على مدى أكثر من عقدين، شارك الإسرائيليون والفلسطينيون في مفاوضات سلام متقطعة والمعروفة باسم عملية أوسلو. يقول معظم الإسرائيليين أن اتفاقيات أوسلو عفا عليها الزمن، ولم تعد ذات صلة؛ ومع ذلك لا تزال اتفاقيات أوسلو تملي الواقع على الأرض. الجدران والأسوار والطرق الالتفافية في الضفة الغربية، وتقسيم المسؤوليات بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية في المناطق المحددة بشكل مصطنع أ، ب، ج وفي الواقع السلطة الفلسطينية نفسها - كل ذلك هو نتاج اتفاقيات أوسلو. وعلاوة على ذلك، أعتقد أن عملية أوسلو لا تزال تشكل الوعي لدينا بشكل ليس أقل من الواقع على الأرض من حولنا. هذا ينطبق على المعارضين والمؤيدين للعملية، وينطبق كذلك على جمعيات حقوق الإنسان.
تبذل منظمات حقوق الإنسان الإسرائيلية جهداً عظيماً لتميز حقوق الإنسان عن أي أجندة سياسية. نحن نقول أن حقوق الإنسان ليست يسارية أو يمينية. على سبيل المثال، مهما تكن وجهات نظرك حول الصراع العربي الإسرائيلي وكيفية إنهائه، يجب على الجميع دعم حقوق الإنسان العالمية. وهكذا، لا تدعو منظمات حقوق الإنسان الإسرائيلية لإقامة دولة فلسطينية مستقلة في الضفة الغربية وقطاع غزة – الموقف السياسي الكامن وراء عملية أوسلو. ومع ذلك، فقد تسلل منطق عملية السلام إلى تفكيرنا وصاغ عملنا بطرق خفية.
المستوطنات الإسرائيلية هي أحد الأمثلة. تعارض منظمات حقوق الإنسان جميع المستوطنات الإسرائيلية باعتبارها انتهاكاً لاتفاقية جنيف الرابعة ومصدراً لانتهاكات حقوق الفلسطينيين. ومع ذلك، فنحن لا نتعامل مع جميع المستوطنات على حد سواء. يحظى البناء المخطط لمستعمرة E-1 –التي سوف تقسم الضفة الغربية إلى شطرين وتجعل أي دولة فلسطينية في المستقبل غير قابلة للحياة– باهتمام جمعيات حقوق الإنسان أكبر بكثير من اهتمامها ببناء المستوطنات الأخرى. قد يكون ذلك جزئياً خطوة تكتيكية: نظراً لقلق المجتمع الدولي المتزايد بسبب مستعمرة E-1، فمن الذكاء لمنظمات حقوق الإنسان أن تستفيد من هذا القلق الدولي. ولكن توجد طرق أخرى تؤثرمن خلالها فرضية وجود الدولتين في المستقبل على جدول الأعمال الحالي لحقوق الإنسان.

Kati Krause/Flickr (Some rights reserved)
A Palestinian woman looking at a Jewish settlement in the Old City from the roof of her home. Hebron, June 2014.
الحق في المشاركة السياسية هو مثال جيد. مصير الفلسطينيين تحت الاحتلال يحدده الجيش الإسرائيلي والكنيست الإسرائيلي والحكومة الإسرائيلية. لا يوجد للفلسطينيين أي صوت في هذه الهيئات، ناهيك عن حقهم في شغل الوظائف فيها. العلاج الواضح لهذا الانتهاك الصارخ للحق في المشاركة هو أنه يجب أن يكون لكل أولئك الذين تحكمهم هذه الهيئات رأي في انتخابها. في سياقنا هذا، يبدو ذلك وكأنه برنامج سياسي متطرف – المطالبة بحقوق التصويت للفلسطينيين داخل دولة إسرائيل تبدو وكأنها دعوة إلى حل الدولة الواحدة للصراع السياسي. ومع ذلك، يمكن للمرء أن يقول أيضاً العكس تماماً: المطالبة بحق المشاركة ليست مسألة سياسية على الإطلاق، بل هي حق أساسي من حقوق الإنسان. الموقف المتلون بالقيود السياسية هو الامتناع عن إجراء هذا التصحيح الواضح جداً لإنتهاك واضح لحقوق الإنسان المعترف بها عالمياً.
وحتى الآن، لم تطالب جمعيات حقوق الإنسان بأن يكون للفلسطينيين الحق في التصويت وشغل الوظائف في المؤسسات الإسرائيلية. ويرجع ذلك إلى حد كبير لأن الوضع الحالي، وفقاً لمنطق عملية السلام، هو مؤقت وفي نهاية المطاف سوف يتمتع الفلسطينيون بالمشاركة السياسية في النظام السياسي الخاص بهم.
