
عزة سليمان. الصورة لرينيه كليمانغالبًا ما يقال، وبهدف التّعبير عن مدى تسلّط الدّولة المصريّة، أنّه "حتّى" النّسويّات والمنظّمات النّسوية مستهدفة، وذلك لأنّ النّسويّة وقضايا النّساء لا تعتبر جزءًا ممّا يراه النّظام الاستبداديّ كخطر عليه. لا يمكننا إلّا مساءلة ذلك الافتراض عند تأمّلنا وضع المدافعات عن حقوق الإنسان في مصر.
في ١٩ تشرين الثّاني ٢٠١٦، أعلمت عزّة سليمان، وهي حقوقيّة نسويّة، مدافعة عن حقوق الإنسان، ورئيسة مجلس الأمناء لمركز قضايا المرأة المصريّة، بأنّها ممنوعة من السّفر بناءً على أمر قضائي كان قد أصدر في ١٧ تشرين الثّاني ٢٠١٦ وهي في طريقها للمشاركة في ورشة تدريب حركة "مساواة" لحقوق النّساء في الإسلام في الأردن. بعد ذلك بيوم، اكتشفت عزّة أنه تم التحفظ على أموالها وممتلكاتها ومكتب المحاماة الخاص بها.
لقد عملت عزّة سليمان ومركز قضايا المرأة المصريّة على مدى عامين عملًا دؤوبًا من أجل حقوق النّساء.
يفترض أنّ هذه الإجراءات متّصلة مباشرةً مع القضيّة رقم ١٧٣ عام ٢٠١١ في تحقيقات محكمة جنايات القاهرة، والّتي عرفت "كقضيّة التّمويل الأجنبيّ للمنظّمات غير الحكوميّة"، على الرّغم من أنّه لم يقدّم أيّ اتّهام ضدّ سليمان أو أيّ من أعضاء مركز قضايا المرأة المصريّة، كما لم تقدّم دعوى للتّحقيق معهنّ. لقد ولّدت مضايقة عزّة المتصاعدة العديد من ردود الفعل الغاضبة والمتفاجئة. ولكن "ما الّذي ارتكبته عزّة؟" هذا سؤالٌ أودّ الإجابة عليه حقًّا.
لقد عملت عزّة سليمان ومركز قضايا المرأة المصريّة على مدى عامين عملًا دؤوبًا من أجل حقوق النّساء، وخاصّةً على إتاحة القضاء لهنّ. يناهضن العنف ضدّ النّساء وتحديدًا في المجال الخاصّ. وقد عملن على قضايا حسّاسة للغاية كالاغتصاب الزّوجيّ، وتعديل قانون الأحوال الشّخصيّة وحقّ النساء في الطّلاق، إلخ. على الرّغم من وجود العديد من المنظّمات النّسويّة ومنظّمات حقوق النّساء في مصر، يمثّل مركز قضايا المرأة المصريّة مثالًا فريدًا من نوعه. فقد اتّخذن القرار الصّعب بالعمل والحشد على المستوى الشّعبي في حيّ شعبي في القاهرة – بولاق الدّكرور– على الرّغم من جميع التّحدّيات النّاجمة عن ذلك.
قلّة من المنظّمات النّسويّة قد تمكّنت من تحقيق التّوازن الّذي حقّقه مركز قضايا المرأة المصريّة، بين توفيره الخدمات للنّساء وحفاظه على خطاب نسويّ قوي لا يساوم على وكالتهنّ. لقد عاون مركز قضايا المرأة المصريّة الآلاف من النّساء ووفّر لهنّ الدعم القضائي كما أنقذهنّ من أزواج أو عائلات أو أقارب معتدين. قمع مركز قضايا المرأة المصريّة وعزّة سليمان يعني سحب مصدر دعم وحماية من آلاف النّساء في مصر.
إنّ ردود الفعل المرعوبة والّتي تسأل "عمّا ارتكبته عزّة؟" لكي تعتبر خطرًا لهم تصرّ على رؤية النّسويّة كنشاط خفيف القدر ولا-سياسيّ، الامر الّذي يتجاهل كلّ ما علّمنا التّاريخ عن الطّرق الّتي تسائل بها النّسويّة هياكل السّلطة.
