الشفقة على الشعب السوري، الذي لا تلوح في الأفق نهاية لمعاناته وهو محاصر بين دكتاتور وحشي وأعداد لا تحصى من الجماعات المتمردة؛ وبين مصالح القوى الخارجية العظمى والتدخل من قبل الدول المجاورة. الشفقة بحال مبدأ المسؤولية عن الحماية كذلك، فهذه الحالة المحزنة تُضعف حالته الواهية كمبدأ معترف به على نطاق واسع في مجال القانون الدولي. في هذه المقالة إني أناقش الهجوم المقترح من الولايات المتحدة وفرنسا لمعاقبة حكومة الأسد على استخدام الأسلحة الكيميائية بأنه لن يكون مشروعاً أو قانونياً، ولن يكون فعالاً، وليس من الممكن أن يساعد أياً من الشعب السوري أو مبدأ المسؤولية عن الحماية.
أولاً، أود أن أتعارض مع غاريث إيفانز: لا يوجد "إجماع عالمي حول المبادئ الأساسية" للمسؤولية عن الحماية، كما هو يؤكد. إن التصريح بأنه "لا توجد هناك دولة لا توافق على أن كل دولة تتحمل المسؤولية" عن حماية أبناء شعبها هي بعيدة عن الواقع. ربما تكون هذه الحالة بالنسبة للبلدان الديمقراطية، حيث من المفترض أن تقوم الحكومات بالاستجابة الى شعوبها، ولكن ليس واضح إطلاقاً أن كان ذلك ينطبق على البلدان الاستبدادية، حيث تدوس المبادئ الوطنية على حقوق الإنسان. في أمريكا اللاتينية، حيث عشنا خلال أنظمة الديكتاتورية متعددة، فإننا ندرك ذلك جيدا.
وللأسف، فإن الفكرة التي مفادها أن حقوق الإنسان ذات اسبقية للحفاظ على الدولة هي في الواقع ليست سائدة كما اصبحت في عقد التسعينات، وكما دعتنا الهيمنة الليبرالية إلى الاعتقاد. فعندما تواجه العديد من البلدان التمرد الداخلي والتهديد الحقيقي لسلامتها، فإن الكثير من تلك البلدان، أكثر بكثير مما نرغب بالاعتراف به، قد تكون جاهزة لاستخدام القوة ضد سكانها العُزل؛ ولاستخدام التعذيب، والقتل، وارتكاب العديد من الانتهاكات الجسيمة الاخرى لحقوق الإنسان. وبمجرد أن تلجأ البلدان إلى استخدام القوة، فإن الخط الفاصل بين القتل الجماعي وارتكاب الفظائع هو في الواقع خط رفيع جداً. ومن الواضح أن روسيا والصين، الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن، متعاطفون إلى حدٍ كبير مع نظام الأسد ضمن هذا المفهوم، وما أخشاه أنهم ليس هم الوحيدون في المنظومة الدولية. فالحكومة المكسيكية، على سبيل المثال، جنباً إلى جنب مع العديد من الدول الآخرين في أمريكيا اللاتينية، يعتنقون موقف عدم التدخل (محاصرين بين تقاليد الدفاع عن السيادة الوطنية والنشاط السياسي المكتسب حديثاً في مجال حقوق الإنسان والذي يرفض الماضي الاستبدادي).
ثانياً، وكما أشار كويسي آنينغ و فرانك أوكايرا، إن تطبيق مبدأ المسؤولية عن الحماية يصبح أكثر صعوبةً في حالة الحرب الأهلية الفوضوية، كما هي الحال في سوريا، حيث من الصعب برهان من الذي يقوم بارتكاب كلٍ من الجرائم. ففي سوريا، يبدو أن جميع الفصائل المتحاربة تقوم بارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، ومسموح فقط لعدد قليل من المراقبين المستقلين والصحفيين بالتواجد في البلد. والحقيقة أننا لا نعلم علم اليقين من هو الأكثر شراً، ولا يمكننا أن نقوم دائما بتحديد من الذي يقوم بارتكاب الجرائم. وفي هذا الصدد، فإن معاقبة أحد الفصائل المتحاربة فقط (الذي نحبه بشكلٍ أقل – وليس الآخر) يؤدي إلى التدخل في الحرب لمساعدة من نكره بشكلٍ أقل. وبعبارة أخرى، إن لم يتم تطبيق المبدأ بشكل منتظم وحيادي، فإن المسؤولية عن الحماية ستصبح ذريعة لمساعدة الحلفاء في تقويض الأعداء. وعلاوة على ذلك، فإن كان الفصيل الذي يتم عقابه هو الحكومة، كما حدث في ليبيا، فإن التدخل من الممكن أن يؤدي إلى تغيير النظام. وإذا ما تم تطبيقه بهذه الطريقة، فإن شرعية مبدأ المسؤولية عن الحماية حتماً ستتآكل، كما أكد الكتّاب الآخرين.
