
بعد عامين من حفل مشروع ليلى ما الذي حدث وهل من جديد؟
لازالت الدولة المصرية تسعى وبكل قوة لمحاربة جميع الأفكار التحررية وبشكل خاص جميع الأفكار الخاصة بوجود تنوع جندري يحمل في طيه إختلاف في الميول والتوجه الجنسي.

يأتي الـ 22 من سبتمبر من كل عام ليذكرنا بواقعة رفع علم الفخر في حفل مشروع ليلى الذي أقيم في أحد أهم المراكز التجارية بالتجمع الخامس بالقاهرة عام ٢٠١٧. شكلت تلك الواقعة صدمة شديدة للمجتمع المصري وأدّت الى رد فعل عنيف تجاه المنتمين إلى مجتمع الميم بشكل عام وكل من شارك في رفع علم الفخر.وقد تم القبض على 76 شخصاً، يعرفون أنفسهم بمثليي الجنس، أو من يظن أنهم كذلك، إضافة إلى عدد من النشطاء الداعمين للقضية.
العنف الدولتي الممارس تجاه مجتمع الميم المصري له وجهان. : الأول له علاقة بكيفية تعامل الدولة مع النشطاء السياسيين الذين ارتبطت أسماؤهم بحركات وأحزاب سياسية وذلك على أساس انهم اعضاء جماعات إرهابية ويتم استجوابهم ومحاكمتهم بنيابة أمن الدولة العليا.
هنا تبرز قضيتا أحمد علاء، "مدون"، وسارة حجازي وهي عضو حزب العيش والحرية تحت التأسيس كونها قامت بنشر صورة لها ملوحة بعلم الفخر خلال حفل مشروع ليلى وإعلانها من خلال الصورة انتمائها إلى مجتمع الميم. وقد وجهت لهما تهم "الانضمام إلى جماعة أسست على خلاف أحكام القانون الغرض منها تعطيل أحكام الدستور والقانون، والترويج لأفكار ومعتقدات تلك الجماعة والكتابة، والتحريض على الفسق والفجور في مكان عام، ورفع علم "رينبو" في حفل مشروع ليلى" وبقي الاثنان قيد الاحتجاز لمدة تسعين يوما إلى أن تم إخلاء سبيلهما مما اضطرهما للسفر خارج مصر مباشرة بعد خروجهما خوفا من مصيرهما بعد ذلك .
اما الوجه الثاني، فهو ممارسة السلطات المصرية للعنف الدولتي تجاه العامة (الغير منتمين إلى أي كيان سياسي او حزبي) من المثليين. فالدولة لا تزال مستمرة في حملتها الامنية الممنهجة والمسعورة تجاه المثليين/ات في جميع محافظات مصر.
Help us uncover the truth about Covid-19
The Covid-19 public inquiry is a historic chance to find out what really happened.
نستطيع أن نلحظ زيادة مرعبة في وتيرة القبض والقضايا الملفقة لأعضاء مجتمع الميم. فتشير الاحصائيات الى ان معدلات القبض قد تضاعفت بمقدار خمس مرات مقارنة بين عدد المقبوض عليهم في الفترة بين 2000-2012 مقارنة مع الفترة الممتدة ما بين بداية 2013 حتى يومنا هذا. فالدولة المصرية استطاعت ان ترفع العدد من أربعة عشر شخص في العام لتصل إلى القبض على ما يقارب الستة وثمانين شخص في العام الواحد. تلك الأرقام تشير لنا بشكل واضح عن طفرة واضحة في اعتياد الدولة وتوجهها في القبض على المثليين بشكل خاص ، كل تلك الارقام هي فقط مؤشرات وليست ارقام نهائية فنتيجة للقبضة الامنية لا تستطيع المؤسسات المهتمة بهذا النوع من القضايا مباشرة عملها او الوصول للارقام الحقيقية للمقبوض عليهم من المثليين/ات .
الكنيسة والأزهر: تحريض وخوف
هناك جهات اخرى كان لها دور مركزي في تعظيم قرارات الدولة ، ونشر أفكار خاطئة وزيادة الغضب المجتمعي تجاه تلك القضية .
