Home

شهداء كرة القدم: كيف أصبح مشجّعو الألتراس ثوّاراً؟

هذا الجزء الثاني من أربعة أجزاء تتعمّق في تاريخ ما يُعرف بـ"الألتراس"، أي المشجعين الرياضيين المتطرفين، وتأثيرهم على المجتمع المصري.English

Karim Zidan
23.01.2017

STR/AP/Press Association Images. All rights reserved.

STR/AP/Press Association Images. All rights reserved.

توفّي حسين طه ومحمد مكوا في 28 يناير 2011 يوم "جمعة الغضب" الذي شكّل نقطة تحوّل في الانتفاضة المصرية. وسينطبع هذان الإسمان في الذاكرة لأنّ حسين ومحمد كانا أوّل شهيدين ثائرين في الألتراس استشهدا لغاية سياسية.

لم تكُن وفاتهما مجرّد مأساة، إذ أنّها أيضاً أشعلت شرارة الوحدة في صفوف الألتراس المتشرذمين وشكّلت دافعاً جامعاً وثابتاً لهذه المجموعة لتنضمّ إلى الثورة بزخم كامل. فوفاة حسين ومحمد كانت خسارة شخصية.

قبل 2011

قبل 25 يناير 2011، كان الألتراس كناية عن مجموعات متحمّسة من مشجّعي كرة القدم المصرية وتميّزوا بمواجهتهم للسلطة ومعارضتهم لقبضة الشرطة وللرقابة المشدّدة خلال عهد حسني مبارك. احتشد شباب عازمون على إيصال صوتهم خلال مباريات كرة القدم، مردّدين شعارات وناصبين شوكتي الشيطان الحمراوين في الملاعب كرمز معارضة الحكومة وقواتها الأمنية المؤذية.

اشتدّ التوتر بين مشجّعي كرة القدم المتحمسين والحكومة المصرية وكانت له تداعيات عرضية خارج الإستاد تمثّلت بمناكفات واشتباكات.

وصدم عزم الألتراس وتنظيمهم الاستثنائي الحكومة التي ازدادت ريبتها من وجودهم وهاجمتهم بأساليب أعنف. ونتيجة لذلك، بات حقد الألتراس العميق على وزارة الداخلية والقوى الأمنية متجذّراً في هويتهم.

وعلى مدى أربعة أعوام تقريباً، اشتبك الألتراس مع الشرطة في الشوارع المصرية. ولكن لم يتوقع كثيرون أنّ الخبرة التي اكتسبوها في هذه المشاغبات ستمكّنهم من الإطاحة بالنظام بعد أعوام.

"جمعة الغضب"

فيما كان المصريون يسيرون في الشوارع متجهين نحو ميدان التحرير في 28 يناير، كانت رائحة الغاز المسيل للدموع تلوّث الهواء وتزعج الحواس. وعلى الرغم من التظاهرات المستمرّة لثلاثة أيام والعنف المتزايد تدريجياً، شهد يوم الجمعة ذاك أكبر احتشاد للمتظاهرين المدنيين.

أُغلقت شبكات الإنترنت والتواصل ذلك الصباح في محاولة للتسبّب بارتباك ومنع الحشود المقتربين من الميدان. وفي حين كانت قوات الشرطة تسعى إلى ردع المصريين الذين كانوا يقتربون من الميدان، كانت مجموعة من الشباب في قمصان حُمر تشجّع الحشود على السير قُدماً. وصرخ أحدهم لمجموعة من النساء اللواتي أخافهنّ الغاز المسيل للدموع: "هيا، اقتربتنّ من ميدان التحرير، لا تستسلمن!"

مشى أعضاء الألتراس بخطوات واثقة وبروح قيادية كانوا قد اكتسبوها خلال سنين من الخبرة. وعلى الرغم من أنّ كلّ عضو تصرّف بنيّة فردية، توحّدوا في معارضتهم للسلطة.

تحدّث عضو في الألتراس من دون الإفصاح عن هويته إلى قناة الجزيرة، قائلاً: "وقف الألتراس في الخطوط الأمامية لأنهم يعرفون كيفية التعاطي مع الوضع، ولكنهم لم يشاركوا بصفة رسمية أو بشكل مباشر. ما من برهان أنّ الألتراس شاركوا كمجموعة، ولكن بما أنّ كلّ عضو منهم يعشق الحرية، لا شكّ في أنهم تظاهروا في الشوارع."

واندفعوا، متحدّين الطلقات النارية التي كانت تستهدف الناس، وجُرح الآلاف في طريقهم إلى ميدان التحرير. حتى أنّ بعض الجرحى أمسكوا بعيونهم، صارخين، بعد أن صوّب رجال الشرطة الرصاصات المطاطية على عيون المتظاهرين بنيّة مؤذية.

وسرعان ما باتت أحداث ما عُرف بـ"جمعة الغضب" حقيقة.

مع غروب الشمس في القاهرة، بدأ المتظاهرون يتوافدون إلى ميدان التحرير للاعتصام وقتاً مطولاً. أخافت الوفود الحاشدة قوات الشرطة التي تفرّقت وانسحبت، داهسة الناس والمتظاهرين. وانتشرت القوات العسكرية بدلاً من الشرطة وطوّقت المتظاهرين ولكنها رفضت التدخّل في الانتفاضة. فما كان من الرئيس مبارك إلّا أن ألقى خطاباً قضى بإقالة حكومة أحمد نظيف، ولكن بعد فوات الأوان.

