Home

حركة الاحتجاجات في العراق تكشف فشل حكومات ما بعد الغزو الأميركي

بينما تدخل الاحتجاجات العارمة في العراق اسبوعها الرابع, تظهر ضرورة فهم مطالب المحتجين الاساسية اضافة الى الديناميكية الاقتصادية والسياسية التي يكشفون عنها. English

زهراء علي صفاء خلف
13.08.2018
PA-37769039_0.jpg

Ameer Al Mohammedaw/DPA/PA Images. All rights reserved. ترجمة نبيل المفرجي

كما كان الحال عامي 2011 و 2015، بدأت الاحتجاجات في محافظة البصرة الغنية بالنفط. المحافظة التي تعاني من شح مياه الشرب، انقطاعات مستمرة للتيار الكهربائي و معدل بطالة عالي اضافة الى التلوث والمشاكل الصحية التي ادت لانتشار امراض عديدة كالسرطان.

بينما ترتفع الحرارة حتى 50 درجة مئوية خلال فصل الصيف في العراق، تنتشر موجة احتجاجات عارمة في المناطق الجنوبية من البلاد، مظهرة تصميمها على الابتعاد عن اي جماعة سياسية او حزبية متكونة في غالبيتها من الشباب، شعاراتها تتعدى المطالبة بتوفير الخدمات الاساسية كالماء والكهرباء. من شعارات كـ "ماكو وطن!" و "كلا كلا للاحزاب!" يبدو جليا سعي المحتجين الى تغيير راديكالي في المشهد السياسي العراقي.

نحو حكومة عسكرية؟

لعل اهم ما يميز الاحتجاجات في العراق هو سياسة القمع التي تتبعها القوات الحكومية والحضور الدائم لعناصر من ميليشيات تعود لاعضاء من النخبة السياسية الحاكمة. كان مقتل المواطن البصري حيدر المالكي صاحب الـ 27 عاما، الاب لثلاث اطفال في صيف 2010، ومنتظر الحلفي صاحب الـ 17 ربيعا، من بلدة في شمال المدينة، سببا في غليان الشارع البصري وخروج مظاهرات عارمة. كلا الضحيتين كانا من العاطلين عن العمل، يطالبون بتوفير الكهرباء والخدمات الرئيسية من خلال مظاهرات سلمية.

في الثامن من حزيران/يونيو الماضي، تجمع مجموعة من الشباب العاطلين عن العمل حول مكاتب شركات نفط اجنبية في شمال البصرة، مطالبين بحقهم في الحصول على فرص عمل. سرعان ما اندفعت القوات الامنية لقمع المحتجين بالقوة، الامر الذي اودى بحياة سعد المنصوري صاحب الـ 26 عاما، الاب لثلاث اطفال. ادت الحادثة الى غليان الشارع البصري مرة اخرى وتبعتها موجة احتجاجات عارمة انتشرت الى باقي المحافظات الجنوبية. بعد مرور اسبوعين فقط على بدأ الاحتجاجات، اعلن المرصد العراقي لحقوق الانسان عن مقتل اكثر من 12 متظاهرا وجرح 600 آخرين على يد قوات الامن العراقية، وتم اعتقال 600 متظاهرا اطلق سراح العديد منهم بعد تعنيفهم وتلقيهم العديد من التهديدات.

واستنكرت منظمات حقوقية عديدة ومنها هيومان رايتس ووتش القمع "القاسي" و"الدموي" الذي يمارس على المحتجين، حيث استخدمت الدبابات والعجلات المدرعة في عمليات القمع، كذلك شاركت قوات مكافحة الارهاب المدربة اميركيا، والتي شاركت في عمليات تحرير الموصل في قمع المحتجين. علاوة على ذلك، تم قطع خدمة الانترنت في عموم المحافظات المنتفضة، الامر الذي ادى الى خسائر تقدر بـ 40 مليون دولار في اليوم الواحد.

رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي تعهد على محاسبة الجناة، بينما وصفت وزارة الداخلية المظاهرات بـ "التخريب الممنهج". ومن خلال قنواتها التلفزيونية وتصريحات صحفية، قامت النخبة السياسية العراقية بوصف المحتجين بالمخربين الذين يتبعون اجندات اجنبية تارة، وبعثيين تارة اخرى، من غير دليل قاطع على صحة تلك الاتهامات.

النظام الحاكم بالعراق مبني على اساس العسكرة، وهو منتج للعنف السياسي والاجتماعي في البلد. الميليشيات والجماعات المسلحة العديدة مرتبطة بصورة مباشرة بالعديد من السياسيين الطائفيين الفاسدين الذين تسلموا الحكم بعد 2003. تمت اضافة الطابع المؤسساتي للعديد منها بعد المشاركة في القتال ضد تنظيم الدولة الاسلامية، جماعات مثل كتائب بدر التي يقودها هادي العامري والتي تتلقى دعما ايرانيا, عصائب اهل الحق بقيادة قيس الخزعلي، كتائب عاشوراء التابعة لعمار الحكيم، حزب الله و ميليشيا مقتدى الصدر، جميعها تم تطبيعها بعد المشاركة في الانتخابات النيابية في مايو الماضي.