الكنيسة المصرية للاسف كانت لها يد البداية والدور الأهم في ذلك. فقد أعلنت الكنيسة رفضها لتلك الممارسات بكل أشكالها وانها تدعو الشعب المسيحي الارثوذكسي لتوخي الحذر من تلك الممارسات المثليية وعلى ضرورة الاقتراب من اولادنا ومحاولة إكتشاف تلك السلوكيات في أعمار مبكرة حتى نستطيع أن نقضي عليها منذ البداية.
كان رد الفعل الأهم للكنيسة هو تنظيم مؤتمر تعليمي بعنوان "بركان الشذوذ الجنسي " على ان يحاضر خلال هذا المؤتمر الدكتورأوسم وصفي وهو طبيب مسيحي إشتهر بادعائه بأنه يعالج المثليين، فما كان من الكنيسة الا ان تقوم بتنظيم هذا النوع من الأحداث خوفاً من تفشي الظاهرة بين صفوفها ، كما عقب البابا تواضروس على حادث مشروع ليلى في الاجتماع الأسبوعي له مصرحاً "إن البشرية منذ آدم وحواء تعرف شكلاً واحدًا للعلاقات الزوجية". ثم أضاف، "تخيلوا العالم بعد جيل أو اثنين أو ثلاثة بهذا الشكل من الزواج فكيف يكون العالم وقتها؟!"
قامت الكنيسة بالفعل باكثر من دورة توعوية عن أضرار المثلية وأصبح هناك كهنة متخصصين في علاج المثلية واستقبال تلك الحالات في كنائس بعينها وإنشاء برامج تدريب مدربين لمساعدة الكهنة في تلك الطرق العلاجية. اما الأزهر فلم يخرج منه اي بيان رسمي الا ان التصريح الوحيد كان من عباس شومان وكيل الأزهر الشريف عبر حسابه على فايسبوك الذي أعلن أن “ما حدث من تنظيم الشواذ لحفل ماجن ورفع رايتهم التي تعلن عن الشذوذ بكل وضوح في مصر الأزهر عار يجب ألا يمر مرور الكرام، فهو اعتداء على الشرائع السماوية والأعراف الإنسانية السوية ،ويجب أن يحاسب جميع من شارك فيه ومن سمح به" .
الإعلام ومجلس الشعب: سباق على معاقبة المثليين
قام الاعلام المصري بالتحريض بأعنف الطرق الممكنة لتعقب المثليين والتنكيل بهم، وصولا للترويج لخطاب كراهية وتمييز. ولكن الجديد انه مع كل وصم كانوا يراجعوا أنفسهم ليصححوا ان اسمهم "مثليين" ولا يصح استخدام كلمة "شواذ".
بشكل عام لعب الإعلام المصري دورا كبيرا جدا في الحث على استمرار الموجة الامنية الشرسة تجاه المثليين وحث الدولة على القبض عليهم، حيث قاموا بنشر أخبار تتضمن الأماكن التي يتردد اليها المثليين ونشروا أخبار عن قيام جامعات بفصل الطلبة إذا أثبت حضورهم لحفل مشروع ليلى. لم ينتهي الدور الإعلامي عند هذا الحد فبدأت البرامج في نشر مقاطع تستضيف خلالها المثليين على الشاشة وتوجه لهم الإنتقادات وتوزع التهم وكانت كل البرامج التي تستضيفهم تتعامل معهم على انهم إما مجرمين او مرضى. كما ساهم الاعلام في نشر ثقافة العلاج "التحويلي" وهي احد الطرق العلاجية التي تنتشر في الولايات المتحدة وتدعي انها تستطيع تغيير الميول الجنسية للمثليين وقد منعت منظمة الصحة العالمية تطبيقها او استخدامها في اوائل التسعينيات .
