Home

متفرّجة مصرية في تركيا

إذا كنّا نحبّ الديمقراطية، يجب أن نتمنّاها للجميع بغضّ النظر عن عقائدهم. يجب أن نقف في وجه الطغاة، سواء كانوا يرتدون بذّات عسكرية أو كانوا إسلاميين أو مستبدّين مدنيين. English

Farah Hallaba
10.08.2016

محمد زعتري/أسوسييتد برس/برس أسوسييشن إميجز. جميع الحقوق محفوظة

محمد زعتري/أسوسييتد برس/برس أسوسييشن إميجز. جميع الحقوق محفوظةفي ليلة 15 يوليو التاريخية، وبينما كنت جالسة على بُعد مئات الأميال من إسطنبول، كاد قلبي يتوقف عندما صرخ والدي: "الدبابات تعيق الجسر. إنها محاولة انقلاب!"

أشعلت التلفاز لأرى ما يحصل وكان الجميع في حيرة، ينتظرون بترقّب الآتي. ولكنني كنت أقرأ ما بين سطور عناوين الأخبار التي كانت تمرّ على التلفاز. رأيت الشوارع والساحات التي أقطعها والمحلات التي أدخل إليها بانتظام كما وقع نظري على وجوه ألِفتها.

كوني طالبة مصرية في إسطنبول منذ سنتين، أعتبر تركيا مكاناً مميّزاً وأهتمّ، كَسائر الطلاب الأجانب والمهاجرين الذين التقيت بهم هناك، لاستقرارها.

تتبّعت بفارغ الصبر الأحداث على مدى ستّ ساعات عندما حصل الانقلاب وفشل، فتارةً كنت أشاهد التلفاز وطوراً أتابع تويتر وفايسبوك. تواصلت مع أصدقاء كانوا قد هرعوا إلى الشوارع للاعتصام أو علقوا في المنازل بسبب حظر التجوال العسكري. وكان المشهد الأخير لانسحاب الدبابات وفشل الانقلاب مبهجاً. وقد فرح جميع الأشخاص الذين أعرفهم - باستثناء مَن يتابع بروباغندا الإعلام المصري - وشعروا بالاطمئنان.

أعيش في منطقة تُعتبر علمانية ويحكمها حزب المعارضة الرئيسي وهو حزب الشعب الجمهوري وقد أُعجبت بالمفهوم المهيمن هناك والذي يفيد بأنّ "الديمقراطية الناقصة أفضل من الانقلاب". في تلك الليلة، شهدت تركيا تضامناً غير مسبوق على الرغم من أنّني لاحظت منذ انتقالي إلى تركيا مدى انقسام المجتمع وصعوبة توصّل أبنائه إلى اتفاق.

ولكنّ النهاية السعيدة موجودة فقط في القصص. فهذه ليست سوى البداية. في اليوم التالي للانقلاب، امتلأت صفحات مواقع التواصل الاجتماعي والإعلام الرئيسي بالتعليقات والتحليلات والآراء والتوقعات.

ولكنّ ردود فعل الشعب العربي هي أكثر ما أثار استيائي. لم تكَد تمضي 24 ساعة حتى زعم كثيرون أنّ الانقلاب كان مخطّطاً وتشارك فتح الله غولن الذي اتهمته الدولة بتنظيم الانقلاب هذا الرأي. ولكنّ العديد من العرب، خصوصاً الذين يدعمون مؤيدي إردوغان من الأتراك، رفضوا هذا التحليل إذ يرون الرئيس كبطل محبوب من الجميع.

لا تسيئوا فهمي، فليس كلّ مَن لا يوافق أنّ الانقلاب كان مخطّطاً يحبّ إردوغان. فأنا لست من محبّيه مثلاً بسبب الخروقات التي ترتكبها حكومته في العمليات الديمقراطية. مع ذلك لا أعتقد أنّ الانقلاب كان مخطّطاً. ولكنّ العرب الذين كانوا يحتفلون بفشل الانقلاب كانوا أيضاً يهتفون للديمقراطية. حتى الآن، نحن متّفقون. فالجميع يعلم كيف تنتهي الانقلابات بمجرّد النظر إلى نموذج مصر بعد عام 2013.

