
خلال الانتخابات الرئاسية في تونس عام ٢٠١٤ Picture by Nicolas Fauque/Images des Tunisie/ABACAPRESS.COM. All rights reserved. تعتبر المشاركة في الحياة السياسية ركيزة أساسية من ركائز المواطنة الفاعلة و النشيطة خاصة في صفوف الشباب، وهي فئة مهمة في تركيبة المجتمعات بصفة عامة و في تونس بصفة خاصة.
العنصر الشبابي مصدرا للإبداع و التجديد و قوة تشارك وتساهم، تاريخيا، في التغيير الجذري للانظمة السياسية و الإقتصادية في العالم. وتعتبر تونس دولة فتية ديموغرافيا حيث تبلغ نسبة الشباب من الفئة العمرية ١٥ إلى ٢٩ سنة ٣٠% من إجمالي السكان.
ساهم الشباب التونسي بدوره في حركات إحتجاجية و إجتماعية غيرت وجه الانظمة السياسية في تونس و بلدان اخرى من بعدها.
و رغم الالتفافات المتواصلة على مطالبه المتمثلة في إنهاء التهميش الإقتصادي و السياسي و المزيد من الحريات الجماعية و الفردية ظل الشباب متواجدا ولو بطرق مختلفة في الحياة العامة عبر المشاركة الإيجابية في بناء مجتمع مدني متماسك و حام للحريات و الحقوق أو عبر مواصلة ''إحتلال'' الشارع/المكان العام عبر المظاهرات والاحتجاجات التي ساهمت في العديد من الأحيان في صد التفاف السلطة على مكاسب مثل حرية التظاهر والتعبير.
وبعد ثورة الحرية و الكرامة، تم حل أغلب المجالس البلدية وتعويضها بنيابات خصوصية تم تعيين أعضائها. في ٦ مايو ٢٠١٨ ولأول مرة منذ الانتخابات البلدية التونسية في ١٩٥٧ سيتم انتخاب أعضاء المجالس البلدية في تونس مباشرة من الشعب. سينتخب التونسيون المجالس التي تسير حياتهم اليومية و تصادق على القرارات المهمة المتعلقة بالميزانية و الصحة و التعليم و النقل و الثقافة.
يعرف المشهد السياسي التونسي منذ ٢٠١١ عزوفا شبابيا هاما عن المشاركة السياسية
ويعرف المشهد السياسي التونسي منذ ٢٠١١ عزوفا شبابيا هاما عن المشاركة السياسية المتمثلة في التنظيم الحزبي والمشاركة النشيطة في الإنتخابات و المشاركة في صنع القرار السياسي. ويعد تمثيل العنصر الشبابي في مجلس النواب التونسي جد ضعيف مقارنة بنسبة الشباب في المجتمع التونسي. و عرفت الإنتخابات التشريعية الجزئية الاخيرة و التي نظمت في ألمانيا عزوفا مواطنيا و شبابيا هاما حيث بلغت نسبة المشاركة في العملية الإنتخابية ٥،٠٢ بالمائة.
وبيّن سبر آراء الشباب حول الديمقراطية التشاركية والحوكمة المحلية في تونس الذي قامت به منظمة "أنا يقظ" في ثمانية ولايات (مدنين، قفصة، بنزرت، القيروان، سوسة، سيدي بوزيد، الكاف وزغوان) في سنة ٢٠١٥ أن ٣٨% فقط من الشباب الذي تم استجوابه عبر عن نيته في التصويت خلال الإنتخابات البلدية المقبلة في حين سيقوم ٣١% منهم بمقاطعة صناديق الإقتراع و لم يقرر ٣١% منهم بعد ما سيفعل خلال المحطة الانتخابية القادمة.
و ورد في تقرير "أنا يقظ" أن ٥٣% من المستجوبين يهتمون بالشؤون السياسية في البلاد بينما تقدر نسبة المهتمين كليا بالسياسة منهم ب١٠% و يبيّن الاستجواب ايضا ان ٤٦% من المشاركين لا يهتمون كليا بالسياسة.