لكن ليس هذا هو السّبب الوحيد لاعتبار عزّة سليمان مثالًا فريدًا ونادرًا في الحراك النّسويّ المصريّ. لقد راقبت بانبهار على مرّ السّنين مقدرة عزّة على تطوير خطابها النّسويّ وانفتاحها للأجيال والأفكار الجديدة داخل الحراك. عندما بدأت بمشروع نظرة للدّراسات النّسويّة مع مجموعة نسويّات شابّات وآملات، كانت عزّة موجودة دائما لدعمنا، وكان وجود نسويّات مثلها بجانبنا هو ما حوّل آمالنا إلى واقع ومنحنا القوّة على الاستمرار. ولم تتوقّف للحظة عن إظهار دعمها لنا خلال الفترات الصّعبة الّتي واجهتها نظرة عند استهداف الدولة لها؛ إنّ وجودها هو درس يوميّ في التّضامن النسّويّ.
وهذا ليس إلّا جزءًا ممّا "ارتكبته" عزّة سليمان للنّساء، ولأجلنا، النّسويّات من الجيل الأصغر. لقد كان النّشاط النّسويّ وحده سببًا كافٍ لاستهداف الدّولة لها. إنّ ردود الفعل المرعوبة والّتي تسأل "عمّا ارتكبته عزّة؟" لكي تعتبر خطرًا لهم تصرّ على رؤية النّسويّة كنشاط خفيف القدر ولا-سياسيّ، الامر الّذي يتجاهل كلّ ما علّمنا التّاريخ عن الطّرق الّتي تسائل بها النّسويّة هياكل السّلطة.
أسئلة الزّواج والطّلاق، والحقوق المتساوية للميراث، والعنف العائليّ والاغتصاب الزّوجيّ، هي أسئلة صعبة، والنّسويّة لا تشكّل ذلك الخيار الآمن الّذي قد تلجأ إليه النّاشطة. على العكس، بما أنّ هذه الأسئلة تزعزع الّذكوريّة، وتزلزل "السّلطة" بعمق، في شكلها المتفرّق في المجتمع كما في شكلها الأكثر هيكليّةً في الدّولة. إنّ النّسويّة، ولطالما اعتبرناها نحن كذلك، هي بنفسها مسألة سياسيّة، لأنّ الاستبداد هو بنيةً مولَّدَة ومُجَنْدَرَة بحذّ ذاتها، لا بنيةً حياديّة، كما أنّ الدّولة الاستبداديّة غالبًا ما تكون دولةً ذكوريّة أيضًا.
تستهدف عزّة سليمان في سياق تواجه فيه الحركة النّسويّة ككلّ القمع. إنّ استهداف مركز النّديم لتأهيل ضحايا العنف والتّعذيب، والّذي وفّر رعاية طبّيّة ونفسيّة لضحايا العنف ضدّ النّساء من خلال برنامجه للنّساء على مرّ السّنين، كما استدعاء نظرة للمثول أمام القضاء واستهدافه المستمرّ هي بعض الأمثلة على ذلك. على الرّغم من جميع مساعيها لعدم أخذ النّسويّة على محمل الجدّ، يبدو أنّ الدّولة تعتبرها بجدّيّة "قصوى" كخطر وجوديّ، لدرجة اضطرارها لمنع النّسويّات من السّفر والتحفظ على أموالهن وممتلكاتهنّ.
يبدو أنّنا كنسويّات سنبقى جميعنا محصورات في مفارقة بين استهدافنا لأنّنا نبدو "خطيرات للغاية" من جهة وبين الاستخفاف بنا وعدم أخدنا على محمل الجدّيّة بما فيه الكفاية لأنّنا نساء، من جهة أخرى. ومن الظّاهر أيضًا أنّنا سنكون دائمًا محصورات ما بين العدائيّة المجتمعيّة نحو الخطابات النّسويّة وبين استهداف الدّولة، والّذي يشدّد أكثر على التّنميط الاجتماعيّ للنّسويّات بدلا من خلق نقاش محتمعيّ حقيقيّ حول القضايا الّتي تطرحنها. في الواقع، إنّ استهداف الدّولة لنا يعزز أكثر الفكرة الّتي تودّ وتستسهل العديد من المنظّمات المجتمعيّة الاعتقاد بها: أنّنا نساء سيّئات.
بغضّ النّظر من أنّنا نعيش في زمنٍ عصيب كمنظّمات نسويّة، وأنّ المخاطر الحاليّة الّتي نواجهها كمدافعات عن حقوق الإنسان، فعزة سليمان هي من علّمتنا النّضال والمقاومة. من أجل عزّة ومعها، سنستمرّ دون استسلام بالنّضال من أجل حقوق الإنسان للنّساء.
لقراءة المزيد
تلقَّ بريدنا الأسبوعي
تعليقات
نشجّع أي شخص على التعليق. الرجاء الرجوع إلى openDemocracy تعليمات أسلوب التعليق الخاص ب ن كان لديك أسئلة