50.50

أنا و أم أحمد و البيكيني

لأول مرة في تاريخ مصر, ترتدي سيدتها الأولى الحجاب و كما أثار زوجها قلق الكثيرون حول مدنية الدولة, أثارت زوجته القلق حول صورة المرأة المصرية.

Zainab Magdy
30 July 2012

Photo of Um Ahmad next to photo of Queen Nariman

Article also available in English

عبرنا الشارع – 7 نساء و بنات ترتدين فساتين والعروسة طبعاً – عبرنا كورنيش جاردن سيتي. أوقفنا الشارع وعبرنا، وبالطبع فكرتُ قبل أن نعبر هذا الشارع الذي لا يقف أبداً: هنعدي إزاي؟ طب هيتحرشوا بينا واحنا مستنين العربيات تقف؟  طب هنعرف نعدي أصلاً؟ أعتقد أننا كنا جميعاً نفكر في كل هذه الأشياء ونحن ننظر للرصيف الآخر وكنا غالباً نفكر أنه كان من المفيد أن يكون معنا بودي جارد و لا اتنين يعبروا بنا إلى الشط الآخر بعيداً عن كل الشرور: السيارات والأيدي. في الغالب لم تكن أيٌ منا تفكر في أم أحمد ونحن نحاول إيقاف السيارات. التحرش شيء يدور في رأس المرأة المصرية طالما خرجت من بيتها 70 % من الوقت.

عبرنا الشارع ولم يحدث أي من السيناريوهات التي تخيلتها. الحمد لله قرر سائقو السيارات بأن لا يزفونا إلا ببعض الصفير و "إيه الحلاوة دي".  وصلنا إلى الرصيف الثاني ووقفت أتأمل صديقتي وهي مرتدية فستانها وملتحفة بشال خفيف لحفلة زفافها وفكرت كم تبدو جميلة اليوم، ثم عاد تفكيري إلى أم أحمد.

أنا أفكر في أم أحمد كثيراً هذه الأيام.

أنا أفكر في أم أحمد أكثر مما أفكر في زوجها. طبعاً إذا كنت تقرأ هذه القصة اللطيفة وأنت لا تعرف من هي أم أحمد. ستتساءل لماذا أفكر فيها وفي زوجها. أم أحمد هي زوجة الدكتور محمد مرسي رئيس مصر الجديد: السيدة نجلاء علي محمود.

بعد صدمتي الأولى عند رؤية صورة للسيدة نجلاء – لأنها ترتدي الخمار – رأيتها وهي تجلس بجانب كارلا بروني تغني بصوت "سيكسي" وهي تمسك بالميكروفون لكنني سرعان ما تذكرت أن ساركوزي خسر الانتخابات.

أنا لم أرى وجهها في البضع مرات الأولى التي رأيت فيها صوراً لها. لم أستطع أن أتعدى خمارها و ملابسها إلا بعد مرور القليل من الوقت. الآن كلما تحدث عنها أحد أرى وجهها – تلك المرأة التي ترفض الانتقال إلى قصر الرئاسة وتدعو الشعب بمناداتها أم لأنها ليست سيدة مصر الأولى ولا حاجة. لكن عندما رأيت وجهها رأيت وجهاً به سماحة وطيبة. عيناها تلمعان عندما تضحك في المقابلات التي شاهدتها لها. تبدو كسيدة وقفت بجانبي في الشارع أو وأنا أشتري خيار.

وفجأة أصبحت هذه المرأة محور حديث أناس كثيرين. هناك من دافع عنها وقال أنها تشبه كل أمهاتنا وجداتنا، وهناك من حزن وغضب أن هذه المرأة هي من تمثل مصر وسيداتها. لدرجة ما هو موقف شخصي وبالطبع طبقي.

وكلما فكرتُ أكثر في كل النكات التي ألهمتها أم أحمد أعرف أن الموضوع ملوش دعوة بأم أحمد.

لنعود قليلاً إلى ما قبل استبعاد السيد حازم صلاح أبو إسماعيل الوقت الذي ملأ وجهه وذقنه شاشات التليفزيونات المصرية في كل برامج التاك شو المصرية المثيرة للقيء. أتذكر السيد حازم على تلفزيون غرفة معيشتنا والمكالمة التي جاءت له من إحدى نساء مصر التي تبين من كلامها أنها من طبقة متوسطة ومسلمة. قالت له هذه السيدة بكل الأدب والهدوء أنها تصلي و تصوم و ترى أن علاقتها مع ربها جميلة وأنها لا ترتدي الحجاب وقالت لحازم أن علاقتها بربها علاقة شخصية جداً. علاقة لا تخصه فكيف يأتي هو يقرر كيف تكون تلك العلاقة ويقرر لها ماذا ترتدي، وكعادته التليفزيونية الشهيرة لم يقل السيد حازم شيء مفيد لكن هذا ليس موضوعنا. تأزم الجميع وساد القلق من التيار السلفي وكان القلق دائماً ما يعود للبيرة و طبعاً البيكيني.

قلق الناس من التيار السلفي و الرجعية التي كانت ستسود البلد من تحت رأسه و كان القلق الأكبر هو تغطية السلفيين للنساء المصريات، على ما أتذكر كان لديهن هلع من عدم إمكانية السيدات من ارتداء المايوه على البحر. غالباً ما سهر بعض الرجال من القلق على وضع المايوه الحريمي في العهد السلفي. أنا كنت قلقانة. كان يصعب علينا أن نفهم كيف يأتي هؤلاء من يتلون علينا كيف ترتدي نسائنا ملابسهن.

