشاريع والمبادرات والمراكز المختلفة.

خريطة تركيّا السوريّة

وفقاً لأرقام الحكومة التركيّة فإنّ قرابة الثلاثة ملايين سوري يقيمون في تركيّا، تتوزّع كثافتهم الأعلى بين ولايات شانلي أورفة جنوباً، وإسطنبول غرباً واللتين تضمّان العدد الأكبر من السوريّين بأرقام تتجاوز الـ400 ألف لاجئ لكلّ منهما، ثمّ تليهما الولايات الأخرى وبخاصة أضنة ومرسين، وبورصة وغازي عنتاب، والّتي تضمّ كلّ منها مئات الآلاف من السوريين أيضاً.

فبشكل عام تتوزّع الكتلة البشريّة السوريّة بين مدن الجنوب الغربي التركي، الأقرب إلى الحدود السوريّة، والتي تضمّ أحياناً بعض الروابط الاجتماعيّة والعائليّة بين طرفي الحدود، كما ترتفع نسبة السوريين بكثافة في مدن الغرب التركي، حيث القوة الاقتصاديّة التركيّة، بينما يقل عددهم في ولايات الوسط الأناضولي، والشرق، باستثناء المدن الشرقيّة الجنوبيّة القريبة من سوريا.

من الجنوب القريب من سوريا، إلى الغرب الذي يقع على أراضي القارة الأوروبيّة، لا يشهد الحضور الاجتماعي السوري في المدن التركيّة استثناءات في كسر حالة العزلة المجتمعية التي يعيشها.

فبعد أكثر من أربع سنوات من بداية النزوح السوري إلى تركيّا ماتزال علاقات الحياة اليوميّة تشهد نوعاً من الفصل الحاد بين المجتمعين السوري والتركي. تلعب عوامل اختلاف اللغة، ومواقف الأحزاب التركيّة المعارضة السلبية تجاه الوجود السوري، والإهمال الحكومي لقضية الاندماج دوراً شبه متكامل في عمليّة عزل السوريّين عن المجتمع المحلّي التركي.

وفي ظلّ غياب التمثيل السياسي الفعّال للسوريين، يلقى على عاتق العمل الثقافي السوري في تركيّا بجزء كبير من مسؤولية دمج السوريين في المجتمع التركي، أو على الأقل إنجاز خطاب ثقافي معبّر عنهم. حيث تحمل المنصّات الثقافية السوريّة المختلفة وتعبّر عن هذه المسؤولية في خطابها، وتلقى على عاتقها بشكل قسري في حالات أخرى، من قبل المجتمع السوري المعزول، والمتعب، والمحتاج لأيّ نوع من الدعم المنظّم، ولو على المستوى التثقيفي، أو حتّى الترفيهي.

لعنة التهميش

بالعودة إلى الثقافة في سوريا ما قبل الثورة حيث تكتب اليوم مراجعات مستمرّة في نقدها، يحضر دائماً انتقاد جذري لسياسات المركزيّة الثقافيّة للسلطة السوريّة في تركيز الدعم الثقافي في مراكز المدن وبخاصّة العاصمة، وتهميش الأطراف بشكل عام. بدءاً من ريف العاصمة ذاتها وصولاً إلى المنطقة الشرقيّة سيئة الحظ من ناحية السياسات الحكوميّة التنمويّة.

لكن، ومن خلال إلقاء نظرة بانوراميّة على واقع العمل الثقافي السوري في تركيّا، نجد اليوم أنّ المعضلة السابقة بخصوص المركز والأطراف تبدو مستمرّة اليوم مع سوريّي تركيّا.

فينما تشير الأرقام الرسمية لتقارب في عدد السوريّين بين شانلي أورفة جنوباً وإسطنبول غرباً، نجد تبايناً حاداً في كميّة ونوع العمل الثقافي السوري الذي قد يفيد منه اللّاجؤون، وتزداد هذه الصورة قتامة حين نتذكّر أن سوريّي ولاية شانلي أورفة هم في غالبيتهم العظمى من مهجّري المنطقة الشرقيّة في سوريا، حيث تبدو لعنة التهميش الثقافي مواظبة على ملاحقة سوريّي المنطقة الشرقيّة، وإن اختلف المعطى السياسي، وإن تغيّر البلد بأكمله، كما في حالة الانتقال القسري نحو السياق التركي الذي يحمل صعوبات لا يختلف طعمها كثيراً عن طعم التهميش الذي اعتاده كثير من السوريون في وطنهم، ومازالوا.

في الجزء الثاني من المقال سنتوقّف بشكل تفصيلي عند طبيعة العمل الثقافي الذي يستهدف السوريّن في تركيّا، من حيث توزّعه الجغرافي، وميوله السياسيّة والأيديولوجيّة، وكشف آليات التهميش التي تمارس على جموع السوريين.

Had enough of ‘alternative facts’? openDemocracy is different Join the conversation: get our weekly email

تعليقات

نشجّع أي شخص على التعليق. الرجاء الرجوع إلى openDemocracy تعليمات أسلوب التعليق الخاص ب ن كان لديك أسئلة
Audio available Bookmark Check Language Close Comments Download Facebook Link Email Newsletter Newsletter Play Print Share Twitter Youtube Search Instagram WhatsApp yourData