ثالثاً، كون الحالة في سوريا تتعلق بحرب أهلية فوضوية، فنحن لا ندخل فقط في حقل المسؤولية عن الحماية، بل أيضاً في قوانين الحرب وحظر استخدام الأسلحة الكيميائية. فلا بد من الاعتراف أن المفهوم الكامل للحرب لا يزال إلى حد ما مربك في العصر الحديث، حيث أنها تستند على الاعتقاد بأنه، في سياق الحرب، بعض أشكال القتل مقبولة أخلاقياً أكثر من غيرها. وقد كان هذا مفهوماً في عصر الفروسية وحتى الحرب العالمية الأولى، قبل تطوير الأسلحة الحديثة وحين شنت الحروب في ساحات قتال محددة، التي بصورة أو بأخرى كانت مختصة بالجنود. إن الدافع وراء حظر الأسلحة الكيميائية أو غيرها من أسلحة الدمار الشامل (WMD) هو أنها تقتل دون تمييز، ولا تفرق بين المدنيين والجنود، وينتمي هذا الدافع إلى مفهوم "المثالية" في الحروب. وعلى الرغم من ذلك، "ففي حقبة الحرب الكاملة" (كما أطلق عليها هوبسباوم)، وعندما شن العنف لا يتم من قبل الجيوش النظامية بل خلال عدد لا يحصى من الأشكال المختلفة من المقاتلين، وفي خضم المدن والقرى، فإن أثر استخدام أسلحة الدمار الشامل لا يختلف كثيراً عن ما يحدث في حالة استخدام الأسلحة الثقيلة في قصف المناطق الحضرية.
فلماذا يشكل استخدام الأسلحة الكيميائية ‘خطا أحمر’، بينما لا يشكل ذلك غيرها من جرائم الحرب المروعة (التعذيب، المجازر)؟ تبقى العديد من هذه الأسئلة دون إجابة من حيث المبدأ. اما من الناحية العملية، ففي مثل هذه الحالة، فإن الجواب هو أن الرئيس الأمريكي قد وضع هذا ‘الخط الأحمر’، والآن كون استخدام الأسلحة الكيميائية قد تأكد، فأصبحت مصداقيته على المحك. إن القرار بتوجيه ضربة إلى سوريا من الممكن أن يتم تبريره للمصلحة الوطنية للولايات المتحدة، وللحفاظ على مصداقية الولايات المتحدة في التزاماتها اتجاه حلفاؤها، خاصةً تركيا وإسرائيل، بيد أن تبريرها بناء على المسؤولية عن الحماية قد ينزلق الى ابعاد اقصى. إذا قد يتم توجيه ضربة عسكرية ضد سوريا، فمعظم الأشخاص سيرونها نتيجة للسياسات الواقعية الرجعية قديمة الطراز، بدلاً من أن يروها كتطبيق بطولي للمبادئ الأخلاقية للمسؤولية عن الحماية، مما سيضغف بشكل خطير دعم المسؤولية عن الحماية.
لهذه الأسباب الثلاثة، من الممكن الاستنتاج أن مبدأ المسؤولية عن الحماية لا يكاد يحظى بدعم واسع في المجتمع الدولي كما تأمّل البعض منّا أن يكون. ولهذا فإن شرعية التدخل العسكري في سوريا هي موضع تساؤل على نطاق واسع اليوم من قِبل العديد من الدول والبرلمانات (كما في المملكة المتحدة) والرأي العام (كما في الولايات المتحدة).
