
"Our demands are unchanged: justice and freedom" and "A martyr's mother bellows: my children and I have no rights". Demotix/Maggie Osama. All rights reserved.
لطالما شكّلت التساؤلات عن عالمية حقوق الإنسان وخصوصيتها الثقافية تحدياً بالنسبة إليّ، كوني من أشدّ المدافعين عن الديمقراطية وحقوق الإنسان. وقد دفعتني مشاعري المقاومة للإمبريالية إلى المضي قُدُماً في مسعاي.
غالباً ما كانت الديمقراطية وحقوق الإنسان تُعتبر الحلّ الغربي لمشاكل دول العالم الثالث، والتي في غيابها، تفشل هذه الدول في التطوّر. ولكن، في السنين الماضية، شُنّت حروب بإسم الديمقراطية ونجمت عنها عذابات متزايدة وانتهاكات لحقوق الإنسان، ويُعتبر العراق المثل الأبرز في هذا المجال.
;خطير أن نعتبر عاملاً واحداً الحلّ الوحيد المطلق والمحقّ لأي مسألة، بغضّ النظر عمّا إذا كان هذا الحلّ مجسّداً بالإيمان أو الإيديولوجيا أو النظام السياسي. ببساطة، يتحوّل عندها الحلّ إلى يقين متعجرف يؤدي إلى التطرّف، ما يبرّر تجريد الأشخاص الذين لا يتبنّون الأفكار نفسها من إنسانيتهم. وينطبق هذا الأمر على الديمقراطيات التي تسعى جاهدة إلى إرساء قيم "ديمقراطية" عالمياً أيضاً.
هل تختلف حقوق الإنسان بحسب الثقافة؟
لا يزال هذا الموضوع مثيراً للجدل في مصر. ويعتبر العديد من أنصار النظام الحالي أنّ "مصر ليست مستعدّة للديمقراطية" أو أنّ "مفهوم حقوق الإنسان مختلف في مصر."
في مقال نُشر على موقع "إيجبشن ستريتس" Egyptian Streets، "أكّد السيسي التزام مصر بقيم الديمقراطية وحكم القانون. ولكنّه قال أيضاً إنّ وجهة النظر الغربية لا تنطبق على الحريات وحقوق الإنسان في مصر بسبب اختلاف التحديات والظروف المحلية والإقليمية بين الطرفين."
دفعني تصريح السيسي إلى التعمّق في بحثي لأنّ ما قاله غريباً في البداية ولكنني سرعان ما أدركت أنه منطقي إلى حدّ ما.
وفق دراسات عديدة مثل دراسة "حقوق الإنسان والفرد: اختلافات عبر الثقافات في نتائج حقوق الإنسان 1980 – 2010"، إنّ الحقوق التوافقية الوحيدة التي لم تختلف كثيراً بين البلدان والثقافات مرتبطة بانتهاكات حقوق الإنسان الجسدية مثل القتل والتعذيب والاستعباد وعنف الشرطة.
تصف الدراسة "حقوق الأمن الجسدي" كالحقوق التي تعتبر البشر كائنات بيولوجية تتشارك الشعور بالألم والعذاب وبالتالي تتوافق على الحقوق التي تحميها، لذا يحظى هذا النوع من الحقوق بإجماع واسع.
أمّا الحقوق التي تنطلق من معنى "أن تكون فرداً" مثل الحريّات المدنية، فهي تعتبر الإنسان كائناً وجودياً متمكّناً وتختلف من منطقة إلى أخرى أو ثقافة إلى أخرى.
ردّاً على السيسي، لو سلّمنا جدلاً أنّ حقوق الإنسان يجب ألّا تكون مركزية- غربية، المؤكّد أنّ الحقوق الأساسية المتوافق عليها لا تُمارس في مصر حالياً. واستناداً إلى التطورات الأخيرة، كانت ولا تزال حقوق الإنسان الأساسية تُنتهك وتشمل مظاهر الانتهاك على سبيل المثال لا الحصر الاختفاء القسري والاعتقال خارج القضاء وفترات طويلة من السجن الاحتياطي وقمع حريات التعبير الأساسية.
وتشير الدراسة المذكورة أعلاه إلى أنّ التقاليد الإسلامية تعطي الأولوية للمجتمع والوحدة لا للفرد وتعتبر تشريع فكرة "سيادة الفرد" كُفراً. ولكن تختلف المفاهيم ضمن الديانات بحسب المناطق.