أما بالنسبة للجهات السيادية فلم تتوان أيضا في إضافة ما يلزم من عقاب للمثليين علي محاولتهم التعبير عن أنفسهم وعن وجودهم في بلد كمصر. فمجلس الشعب ونوابه لم يتركوا الوقت يمر لكي تتوالى طلبات الاحاطة بكل من هو مسؤول عن تلك الحفلة و استقطاب هذا الفريق ليغني في مصر ويؤثر سلبا على سلوكيات شبابها. وقد شهد البرلمان في السنين الماضية عدد من الاقتراحات من النواب بتعديل قانون العقوبات بهدف تغليظ العقوبات على التهم الخاصة بـ ممارسة الفجور ونشر مواد تحث عليه والتي تستهدف بشكل رئيسي أعضاء مجتمع الميم المصري والتي يتم محاكمتهم بموجبها.
في بداية عام 2017 ظهرت فكرة مشروع قانون مقدم من النائبة منى رزق وعشر أعضاء من المجلس بتعديل بعض أحكام قانون العقوبات إلى لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية ، إلا أن الفكرة لم يتم تنفيذها وصولا إلى الدورة الأخيرة من مجلس الشعب وقيام النائب هشام والي مؤمن بتقديم مسودة لمشروع قانون جديد، ومعة٦٠ نائبا آخرين، بشأن مكافحة أعمال الفسق والفجور وممارسة الرذيلة، إلى لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية ، كل تلك المحاولات من أعضاء مجلس الشعب والتي إذا تم تنفيذها في اي لحظة من شأنها التسبب في كارثة حقيقية لمجتمع الميم المصري خاصة انها ستتسبب فيتضاعف العقوبات والقضايا بحقهم.
القضاء: عرقلة وتضييق
على الرغم من أن القانون المصري لا يحتوي على مواد تمنع او تحظر الممارسات الجنسية المثلية او العبور الجنسي إلا أن الدولة والقضاء برعوا في اختلاق التهم لحبس أفراد من مجتمع الميم لمدد تبدأ من ثلاث شهور وتصل الى ست سنوات وذلك بحرمانهم من حقوقهم في قضاء منصف وعادل. وبحسب بعض المحامين فإن العنف الممارس وصل إلى حد أن الدولة تصعب دورهم أوتمنعهم من القيام به وصولا الى عدم قدرتهم على ممارسة عملهم أو الحصول على حقوقهم في الاطلاع على أوراق أو إجراء حديث مع المقبوض عليهم.
"معظم الحالات التى ترد الينا لا يكون لنا معها علاقة سابقة ومن ثم لا يكون لدينا صفة او توكيل من المتهم وبالتالي عند السؤال عنه بقسم الشرطة يتم رفض اعطائنا اي معلومة عن المتهم بحجة عدم وجود صفة او علاقة لنا به" يفسّر المحامي علاء فاروق من المبادرة المصرية للحقوق الشخصية والمسؤول عن ملف الحريات المدنية، فهكذا.
أما المحامية هدى نصر الله من المبادرة المصرية للحقوق الشخصية فتتحدث عن تجربتها في الدفاع عن "سارة حجازي" بعدما تم القبض عليها في أعقاب حادث رفع علم الفخر في حفل مشروع ليلى:
"في بداية التحقيق مع سارة وعند إثبات حضوري بتقديم كارنيه النقابة، ظنّ وكيل نيابة أمن الدولة أنني ابنة طبيب شهير لتشابه الأسماء فاستغرب حضوري في قضية رفع علم الرينبو، وعند تعليقي على أحد الأسئلة، قال لي "اصل انت على نيتك مش عارفة دول بيعملوا إيه""
ثم تضيف، "بعد إزالة اللبس عنده وإنني لست ابنة الطبيب الشهير، بل محامية تدافع عن المثليين بدأ التعامل معي بأسلوب آخر، يتسم بالتشدد ولا توجد فرصة متاحة للانفراد بالمتهمة. كانت المتهمة في مواجهته ، وظهرها موجه لنا، عند محاولتها النظر إلينا حتى تطمئن، كان يغضب ويطالبها بعدم النظر الينا، وكأننا نوجهها فى الرد على الاتهامات."