زيادة عن الشرعية والأخلاقية، هنالك مشكلة القانونية. فبدون قرار مجلس الأمن بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، فإن استخدام القوة غير قانوني، حتى في حالة فرض المسؤولية عن الحماية، أو لوقف الإبادة الجماعية، أو مهما كان السبب، فالغاية لا تبرر الوسيلة. حتى لو كانت مشروعة (كما هي الحالة في كوسوفو، غير أنها موضع شك في سوريا) فإن الهجوم على حكومة الأسد، بدون تفويض من مجلس الأمن الدولي سيكون غير قانوني، كما كان تدخل منظمة حلف شمال الأطلسي في كوسوفو غير قانوني. وكما أشار البروفيسور تشيمني بوضوح، إن تدخل غير مشروع واحد لا يجيز غيره. إن التناقض واضح للعيان: إن انتهاك أحد مبادئ القانون الدولي لا يمكن أن تتم المعاقبة عليه بانتهاك لمبدأ آخر من القانون الدولي. ومن الصعب أن نرى كيف يمكن لهذا النوع من التطبيق العملي أن يساعد على تقبل أوسع لمعايير المسؤولية عن الحماية، أو لاحترام أوسع لسيادة القانون في المجتمع الدولي. في كوسوفو، كانت الحالة شاذة: لقد كانت هناك محاولات فظيعة لارتكاب إبادة جماعية من قِبل دكتاتور لم يحبه أحد، ولم ينجح بذلك لأن تدخل منظمة حلف شمال الأطلسي منعه من ذلك وكان أصدقاءه الروس في حالة ضعف شديد. ولكن توزيع القوى قد تغير كثيراً منذ 1999، وبشار الأسد لديه العديد من الأصدقاء في أماكن قوية أكثر مما كان لدى لميلوسيفيتش.
وأخيراً، هناك المسألة العملية للغاية حول ما يمكن لهجوم عسكري، حتى لو كان مشروعاً وقانونياً، أن يحقق في الحالة السورية. كيف يمكن للضربات العسكرية أن توقف استخدام الأسلحة الكيميائية؟ إن التدخل المقترح له قيمة لمجرد العقاب، بيد أنه لن يحل أي مأساة تحدث حالياً. إن إحداث الفرق بالنسبة للضحايا سوف يتطلب التزاماً مكلفاً للغاية وطويل الأجل. ومع ذلك، فإن التدخلات السابقة في العراق وأفغانستان أظهرت على نحو واسع – أنها لم تتمكن من وقف المجازر لسنوات عديدة حتى مع وجود القوات في أرض الميدان.
لقد أشار العديد أن أي عمل عسكري سيخلق المزيد من الضحايا، والمزيد من ‘الأضرار الجانبية’. إن قصف بلغراد من على ارتفاع 000 10 قدم للدفاع عن الكوسوفيين لم تكن مسألة طاهرة – لو تذكرنا الضربات التي لحقت بالسفارة الصينية. وفي حالة سوريا، فإن تقويض الحكومة في دمشق قد يشجع المتطرفين الإسلاميين. إن القصف من على ارتفاع 000 10 قدم لن يوقف الحرب، أو المعاناة، أو المأساة. ومن الممكن إلى حد بعيد أن يزيدها سوءاً ويزيد من تدويل الصراع.
وبغض النظر عما إذا شُنت الهجمات لمعاقبة سوريا على استخدام الأسلحة الكيميائية، فإذا كان القلق الإنساني على الشعب السوري حقيقي، فإن الحكومات الغربية بإمكانها القيام بالكثير لحشد المجتمع الدولي للاهتمام بالكارثة الجلية للعيان للاجئين والأشخاص المشردين داخلياً التي قامت هذه المجزرة بخلقهم. سيكون ذلك مشروعاً على نطاق واسع، وبالتأكيد قانونياً، وسيوفر الحماية للملايين من المدنيين الأبرياء الذين هم في أمس الحاجة إليها.

Leia mais!
Receba o nosso e-mail semanal
Comentários
Aceitamos comentários, por favor consulte ás orientações para comentários de openDemocracy