خلال انتفاضة 2011 التي دامت 18 يوماً، كان الألتراس حاضرين بشكل واسع. فإذا لم تصادفهم يرشدون أو يشجّعون المواطنين القلقين في الشوارع أو يقاومون القوى الأمنية خارج وزارة الداخلية، وجدتهم ينشدون الأغاني ويردّدون الشعارات ويرقصون في ميدان التحرير.

قال المحلّل الرياضي حسن المستكاوي لقناة الجزيرة: "كان الألتراس موحّدي الصوت. فمجرّد رؤية 5 آلاف شابّ يسيرون في الشوارع ويصرخون بصوت واحد كفيلة ببعث البهجة. كانوا يحمّسون الناس."

كانوا ينشدون أغانٍ تحرّك الحشود وفي الوقت نفسه تكرّم زملاءهم الذين سقطوا وتذكّرهم لماذا يخاطرون بحياتهم. ولكن خلال نضالهم الجماعي، ظلّوا أفراداً لا تجمعهم إيديولوجية رسمية وإنّما يقودهم هدف واحد.

وعلى الرغم من نجاح الألتراس في تحمّل هجمات "موقعة الجمل" في ساحة التحرير ومع أنهم شهدوا على استقالة مبارك بعد أيام في 11 فبراير، لم تكُن هذه سوى بداية متاعبهم.

جبهة الشيطان

مباشرة بعد استقالة مبارك، استلم المجلس الأعلى للقوات المسلّحة الحكم في مصر بانتظار إجراء انتخابات عادلة. وبقي المجلس في الحكم حتى يونيو 2012 عندما أصبح محمد مرسي رئيساً. على الرغم من أنّ عدداً كبيراً من المصريين اعتبروا المجلس واعداً، إلّا أنه لم يفِ بوعوده في رفع قوانين حالة الطوارئ القمعية في مصر أو في نقل السلطة إلى المدنيين.

بطبيعة الحال، تظاهر المصريون في الشوارع، معترضين على القبضة المحكمة للمجلس الأعلى للقوات المسلّحة على البلاد. وساءت الأمور بعد مذبحة ماسبيرو في أكتوبر 2011 عندما واجهت قوات الجيش مجموعة أغلبيتها من المدنيين الأقباط كانت تتظاهر ضدّ إحراق  كنيسة في الصعيد.

وأخذت الاشتباكات منحى عنيفاً وذُبح أكثر من 20 متظاهراً. تبرّأ المجلس الأعلى للقوات المسلّحة من أي مسؤولية في الحادثة وأصدر تصريحات مفادها أنّ الأقباط مسؤولون عن الاشتباكات.

في 18نوفمبر 2012، عاد آلاف المصريين إلى ميدان التحرير للاعتراض على عجز المجلس الأعلى للقوات المسلّحة عن الحكم وللمطالبة بتسليم السلطة فوراً. وكان الألتراس من بين المطالبين ذلك اليوم ولكنّ أعمالهم البطولية في اليوم التالي هي التي حفرت اسمهم في الذاكرة.

عبّرت المرشحة الرئاسية في ذلك الوقت بثينة كامل علناً عن الحماية التي أمّنها الألتراس لها خلال التظاهرات وتضامنت لاحقاً مع المجموعة عبر المشاركة في مسيرة لضحايا مجزرة بور سعيد التي أودت بحياة 74 مشجّع كرة قدم.كردّ فعل على الحشود المتزايدة في ميدان التحرير، استهدف المجلس الأعلى للقوات المسلّحة المدنيين الذين اقتربوا من شارع محمد محمود المجاور، ما أدّى إلى اشتباكات عنيفة كانت حصيلتها أكثر من 40 متظاهراً، بما فيهم أعضاء من الألتراس اعتصموا لحماية المتظاهرين المسالمين. وكان أحد الأعضاء قد قال لأمّه قبل وفاته السابقة لأوانها إنه "بحاجة إلى حماية الأبرياء من الهجمات."

جُرّت الجثث الهامدة إلى جانب الطريق وتكوّمت فوق بعضها البعض لاحتساب عدد القتلى. لو لم يجُبْ مشجعو كرة القدم المتحمّسون الشوارع المريبة حول ميدان التحرير، لكان توفّي عدد أكبر من المدنيين تلك الليلة.

وبعد مرور خمسة أعوام على المشاهد المزعجة والمحزنة التي لطّخت شارع محمد محمود في نوفمبر 2011، لا يزال المراسلون يفتّشون عن أهالي شهداء الألتراس الذين فقدوا حياتهم تلك الليلة بسبب نظام شرس. واستذكرت إحدى الأمهات عودة ابنها كلّ ليلة، متورّم العينين ومدمّم الوجه، نتيجة الغاز المسيل للدموع. وعندما كانت تسأله "ما الهدف من هذا كلّه؟"، كان يجيب الشهيد: "أفعل هذا من أجل بلادي."

سيفصّل المقال الثالث من هذه السلسلة من أربعة مقالات متاعب الألتراس بعد الثورة، بما فيها مجزرة بور سعيد التي قضت على كرة القدم المصرية.

Had enough of ‘alternative facts’? openDemocracy is different Join the conversation: get our weekly email

تعليقات

نشجّع أي شخص على التعليق. الرجاء الرجوع إلى openDemocracy تعليمات أسلوب التعليق الخاص ب ن كان لديك أسئلة
Audio available Bookmark Check Language Close Comments Download Facebook Link Email Newsletter Newsletter Play Print Share Twitter Youtube Search Instagram WhatsApp yourData