كانت النيابة قد وجهت تهم بالانضمام إلى جماعة أسست على خلاف أحكام القانون الغرض منها تعطيل أحكام الدستور والقانون، والترويج لأفكار الجماعة، وهي التحريض على الفسق والفجور في مكان عام، والتواصل مع منظمات حقوقية خارجية لدعم حقوق المثليين جنسيا، "وفي نهاية التحقيق عند الإدلاء بطلبات ودفاع المحامين، سألت لماذا هذه الاتهامات فما هي الجماعة؟ ولكن لم أجد إجابة" .
"هناك سؤال دائم من موظفي المحكمة والنيابة وأفراد الشرطة عن سبب العمل مع المثليين ودعمهم" يضيف الأستاذ علاء فاروق. يتعرض المحامين المهتمين بتلك القضايا لمضايقات شخصية ايضا في اثناء زيارتهم الى القسم لتقديم المساعدة او اثناء حضورهم للجلسات في نيابة أمن الدولة والمحكمة. الأجواء المحيطة حتى من زملاء العمل صعبة وهذا يصبح واضحا من كلام الأستاذة هدى نصر الله: "امناء الشرطة دائما ما يسألوني لماذا احضر مع كل قضايا سيئوا السمعة وكثير من الزملاء المحامين نصحوني بأن اتوقف عن العمل بتلك القضايا حتى احافظ على ما تبقى من تاريخي وكفاني تلويث لاسم الثورة وكل من ينتمي لها". كثيرا ما يواجه المحامين الحقوقيبن العاملين بهذا الملف مضايقات من الاهالي نتيجة لتسريب أخبار انهم صحفيين ويريدون التشهير بالمقبوض عليهم، ويحدث ذلك عن طريق تسريب اخبار بذلك للأهالي لمنعهم من التعامل مع هؤلاء المحامين.
كل تلك التعديات والتضييقات ليست الا جزء بسيط مما يتعرض له أعضاء مجتمع الميم فحتى حقهم في أن ينالوا محاكمات عادلة مسلوب نتيجة لتعنت الدولة ضدهم. عادة ما ترجئ المحاكم المصرية الحكم لعدد لا حصر له من الجلسات الا ان الاحكام في قضايا مجتمع الميم خاصة إذا كان المتهم غير مشهور إعلاميا أو ملقى عليه الضوء تكون أحكام فورية. فقد رصدت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية عدد من الأحكام التي تحصل عليها أشخاص مقبوض عليهم نتيجة لميولهم الجنسية خلال أقل من أسبوع من يوم القبض عليهم.
وهنا تجدر الاشارة الى أن دور المجتمع المدني المصري كان مهم جدا في الضغط الدولي الذي خلقه للحد من القبضات التي تضاعفت في أيام قليلة أعقبت الحفل إلا أن هذا لا يمنع ان الحملة الامنية مستمرة منذ 2013 حتى يومنا هذا وهي تتصاعد في بعض الأحيان وتهبط في الأخرى، كما أن شكل الاحكام ايضا مرتبط بما إذا كان المتهم ملقى عليه الضوء أم لا. فأن تكون من المثليين/ات أو منتمي إلى مجتمع الميم في مصر يجعلك تعيش حياة غير آمنة أو مستقرة على جميع الاصعدة.
في النهاية كباحث متخصص في هذا الملف يمكنني أن أرى أيضا مكاسب قد عادت على أعضاء مجتمع الميم المصري بناءاً على ما حدث في حفل مشروع ليلى. الحادث سبب صدمة إيجابية في المجتمع المصري جعله يطرح لنا أسئلة شرعية حول ماهية هذا المجتمع وكيف يتعامل العالم مع تلك المجموعات سواءاً كانت ردة الفعل سلبية او ايجابية الا انها ازاحت الكثير من الحواجز.
لقراءة المزيد
تلقَّ بريدنا الأسبوعي
تعليقات
نشجّع أي شخص على التعليق. الرجاء الرجوع إلى openDemocracy تعليمات أسلوب التعليق الخاص ب ن كان لديك أسئلة