ولكنّ ما أزعجني هو أنّ عدداً كبيراً من العرب الذين يعيشون في إسطنبول حالياً أثنوا على وحدة الأتراك وحبّهم لبلادهم وانتقدوا غياب هذه القيم في مصر وأهانوا المصريين لأنّهم "لا يحبّون الديمقراطية". المنتقدون لم يكونوا من المصريين فقط وإنما أيضاً من العراقيين والسوريين والفلسطينيين.

أزعجني هذا الخبث والنفاق كما زاد من غضبي صمت هؤلاء على الأفعال الماضية وغير المسبوقة للحكومة التركية أو التبرير لها لاعتقال آلاف العسكريين وموظفي الحكومة والمعلّمين ولإغلاق 15 جامعة وآلاف المدارس. صمت "حرّاس الديمقراطية" ولكنّهم استفاقوا للاحتفال بعد فشل "الانقلاب".

لمَ يغفل الناس النظر عن المخاطر المحدقة بالديمقراطية إلّا عندما تتهدّد الحزب الذي يدعمونه أو ينتمون إليه؟

إذا اتّفقنا أنّ الانقلاب لم يكُن مخطّطاً، كيف يعقل أنّه في أقلّ من يوم ظهرت لائحة تضمّ آلاف الأشخاص المنشقين؟ يقولون السبب هو "الاستخبارات القوية". في هذه الحال، لمَ فشلت "الاستخبارات القوية" في توقّع الانقلاب، إذا كان صحيحاً الذي يزعمونه بأنّ 50 ألف تركي كان متورّطاً في العملية؟

أتفهّم دعمهم لإردوغان من منطلق أنّ الانقلاب لا يفيد أحداً. فالعديد من مؤيدي إردوغان قدّموا لجوءاً إلى تركيا واستقرّوا هناك أو يفتقدون إلى منزل آمن آخر يعودون إليه. هم الأشخاص نفسهم الذين أقلقتهم الانتخابات البرلمانية وتأمّلوا أن يربح حزب العدالة والتنمية. وكانت مخاوفهم في مكانها لأنّ المعارضة بأغلبية أعضائها لا تبدو من هواة المهاجرين.

لم تكُن هذه المرة الأولى التي برّر فيها العرب أفعال إردوغان. فمنذ وقت وجيز، اعتبروا الصفقة الإسرائيلية-التركية لمصلحتهم لأنّ إردوغان يتفاصح عندما يتحدّث عن غزة. ولكنهم لا يلاحظون أنّه لا يذكر أبداً الاعتداءات والخروقات في الضفة الغربية المحتلة.

باختصار، لا أشكّ بحبّ الشعب لتركيا وغيرته عليها لأنني من العرب الذين يعيشون هناك ويشعرون بأنّ الأحداث التي تدور في تركيا تعنيهم. فهي بيتنا الثاني ونحن متعلّقون بها. وقد أصاب مَن قال، بتصرّف: "يوم سيء في إسطنبول أفضل من يوم جيّد في أي مكان آخر".

ولذلك، وبغضّ النظر عن عقائدنا، أجمعنا على البقاء في إسطنبول بعد نجاتنا من ستة انفجارات على الأقلّ ومن أزمة اللاجئين والانتخابات ومشاكل الأكراد والدولة الإسلامية وأخيراً الانقلاب.

إذا كنّا نحبّ الديمقراطية، يجب أن نتمنّاها للجميع بغضّ النظر عن عقائدهم. يجب أن نقف في وجه الطغاة، سواء كانوا يرتدون بذّات عسكرية أو كانوا إسلاميين أو مستبدّين مدنيين. إذا كانت الديمقراطية كفيلة بإنقاذ قائد إسلامي هذه المرّة، فالدفاع عن الديمقراطية يجب ألّا يُعتبر مناهضاً للإسلام فقط لأنّه يعارض شخصاً أو حزباً لديه توجّه إسلامي.

وأودّ أن أنهي المقال بتغريدة نرفانا محمود:

"عزيزتي تركيا، الانقلاب جريمة سياسية وليس جريمة دينية. ولكنّ الظلم والانتقام والتعدّي على الأقليات هي جرائم سياسية ودينية في آن".

Had enough of ‘alternative facts’? openDemocracy is different Join the conversation: get our weekly email

تعليقات

نشجّع أي شخص على التعليق. الرجاء الرجوع إلى openDemocracy تعليمات أسلوب التعليق الخاص ب ن كان لديك أسئلة
Audio available Bookmark Check Language Close Comments Download Facebook Link Email Newsletter Newsletter Play Print Share Twitter Youtube Search Instagram WhatsApp yourData