افاد التقرير بأن ٧٨% من الشباب الذي شارك في سبر الآراء قال انه غير مهتم بالإجتماعات و النقاشات التي تنظمها السلطات المحلية و الجهوية مقابل ١٥% فقط أعربوا عن اهتمامهم بنشاط المجالس البلدية بعد إنتخابها.
و أعلنت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات عن القائمات النهائية و يقول محللون أن المشهد السياسي لم يتغير. قطبان يتصدران المشهد السياسي و مئات الاحزاب تثبت للمرة الالف انها لا تعد ان تكون اكثر من ظواهر صوتية لا وجود لها فعليا على أرض الواقع و في العمل السياسي.
لكن البعض يقول ان المشهد يبدو أكثر تنوعا هذه المرة بفضل قوانين ترشّح إجبارية أقرتها الهيئة العليا المستقلة للإنتخابات. يشترط في كل قائمة مترشحة ان تقدم على أساس التناصف و التناوب بين النساء و الرجال و ايضا وجوبية احتوائها على مترشح أو مترشحة لا يزيد سنه(ها) عن ٣٥ سنة وذلك من بين المرشحين الثلاثة الاوائل، و من بين كل ستة مترشحين تباعا في بقية القائمة طبعا مع إجبارية ان يكون هنالك مترشح او مترشحة حامل(ة) لإعاقة جسدية مع وجوبية حمل بطاقة الإعاقة.
ويعتبر إدراج الشباب في القائمات الحزبية، الائتلافية أو المستقلة على حد السواء هو شرط اساسي و مخالفته تؤدي إلى إسقاط القائمة أو حرمانها من المنحة العمومية.
وتبدو النتائج الاولية القائمات المقبولة ترشيحاتها إيجابية،اذ فاقت نسبة العنصر الشبابي في القائمات المترشحة نسبة ٥٠ % وهو رقم هام في المعادلة الانتخابية.
لكن هل سيكون الشباب فعلا عنصرا فعالا في الحياة السياسية و خاصة المحلية بعد سنوات عديدة من التهميش و الإقصاء؟ أم ان هذه النسبة العالية من الترشحات الشبابية في الإستحقاق الإنتخابي القادم لا تعني بالضرورة إهتمام الشباب هذه المحطة الانتخابية كغيرها من المحطات السابقة؟
كيف ينظر بعض الشباب إلى هذه المحطة الإنتخابية الفاصلة؟
صدام العكرمي : ٢٧ سنة، ناشط سياسي و مواطن مستقل - الرقاب

يقول العكرمي أنه ضد الإنتخابات البلدية في ظل الأوضاع السياسية الراهنة. فالذين تقدموا بقوائم انتخابية في مدينته هم في الأغلب من تقدموا للانتخابات البلدية تحت حكم زين العابدين بن علي وهو ما يفسر بقاء الوضع على حاله وتواصل السياسات القديمة التي همشت مدينة الرقاب و لم تخدم إلا مصالح الاقلية الضيقة التي تحكم سياسيا.
يرى العكرمي في تجربة واحة جمنة في جنوب تونس مثالا يحتذى به في التسيير الذاتي دون الحاجة إلى مجالس بلدية منتخبة و يقول:
''لو أرادت الدولة حقا التغيير الجذري على المستوى الجهوي و المحلي، لشجعت مبادرات مثل التي صارت في جمنة و التي أثبتت حقا فاعليتها وجدواها في تغيير الأوضاع إلى الأفضل، على المستوى المحلي أي بتأثيرها على حياة الأفراد و ايضا على مستوى الدولة ."
وتبقى الإنتخابات حسب الشاب المستقل ''مناسبة صورية'' لإعادة نفس الطبقة السياسية القديمة إلى الحكم.
