openGlobalRights-openpage

هل يمكن أن تصبح الصين قوة معيارية؟

إلى الآن، يحاول الغرب توجيه الصين لكيفية التصرف حيال حقوق الإنسان. ولكن الأمر قد تغير، فالصين أصبحت تنخرط بشكلٍ متزايد في الجدل الدولي حول حقوق الإنسان. فهل   تهدف الصين إلى إعادة تعريف معايير حقوق الإنسان في المستقبل؟ 中国语文Español ,English

Xiaoyu Pu
27 June 2013
China_0.jpg

Chinese President Xi Jinping. Shutterstock/All rights reserved.

 

ما هي رؤية الحكومة الصينية ونخبتها حول القضايا الدولية لحقوق الإنسان؟ هل تروج النهضة الصينية لنمط مختلف من المشاركة العالمية لحقوق الإنسان؟ للإجابة عن هذه الأسئلة، من المفيد عرض الصين كقوة معيارية ناشئة في النظام الدولي. وفي حين أن مفهوم "قوة أوروبا المعيارية (NPE)" – الذي يحدد معايير المجتمع الدولي في أوروبا – قد تم الاعتراف به من قِبَل العلماء وصانعي القرار في المجتمع الدولي، فإن هناك مناقشات قليلة تدور حول كون القوى الناشئة قوى معيارية. وبصفةٍ خاصة، فإن "قوة الصين المعيارية" قد تبدو استفزازية ومثيرة للجدل. حيث تعتبر الصين هدفاً رئيسياً للانتقادات الدولية بسبب ممارساتها في مجال حقوق الإنسان، السياسة الخارجية البراغماتية والأنشطة المدفوعة بالطاقة في دول العالم النامية. وقد لا تعطي أياً من هذه الممارسات والسياسات الانطباع بأن الحكومة الصينية تهتم حقاً بالسياسات الخارجية المعيارية. بدلاً من ذلك، فإن القوى الغربية عادةً ما تحاول تعليم الصين كيفية التعامل. ولكن ما هي الطريقة التي يمكن للصين أن تقوم بها بدور القوى المعيارية؟

في السنوات الأخيرة، وافقت الصين بشكلٍ عام على عالمية حقوق الإنسان. فقد انضمت إلى 27 اتفاقية دولية لحقوق الإنسان، بما في ذلك اتفاقيات التمييز العنصري، التمييز ضد المرأة، التفرقة العنصرية، اللاجئين والإبادة الجماعية. كما أن الصين لم تعد الملتقى الدولي للانتقادات السلبية المتعلقة بحقوق الإنسان بل أصبحت تستخدم نفس المفاهيم تدريجياً لانتقاد الدول الغربية. فعلى مدى الثالثة عشر سنة الماضية، وعلى سبيل المثال، اجابت الصين على تقارير الحكومة الأمريكية بشأن ممارساتها في مجال حقوق الإنسان بإصدار تقريرها بشأن قضايا حقوق الإنسان في الولايات المتحدة حول عنف البنادق، العنصرية والاضطهاد الديني، زيادة فجوة دخل الفرد بين طبقات المجتمع وإساءة استخدام السلطة من قِبَل الأجهزة الأمنية. كما رفعت الصين أيضاً لواء قضايا حقوق الإنسان المتعلقة بالأقليات المسلمة والمهاجرين المسلمين في محادثاتها مع ألمانيا ودول أوروبية أخرى. وبالرغم من أن الانتقادات الصينية قد تبدو منافقة أو مثيرة للسخرية بالنسبة للبعض، لكنها تشير إلى بداية اتخاذ الصين للنظام الدولي للحقوق الإنسان على محمل الجد. حيث بدأت الصين في تقبل المفهوم العام لحقوق الإنسان العالمية من خلال استخدام نفس المعايير الدولية لانتقاد الغرب.

وتسعى الصين أيضاً إلى تعزيز جدول أعمالها الدولي الخاص بحقوق الإنسان بطرق أخرى. فعلى سبيل المثال، تعزز الصين من الحقوق الجماعية، السيادة على الحقوق الفردية والتدخل الدولي. وبينما تحولت الصين بعيداً عن الجدل الدائر حول "النسبية الثقافية"، فإنها لا تزال ترى أن حقوق الإنسان ينبغي متابعتها وفقاً لمستوى الدولة للتنمية السياسية والاقتصادية. بعبارة أخرى، فإن الصين ترى أن تعزيز حقوق الإنسان في بلد معين ينبغي أن يأخذ في الاعتبار الظروف العملية، وينبغي أن تتخذ الدول النامية أولويات مختلفة في مجال حقوق الإنسان. الأهم من ذلك، تمنح الصين أولوياتها للحقوق الاقتصادية، الثقافية والاجتماعية على حساب الحقوق المدنية والسياسية، وقد أظهرت ذلك من خلال التوقيع والتصديق على العهد الدولي للحقوق الاقتصادية، الثقافية والاجتماعية، وبالتوقيع أيضاً، وليس التصديق، على العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية.