العديد من قادة الميليشيات والجماعات المسلحة هم نوابا في مجلس النواب العراقي، رغم تهديد، خطف واعتقال العديد من الناشطين المدنيين وضلوعهم في اعمال عنف في الموصل ومناطق اخرى من العراق. بعض هذه الميليشيات كان لها دور ايضا في الحرب في سوريا الى جانب النظام السوري الحاكم.

في حين تتواجد اكثر من 100 ميليشيا في العراق حاليا، بدل تقوية الطبيعة المدنية للدولة ومنع عسكرة المجتمع، قامت الحكومة العراقية بتوفير رواتب لـ 122000 عنصر امني في ميزانية 2018، بينما اوقفت بالمقابل التعيينات في الوزارات والدوائر الحكومية بحجة النقص في الموارد.

بماذا تتميز الاحتجاجات الحالية؟

تختلف الاحتجاجات الحالية عن سابقاتها بكونها مقادة من مواطنين لا ينتمون لاي منظمة مدنية او جماعة سياسية. كما لم تنتشر لتصل المحافظات السنية، التي دمرت نتيجة لصراعات مسلحة عديدة منذ عام 2003 وصولا الى تحرير مدينة الموصل قبل عام من الآن. ملايين من سكان تلك المحافظات مازالوا يعيشون ظروفا قاسية في مخيمات اللجوء، تحت وطأة الخوف المستمر من ان يتم وصمهم كأرهابيين او اتهامهم بالانتماء لتنظيم الدولة الاسلامية. لم تصل الاحتجاجات المحافظات الشمالية كذلك، رغم الازمة الاقتصادية التي يشهدها اقليم كردستان العراق.

الانتخابات: واجهة تخفي خلفها نظام فاشل

منذ 2003، وصل تقسيم النظام السياسي في العراق الى مراحل جديدة: انقسامات طائفية، خصخصة في صالح قادة النخبة السياسية والجماعات التي ينتمون اليها، تركيز عائدات النفط نحو جيوب النخبة الفاسدة، كل هذا على حساب المجتمع العراقي و المواطن البسيط.

نسبة المشاركة في الانتخابت النيايبة تبدو اقل مما اعلن رسميا، 44,5% نتيجة حركة المقاطعة التي قادها العديد من الشباب الذين شاركوا في احتجاجات 2015. رغم ذلك، كشفت النتائج الاداء السيء للاسماء التقليدية في المشهد السياسي منذ 2003، بما في ذلك شخصيات تعتبر علمانية او غير منحازة طائفيا.

عدة عوامل يمكنها ان تفسر التضخم العام للسكان والانحدار للنخبة السياسية. وصل الدين الداخلي والخارجي الى 45 مليار دولار مع احتياطي عملة تحت 50 مليار دولار وتضخم شهري قدره 2%. وصل معدل الفقر الى 30%، ومعدل البطالة يقدر ب 59% من القوة العملة (31% من الوظائف المؤقتة و 43% من الوظائف طويلة الامد) خصوصا بين النساء والفئة الشابة. هذا بينما ينتج العراق 4.4 برميل نفط يوميا بسعر 40 دولار للبرميل الواحد في النصف الاول من 2018.

تنتج البصرة وحدها 3 ملايين برميل نفط يوميا، وسكانها البالغ عددهم 3 ملايين يشكون من تدهور الخدمات، ملوحة المياه، العديد من الامراض الخطيرة، التلوث الناجم عن آبار النفط وانتشار جميع انواع المخدرات في المحافظة. في محاولة لاحتواء الغضب الشعبي في المحافظة، قام مجلس محافظة البصرة بالتصويت على الحصول على حكم ذاتي، كما يحتج المجلس عن منع توفير حصة تقدر ب5 دولارات عن برميل النفط الواحد تخصص لتوفير الخدمات وتطوير البنية التحتية للمحافظة.

تواطئ الاميركيين والمجتمع الدولي

وبينما تتلقى الاحتجاجات الدعم من المجتمعات العراقية في بلدان المهجر، تقف الادارة الاميركية مكتوفة الايدي تجاه مايجري، رغم انها مولت القوات المسلحة العراقية التي تستخدم الرصاص الحي في قمعها للمحتجين، الا ان سفارتها في العراق اعلنت دعمها لرئيس الوزراء العراقي لـ"حفاظه على سلامة المحتجين".

ان تقسيم النظام السياسي العراقي وفق الانتمائات الاثنية، والدينية والمذهبية، الذي وضعته الولايات المتحدة الاميركية في 2003 اثار موجة من العنف سرعان ما اجتاحت البلد. العسكرة المفرطة للجماعات المسلحة في العراق خلال السنوات القليلة الماضية، مبررة بالحرب ضد تنظيم الدولة الاسلامية، هيمنت على المشهد السياسي وحتى انها وصلت الى مراحل دراماتيكية. هذا في ظل استمرار الدعم العسكري من الولايات المتحدة الاميركية والمجتمع الدولي، بدل حث الحكومة العراقية على استخدام واردات النفط لتوفير الخدمات الاساسية للشعب وتطوير البنية التحتية للبلد.

Had enough of ‘alternative facts’? openDemocracy is different Join the conversation: get our weekly email

تعليقات

نشجّع أي شخص على التعليق. الرجاء الرجوع إلى openDemocracy تعليمات أسلوب التعليق الخاص ب ن كان لديك أسئلة
Audio available Bookmark Check Language Close Comments Download Facebook Link Email Newsletter Newsletter Play Print Share Twitter Youtube Search Instagram WhatsApp yourData