Home

الألتراس في حالة حداد: قصة نهاية كرة القدم المصرية بسبب مجزرة وتداعيات ثورة وسياسة

هذا الجزء الثالث من أربعة أجزاء تتعمّق في تاريخ ما يُعرف بـ"الألتراس"، أي المشجعين الرياضيين المتطرفين، وتأثيرهم على المجتمع المصري. English

Karim Zidan
24.01.2017

Mohammed El Raai/AP/Press Association Images. All rights reserved.

Mohammed El Raai/AP/Press Association Images. All rights reserved.

عندما أطلق الحكم صافرة نهاية المباراة، وقعت المأساة في بور سعيد.

جاء الهجوم على دفعات عندما غزت مجموعات من الرجال المجهولين المتسلّحين بالسكاكين والحجارة وقنابل مضيئة أرض ملعب كرة القدم لمطاردة نادي الأهلي بعد خسارة 3 – 1 لصالح نادي المصري.

استهدفت الدفعة الأولى من المعتدين اللاعبين الذين كانوا يرتدون زيهم الأبيض والأحمر المعهود ولاحقتهم خارج الملعب إلى غرف تبديل الملابس التي من المفترض أن تكون آمنة نسبياً.

وركّزت الدفعة الثانية من البلطجيين على مشجّعي الألتراس المعارضين للسلطة وحاصرتهم بأعداد تفوقهم، وسط ارتباك هؤلاء. وبدأت المجزرة الأكثر دموية في تاريخ الرياضة المصرية.

صعُب على الاشخاص الذين كانوا يشاهدون الأحداث تتطوّر مباشرة على شاشة التلفيزيون في 1 فبراير 2012 فهم المشهد الفوضوي، وقليلون توقعوا مدى العنف الدموي الذي ارتُكب في الملاعب وغرف تبديل الملابس والأنفاق المؤدية إلى المخرج. أمّا الأشخاص الذين تخبّطوا للوصول إلى نفق الخروج، فذهبوا ضحية التدافع خلال محاولة الهروب من المبنى، وأُقفلت البوابات في وجههم، ما أدّى إلى عزل الشجار عن العالم الخارجي وتحتيم وقوع النتيجة الرهيبة.

قُتل 74 شخصاً ذلك اليوم، بما فيهم 72 مشجّعاً من الألتراس، وجُرح 500 مواطن مصري في الاعتداء. وقد ضُرب البعض حتى الموت بواسطة العصي والهراوات بينما طُعن ودُهس آخرون. وحدث ولا حرج عن المشهد المأساوي والمفجع الذي شوّه غرف تبديل الملابس بعد بضع ساعات فقط.

وقف الأشخاص الذين نجوا من الاعتداء يشاهدون الأطباء يحاولون إنعاش أصدقائهم وذاع بكاؤهم وأنينهم ألماً على الضحايا الذين أبوا أن يعودوا إلى الحياة. ونادى أحدهم أخاه، غير دارٍ بالدم الذي كان ينهمر من رأسه.

أغضبت الوفاة المتهوّرة لهذا العدد الكبيرالضائع من الشباب مشجّعي الألتراس الذين سبق أن كانوا مندفعين بعزمهم، وبدأ التقهقر البطيء لكرة القدم المصرية.

الألتراس: حركة شبه سياسية

في أعقاب مجزرة بور سعيد، برز الألتراس كقوة سياسية علنية تنادي بالعدل والثأر ريثما تنتظر بصبر حكماً قضائياً لصالحها. تمّ اعتقال 73 مذنباً وجرت محاكمتهم على أفعالهم. ولكنّ ثقة الألتراس بالسلطة القضائية لم تكُن في محلّها.

فمعظم رجال الشرطة المعدودين الذين كانوا قد اعتُقلوا سرعان ما استعادوا حريتهم وتمّت تبرئتهم من جميع التهم ضدهم في حين صدر حكم عقوبة الإعدام بحقّ 21 بلطجياً مأجوراً. وحُكم على بلطجيين آخرين بالسجن المؤبد ولكن أُطلق سراح معظم رجال الشرطة الذين يُعتقد أنهم كانوا متورّطين في الاعتداءات وبعضهم لم يُحاكم أصلاً. لدى إدراك الألتراس الحقيقة المرّة، قرّروا أن يحقّقوا العدالة بأيديهم.

لدى سؤاله عن وقع المأساة على هوية الألتراس، قال أحمد عبد الله، أستاذ مصري في علم النفس: "تُعتبر أحداث بور سعيد محطّة مهمة ترسّخت في أذهان الناس. وقد باتت متجذّرة في وعي ولاوعي الألتراس. حتى أنهم يرددون المقولة التالية — ها إنّ المشجّع دعم فريقه حتى الموت فعلاً."

بدأ الألتراس يمارسون ضغوطات على السلطة ويطالبون بتكرار المحاكمات. وعندما لم يجدوا آذاناً صاغية، اقتحموا مقرّ اتحاد كرة القدم وأحرقوا نادي قوات الشرطة. وطالبوا بتعليق عمل رابطة كرة القدم المصرية حتى إصدار أحكام أحداث بور سعيد. وقد نالوا مرادهم في نهاية المطاف.