وعكست الدبلوماسية الصينية الراهنة هذه الرؤى. ففي نقدها للولايات المتحدة، كثيراً ما تسلط الصين الضوء على قضايا حقوق الإنسان الاجتماعية والاقتصادية بدلا من الحقوق السياسية والقانونية. فانضمت الصين إلى روسيا في الاعتراض مراراً وتكراراً على قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بشأن سوريا، وفي حين أن هناك حسابات جيوسياسية واضحة وراء تلك الأصوات، فقد صرحت الصين أنه لا ينبغي أن يسقط التدخل الإنساني الأنظمة السياسية، وينبغي على العالم احترام سيادة سوريا ووحدة أراضيها. ويختلف مبدأ عدم التدخل الصيني عن المعايير الغربية المهيمنة للتدخل الإنساني الدولي. حيث يقال أنّ الصين لا تلتزم بمبدأ عدم التدخل بشكلٍ أعمى؛ فبالرغم من أشياء عدة، تعتبر الصين شريكاً كاملاً في النقاش بشأن تطوير "مسؤولية الأمم المتحدة عن الحماية" (R2P)، والذي يبرر التدخل عندما تقصر دولة ما في حماية مواطنيها. وبينما لم تعرقل بكين تطور "مسؤولية الأمم المتحدة عن الحماية" (R2P)، لكنها دفعت بمعايير صارمة لتبرير سيادة الاختراق.

يرتبط انخراط الصين مع النظام الدولي لحقوق الإنسان بمناقشات أوسع حول دورها في النظام العالمي. فكما تنمو قوة الصين الاقتصادية، تنمو معها ثقتها بنفسها. وفي أعين بعض النخب السياسية الصينية، فإن الأزمة المالية العالمية سارعت اتجاه تغيير القوى بين الصين والغرب. وهذا التغيير في ميزان القوة المادية من شأنه أن يغيِّر من مشهد النفوذ الدبلوماسي والنظام المعياري.

إن الثقة حديثة العهد للصين بنفسها لها وجهين من الآثار العكسية. من جهة، فإن الصين حديثة الثقة بنفسها تجرب تطبيق أسلوب دبلوماسي أكثر حزماً في القضايا الدولية لحقوق الإنسان. تتحدى الصين الحكمة التقليدية التي تقول أنّ المعايير الاجتماعية والقيم السياسية التي يفضلها الغرب هي الطريقة الوحيدة الممكنة لتحقيق الحداثة. وغالباً ما يركز القادة الصينيون على توصيف النموذج الصيني بأنه "الاشتراكية ذات الخصائص الصينية". قد لا تقوم الصين بتعزيز النموذج السياسي الخاص بها في الخارج، ولكن كما قال مارك ليونارد، الشريك المؤسس ومدير المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية: "حتى لو أن جمهورية الصين الشعبية لم تفعل شيئاً في العالم، فإن قوة المثال الصيني تقدم تحدياً كبيراً لمروجي الديمقراطية".

في نفس الوقت، وبعد أن أصبحت الصين أكثر قوة، فهي تعيد النظر في التزامها بعدم التدخل وقد تلعب دوراً أكبر في الشئون العالمية. فقد أدركت الصين أن دفاعها عن مبدأ عدم التدخل قد لا يكون دائماً في مصلحتها. فأحياناً، قد توجد أسباب عملية للتدخل في الشئون الداخلية لدول أخرى في بعض الأزمات الإنسانية. ففي ليبيا على سبيل المثال، لم تكن الصين ضد التدخل الذي قادته بعض الدول الغربية لسببين، الأول بعض الأسباب العملية، بما في ذلك الإجراءات الفورية لضمان سلامة أكثر من 35,000 عامل صيني والسبب الآخر هو حماية مصالحها الاقتصادية التي قد تهدد في ليبيا نتيجة لدعمها للجانب الخطأ. هذا وتدرس الصين استراتيجيات بديلة للتعامل مع الأزمات الإنسانية وانعدام الاستقرار السياسي في العالم النامي دون إجراء تغيير جذري في مبدأ عدم التدخل. حيث تبحث بعض النخب الصينية بفاعلية عن إطار جديد لمبدأ عدم التدخل. فعلى سبيل المثال، يقترح البروفيسور وانغ ييتشو بجامعة بكين، مفهوم "المشاركة الخلاقة"، والذي يشجع الصين على تطوير دبلوماسية أكثر استباقية، يمكنها أن تساهم أكثر ويكون لها تأثير أكبر في الشئون الدولية.

تشير كل هذه التطورات إلى انخراط الصين في النظام الدولي أكثر من أي وقت مضى، مع دفعها لأجندتها الخاصة. ومثلما فعلت على مدى عقود مضت، فسوف تعزز مبدأ "البحث عن أرضية مشتركة مع تنحية الخلافات جانبا" (كيوتونج سوناي) في دبلوماسيتها. وبالتالي، يمكن اعتبار الصين قوة معيارية ناشئة ذات أهداف محدودة.

 

 

EPlogo-ogr.png

Had enough of ‘alternative facts’? openDemocracy is different Join the conversation: get our weekly email

Comments

We encourage anyone to comment, please consult the oD commenting guidelines if you have any questions.
Audio available Bookmark Check Language Close Comments Download Facebook Link Email Newsletter Newsletter Play Print Share Twitter Youtube Search Instagram WhatsApp yourData