فمناطق الشرق الأوسط تمنح أهمية أكبر للفردية من معظم الدول ذات الأكثرية المسلمة في آسيا وإفريقيا. ولكنّ سكّان الشرق الأوسط لا يتقبّلون الإصلاحات القانونية المتعلّقة بالجنسانية كثيراً.
وينطبق الأمر نفسه على الديانة المسيحية. تُمارَس الطائفة الكاثوليكية بالتزام أكبر في أمريكا اللاتينية من أوروبا. ويعتقد بعض العلماء أنّ الديانة المسيحية التي تُمارس في أمريكا الجنوبية وآسيا وإفريقيا أقرب إلى الإسلام من تلك التي تُمارس في مناطق أخرى. وثقافياً، تسجّل الفردية أدنى مستوياتها في الصحراء الإفريقية وآسيا الشرقية حيث تطغى الكنفوشية والروحانية. كما أنّ الاعتقاد الشائع في إفريقيا يتلخّص بـ"الآخرون ثمّ نفسي" إذ تغلب المصلحة الجماعية على المصلحة الفردية.
ويُقال إنّ الديمقراطية وتطبيق حقوق الإنسان هي ميزات طبيعية للعصرية لا يمكن تجاهلها ويصادف أنّ الغرب تطوّر أوّلاً.
تشغل مسألة الديمقراطية الإعلام الدولي منذ فترة لتحديد نجاح و/أو فشل الانتفاضات في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. ولكن نادراً ما يأخذون في الاعتبار أنّ "الديمقراطية ليست الحلّ للمجتمعات الفائقة التعقيد وأنّ التدخل الغربي يزيد الطين بلّة."
عندما يجد سكّان الشرق الأوسط والدول الأخرى غير المنتمية إلى الغرب الفرصة سانحة، يطالبون بالديمقراطية. ولكن أيجوز أن يكون عدم تطبيقها نابعاً من عدم تناسبها مع الثقافات المختلفة؟ أو يعود ذلك إلى عدم اكتراث الحكومات لها؟ أو أنّها تُعتبر فاشلة لأنها لا تتماشى مع التعريف الغربي للديمقراطية؟
يقول أرسطو إنّ الحكم كالمزمار الذي يجب ألّا يُعطى للأثرياء أو النبلاء وإنّما لعازفيه الموهوبين. ويعتقد أنّ لكلّ شيء هدف والهدف من المزمار هو العزف الجيّد. ولكن من أين تأتي الحكومة أو القائد بالمزمار؟ أوَليس من الناس؟
يؤكّد هذا التشبيه أنّ الحكومات تعكس ثقافة أو موقف الناس وأنّ القيم الثقافية لها تأثير مباشر على كيفية عمل الدولة وعلى حقوق وواجبات المواطنين.
قد يزعم البعض أنّ المزمار يُعطى في نظام يتحقّق من عزف القائد وأداء المؤسسات التي تلعب دور الأوركسترا ارتكازاً على المأسسة وحكم القانون. هكذا يجب أن تُمارس الديمقراطية من خلال نظام أو بنية أو مؤسسات صالحة في دولة تعمل تحت سقف حكم القانون. قد يشير هذا النهج إلى أنّ الفروقات السياسية غير مرتبطة بالديمقراطية. فالدولة المؤسساتية قادرة على التحرّر وإرساء الديمقراطية وفرض حقوق الإنسان.
ويبقى السؤال: لو كانت الديمقراطية وحقوق الإنسان قيماً جماعية، أما كان العالم أكثر انجذاباً إليها؟ أما كان فهم حقوق الإنسان اختلف؟
هل يكترث الغرب فعلاً لترويج الديمقراطية عالمياً؟ أو أنها مجرّد طريقة لهيمنة نظرتهم للعالم؟ أم أن الغرب يقود السرب وسيتبعه الآخرون؟ إنني مؤيدة ثابتة للديمقراطية وحقوق الإنسان والأقليات وحرية التعبير. ولكنني أعطي أهمية كبيرة للاختلافات الثقافية وأؤمن بأنّ الثقافة تؤثر على طريقة عمل الحكومات.
هل من المفترض أن تطبّق الثقافات والمجتمعات المختلفة مفاهيمها الخاصة بحقوق الإنسان وإلى أيّ حدّ؟
لقراءة المزيد
تلقَّ بريدنا الأسبوعي
تعليقات
نشجّع أي شخص على التعليق. الرجاء الرجوع إلى openDemocracy تعليمات أسلوب التعليق الخاص ب ن كان لديك أسئلة