على الرغم من سعيهم وراء الانتقام الشرس، تعاطف البعض مع الألتراس. واعتقد الكثيرون بما فيهم مصادر الإعلام الأجنبي أنّ الاعتداء لم يكُن نتيجة الشغب المصري (غير الشائع بين الفرق المتنافسة) وإنما كان مكيدة مدبّرة سياسياً ومنظمة ضدّ مشجعي الألتراس أهلاوي الذين كانوا عنصراً أساسياً في ثورة 2011.

لا يمكن التغاضي عن حضور مشجعي كرة القدم البارز وتأثيرهم الاستثنائي خلال الثورة، بالتالي اعتقد البعض أنّ فلول نظام مبارك كانوا يسوّون حساباتهم من خلال الاعتداء. كما يمكن تفسير المجزرة كمحاولة لإخافة الألتراس كي يمتنعوا عن معارضة الأنظمة المستقبلية.

في خضمّ سعي الألتراس وراء العدالة من أجل إخوانهم الذين ماتوا في منتصف 2012، كانت مصر تتحضّر لاستقبال الانتخابات الحرّة الأولى لها منذ سقوط حكم الرئيس مبارك. وبات الألتراس الذين يُعتبرون رمز السياسة الشبابية ومعاداة السلطة أمل الأحزاب الدينية التي سعت إلى حشد التأييد.

ولعلّ الألتراس كانوا المنظمة المدنية الثانية الأكبر في مصر في ذلك الوقت بعد الإخوان المسلمين. ولكن عندما بدأ أعضاء أو فصائل الألتراس يطلقون حملات مؤيدة لحزب أو لآخر، نجمت انقسامات واضحة ضمن هذه المجموعة التي كانت موحّدة في الماضي. وتمكّنت الأحزاب السياسية من الاستيلاء على صراع الألتراس المتأصّل ضدّ النظام السابق والحطّ من معتقداتهم.

وقد شكّلت مجزرة بور سعيد اللحظة المحورية ونقطة التحوّل، على الرغم من مأساويتها، التي حوّلت نادي مشجّعين ثوريين لكرة القدم إلى كيان سياسي، وعندما ربح الإخوان المسلمون، انتكس صراع الألتراس.

رياح التغيير

بسبب مجزرة بور سعيد، تدهورت مشاركة الألتراس في السياسة وتجدّدت الحملات المحافظة ضدّهم وضدّ شعارهم المزعوم عن العنف في كرة القدم. واعتقد الكثيرون أنّ انعدام القانون والنظام وعجز الشرطة عن إتمام واجباتها عوامل أدّت إلى أحداث ذلك اليوم الرهيب.

واعتبر أفراد متديّنون ومحافظون في المجتمع أنّ الشغب كان السبب وراء المجزرة. والمثير للسخرية هو أنّ الأحداث المفجعة التي حصلت بسبب الشرطة المتآمرة وغير الآبهة حرّكت دعوات لإصلاح الشرطة وإرجاع صرامة فرض القانون التي كانت شائعة في عهد مبارك للحدّ من العنف.

ووسط تأرجح الرأي العام في مواقفه ضدّ الألتراس وانبثاق رئاسة جديدة لا تمانع إسقاطهم، ضعُف الألتراس تماماً. وانقسموا إلى مجموعات بدأت تدعو إلى مطالب غير موحّدة.

دعا البعض إلى الانتقام وآخرون إلى إصلاح الشرطة بينما طالب آخرون بالمشاركة في السياسة. بالتالي، ترسّخ تشرذم قوة ثورية كانت موحّدة في السابق.

ومع حلول عام 2013، لم يعُد الألتراس متمسّكين بمجموعة واضحة من القيم أو مؤيدين لفريق كرة قدم حتى. وتضاعفت استفزازات الشرطة لهم وأوقفت التظاهرات السلمية بعنف حاسم. وتخلّى المتعاطفون مع الألتراس سابقاً عن دعمهم وأقلعوا عن الترويج لقيم هذه المجموعة.

أنهكت الثورة المصريين ولم يكفّ الألتراس عن تذكير  الشعب المصري بفشلهم في ثورة 25 يناير 2011. وخلال بضعة أعوام، تحوّل الألتراس من أبطال وثوّار إلى إرهابيين ومشاغبين.

وعلى الرغم من أنّ المجموعة في جوهرها استمرّت في النضال من أجل الاستقلال الذاتي والحرية من خلال تظاهرات في ساحة التحرير وأماكن أخرى، إلّا أنّ دورها في الفضاء العام تحطّم إلى غير رجعة. وتلخّص كلمات أحد قادة الألتراس عندما سُئل عن إنجازات المجموعة مع حلول 2013 وضع الألتراس:

"تغيّر كلّ شيء ولكن لم يتغيّر شيء فعلياً."

سيفصّل المقال الرابع من هذه السلسلة من أربعة مقالات مكانة الألتراس في عام 2016 وسيحلّل إرثهم المعقّد. 

Had enough of ‘alternative facts’? openDemocracy is different Join the conversation: get our weekly email

تعليقات

نشجّع أي شخص على التعليق. الرجاء الرجوع إلى openDemocracy تعليمات أسلوب التعليق الخاص ب ن كان لديك أسئلة
Audio available Bookmark Check Language Close Comments Download Facebook Link Email Newsletter Newsletter Play Print Share Twitter Youtube Search Instagram WhatsApp yourData