إن لم تكن تعرف. يكبر المصريين على التناقضات.

كثير من اللواتي لا يتقبلن ملابس السيدة نجلاء يتوقعن أن سيدة ترتدي خمار لن تتقبلهن. أنا كنت كذلك قبل ما تصالحت مع أم أحمد وملابسها وشكلها. أنا أردت أم أحمد أن تتقبلني كما أنا وأن لا تحاول تغير ما أرتدي لأكون مثلها ولكنني لم أستطع أن أتقبلها هي كما هي.  نحن لا نريد من أحد أن يأتي ويقرر لنا ما نرتديه وما لا نرتديه. لكننا نراه كحق أن نتلوى على أم أحمد كيف تخرج من منزلها لأنها تمثل نساء مصر.

نحن المصريون نحب أن يكون هناك دوماً من يمثلنا.

في عدة مقالات قرأتها عن السيدة نجلاء كانت الآراء تختلف حول ملابسها وكان هناك من الشباب من يرون أن هذه السيدة لا تمثلهم بأي شكل كان. قال بعض الشباب أنهم يرون أن ملابس أم أحمد ستجعل الغرب يعتقد أن المرأة المصرية تتراجع للعصور الحجرية وتتخلف، ويأتي السؤال المُلّح: هل كانت السيدة سوزان مبارك ممثلة لمن يرفضن أم أحمد؟ أقرأ أكثر عن أم أحمد  وتتأكد عندي تلك المعرفة القديمة التي عادت إلى سطح الأشياء التي تسبح في رأسي: أن النساء يقال لهن ماذا يرتدين لأنهن يمثلن شيء ما سواء وطن أو دين أو عائلة أو تربية أو زوج أو مؤسسة ... الخ. والمحزن أن النساء كثيراً ما يروّجن لهذه الفكرة عبر الأجيال.

نبشت أم أحمد في كل تلك التناقضات المريضة الدفينة في هذا المجتمع لتتجسد في هجوم عليها و دفاع عنها.

وكما تمثل أم أحمد مثال المرأة الرجعية غير المتحررة للبعض فهي تمثل للبعض الآخر مثال المرأة المحترمة. تحدثت السيدة عزة الجرف و هي عضو في مجلس الشعب المنحل عن الحرية والعدالة التي كانت تدعو لإلغاء قانون الخلع وقانون منع ختان الإناث ليكون حرية الأسرة وأيضاً قانون التحرش في مقالة نشرت عن أم أحمد بكل خير، وقالت أن السيدة نجلاء هي خير مثال للمرأة المصرية الحق لأنها زوجة متفانية و تقف بجانب زوجها وتعرف حدودها.

مسكينة أم أحمد، فدائماً ما تمثل هذا أو ذاك ولكنك أبداً لا تمثل نفسها.

وفقط لهذا السبب أرى أن أم أحمد تمثل كل الستات المصريات. تحارب النساء في هذا المجتمع من أجل الكثير. البعض تحاربن من أجل التعليم والبعض الآخر من أجل الطلاق وأخرى لتطعم أولادها، وأخرى لتأخذ أولادها من أب غير مسئول، وأخريات من أجل حرية التفكير والتصرف وأخذ القرارات، وهناك كل اللواتي يحاربن كل يوم من أجل المشي في الشارع بدون مهانة لنفسها قبل جسدها مهما كانت ترتدي، وفي كل تلك المعارك ماذا يقول المجتمع؟ يقول لتلك المرأة أن تسكت وتقفل بقها وترضى بما هي فيه لأنها تهدم صورة المرأة والبنت المحترمة.

أما أم أحمد فهي متهمة بأنها تشوه صورة السيدة المصرية.

أتساءل أحياناً كيف سيكون الحال لو قلعنا أم أحمد؟ ماذا لو لم ترتدي أم أحمد الحجاب وذهبت للكوافير وارتدت ما نراه "شيك"؟ هل سنكون نحن النساء المصريات في تصالح مع أنفسنا؟ هل تغيير ملابس نجلاء علي محمود سيجعلنا نشعر بالقوة في هذا المجتمع؟

معتقدش. كنا سنتلوا نكات مختلفة وكنا سنناديها بشيء آخر غير أم أحمد. مدام مرسي مثلاً، وكنا نحن – نساء مصر – سنظل في انتظار من يأتي ليقول لنا نحن المانيكانات "البسي ده ومتلبسيش ده" حسب الذوق العام سواءً كان برقع أم بيكيني.

أتذكر يوم قبل عرض ونحن نقف في الكواليس وأنا أسخر من مجلس شعب منتخب (لم يكن منحل حينها) لا يفعل شيئاً للشعب الغلبان وقلت أن "النسوان في البيوت أجدع منهم". قال لي مصطفى صديقي "إنتوا كده. بتتكلموا عن الفيمينيزم وانتوا أصلاً اللي بتروجوا للأفكار دي". نفيت التهمة وقلت أنني أعني ما أقل لأنني أريد أن أثبت شيئاً ما (لا أعرف ما هو) بكوني ذكورية وبيني وبين نفسي خجلت من ذلة لساني.

يا أم أحمد. الطريق لسه طويل.

Get 50.50 emails Gender and social justice, in your inbox. Sign up to receive openDemocracy 50.50's monthly email newsletter.

Comments

We encourage anyone to comment, please consult the oD commenting guidelines if you have any questions.
Audio available Bookmark Check Language Close Comments Download Facebook Link Email Newsletter Newsletter Play Print Share Twitter Youtube Search Instagram WhatsApp yourData