في الواقع، الفكرة برمتها عن كون طبيعة الإحتلال مؤقتة تقيد عملنا. الوقت الذي تستغرقه منظمات حقوق الإنسان لمعالجة مظاهرالاحتلال المختلفة (القيود، المحاكم العسكرية، العنف) أكثر بكثير مما نستغرقه نحن لمعالجة الاحتلال نفسه. فبينما الاحتلال هو مصدر لا مفر منه لانتهاكات حقوق الإنسان، فنحن لا ندعو فعلاً إلى إنهاء الاحتلال.
هذا الأسلوب يمكن تفهمه لأن إنهاء الاحتلال هو مشروع سياسي يتطلب معالجة قضايا تقع خارج إطار حقوق الإنسان: هل يجب على إسرائيل التفاوض مع حماس؟ هل ينبغي وجود دولتين أو دولة واحدة بين البحر المتوسط ونهر الأردن؟ ماذا عن الترتيب في القدس؟ هذه الأسئلة ضرورية للجوانب الأساسية لإنهاء الاحتلال بالفعل، ولا تستطيع منظمات حقوق الإنسان الإجابة عليها باستخدام الأساليب المعتادة (من خلال الحكم على السلوك وتقييمه وفقاً للمعايير الدولية لحقوق الإنسان).
ومع ذلك، إذا أخذنا في الاعتبار نتيجته المنطقية، هذا الأسلوب يعتبر إلى حد ما سخيفاً: فهذا يعني الاستمرار في علاج الأعراض، وليس المرض نفسه. كيف يمكننا التطرق لمشكلات حقوق الإنسان في الصميم ، أي الاحتلال ، بينما نتمسك بالطبيعة غير السياسية لحقوق الإنسان؟
في مقاله الأخير، اقترح نوعام شيزاف التخلي عن النشاط السياسي من أجل التوصل إلى حل الدولتين، والتركيز بدلاً من ذلك على النضال من أجل الحقوق الإنسانية والمدنية. ولكن، كما أكدت هنا، يحتاج النضال من أجل حقوق الإنسان أيضاً إلى تحرير نفسه من منطق أوسلو. علاوة على ذلك، تنفيذ مثل هذا التغيير يفرض في الواقع مواجهة تحديات.
على سبيل المثال، حق المشاركة السياسية الذي تم التطرق له أعلاه. لقد رفضت الحركة الوطنية الفلسطينية الاندماج في النظام السياسي الإسرائيلي. في القدس الشرقية، وهي الجزء الوحيد من الأراضي الفلسطينية المحتلة حيث يكون للفلسطينيين حق المشاركة في الانتخابات الإسرائيلية، قاطعت أغلبية ساحقة من الفلسطينيين الانتخابات البلدية. ويمثل ذلك مشكلة لدعاة حقوق الإنسان الإسرائيليين الذين يعطون أولوية للمطالبة بحق الفلسطينيين في المشاركة، وهو الحق الذي رفضوه بأنفسهم.
المطالبة بالمساواة تفرض مواجهة تحديات مماثلة. والمطالبة بالمعاملة العادلة لجميع الناس الذين يعيشون على نفس الأرض تبدو صريحة. ومع ذلك، تطبيقها في الضفة الغربية (أي المساواة بين المستوطنين والفلسطينيين) يتعارض مع حقيقة أن المستوطنات غير شرعية، وذلك بموجب اتفاقية جنيف الرابعة. المطالبة الحالية من منظمات حقوق الإنسان هي أنه يجب نقل المستوطنين. المطالبة بالمساواة بين المستوطنين والفلسطينيين تتقبل استمرار وجود المستوطنين في الأراضي المحتلة.
أعتقد أن هذه التوترات يمكن التغلب عليها. وهذا يتطلب الحوار والتنسيق بين النشطاء الإسرائيليين والفلسطينيين، والاستعداد لتحدي افتراضاتنا الحالية. سوف تكون النتيجة جمعيات حقوق إنسان إسرائيلية-فلسطينية أقوى وأكثر فعالية. ليس من الواضح مطلقاً أن أجندة حقوق الإنسان التي تصر على المساواة الكاملة على المدى القصير تتعارض مع الأجندة السياسية لحل النزاع على المدى الطويل. في الواقع، المساواة في الحقوق والمزايا لكل من الفئتين قد تكون الوسيلة الأكثر فاعلية لتحدي الوضع الراهن الراسخ للاحتلال.
Read more
Get our weekly email
Comments
We encourage anyone to comment, please consult the oD commenting guidelines if you have any questions.