تجربة واحة جمنة في جنوب تونس مثالا يحتذى به في التسيير الذاتي
في وجهة نظره النسبة العالية للمشاركة الشبابية في القوائم الانتخابية البلدية ليست دليلا على المشاركة الفعلية و الواعية للشباب بل يعتقد ان الكثير من الشباب يعمل في الحقل السياسي بمنطق ''الاسترزاق أي التمعش'' و ليست بدافع وعي حقيقي متجذر من أجل التغيير و خلط أوراق اللعبة السياسية التي يحكمها من تورط في الماضي في السرقة و الفساد و المزيد من التهميش الممنهج.
ويتهم العكرمي الأحزاب السياسة بإستعمال الشباب كورقة رابحة في غياب كتلة انتخابية هامة في بعض المناطق الداخلية بالإضافة إلى إختفاء الأطراف السياسية الحزبية وراء قائمات مستقلة. و في ظل الصراع السياسي القوي و المتسم بالتجاذب بين قطبين سياسيين واضحين، يرى العكرمي أن معركة الشباب في هذه الإنتخابات معركة خاسرة منذ البداية و لن يتمكن الشباب،حتى و إن تم انتخابهم للمجالس البلدية، أن يغيروا الأوضاع على أرض الواقع.
منى خلاص : ٢١ سنة طالبة في القانون العام في كلية العلوم القانونية والسياسية والاجتماعية بتونس - المرسى

لا تتفق الشابة منى خلاص مع صدام في الرأي. فهي تؤمن بقدرة الشباب على المشاركة في الحكم المحلي و المساهمة في دفع عجلة التنمية محليا و جهويا وذلك عبر المشاركة الفاعلة في المجالس البلدية و التي سيتم انتخابها قريبا.
''أنتمي إلى قائمة مستقلة لأنني لا أؤمن بالإحزاب بل أؤمن بوجود مبادرات مواطنية ليس وراءها دوافع ربحية ولا حزبية.''
هكذا بدأت منى خلاص بالحديث عن تجربتها في الترشح للإنتخابات البلدية. تقول الشابة أنها لم تكترث في الماضي للإنتخابات التشريعية و الرئاسية فهي غنيمة يتقاسمها الأحزاب فيما بينهم عكس الإنتخابات البلدية، حسب اعتقادها، فهي تهمها بطريقة مباشرة.
و بحكم دراستها للقانون العام، تشعر منى من تمكنها من مفاهيم البلدية و الإدارة و تركيز اللامركزية و غيرها من المفاهيم الخاصة بالحكم المحلي و لذلك ترشحت ضمن قائمة مستقلة إلى الانتخابات البلدية القادمة.
تقول منى '' اقطن في المرسى بالضاحية الشمالية لتونس، و رغم ما يعتقده الكثيرون من تمتع المواطنين بخدمات بلدية ذات جودة عالية، إلا أن مناطق عديدة على غرار الرياض و سيدي داود و البحر الازرق و بوسلسلة و حي الحبيب هي أحياء تفتقر إلى التنمية و أيضا إلى العديد من الخدمات البلدية الجيدة. و رغم ان بلدية المرسى هي من اغنى البلديات في تونس، إلا ان نسبة الفساد الإداري والمالي فيها مرتفعة جدا''.
وهنا يأتي حسب رأيها دور الشباب و الشابات في المشاركة الحقيقية في صنع القرار السياسي المحلي و الحد من الفساد المتفشي في البلديات منذ النظام السابق.
هناك نقصا واضحا في النساء المشاركات في صنع القرار
و تقول منى خلاص ايضا ان دافعها ليس فقط شبابيا. هي ترى أن هناك نقصا واضحا في النساء المشاركات في صنع القرار و ان الطبقة السياسية هي ذكورية بامتياز و تقول ''حان الوقت لكي تشارك المرأة بصفة فاعلة وقوية في الحياة السياسية بصفتها مواطنة كاملة الحقوق و الواجبات. و يمثل قانون التناصف الأفقي و العمودي الذي أقرته الهيئة العليا المستقلة للإنتخابات فرصة تاريخية للشباب و النساء للمشاركة في العملية السياسية، وتضع هذه القوانين السياسيين امام إجبارية تشريك النساء و الشباب، ليس فقط لان القانون يلزمهم بل ايضا هي فرصة ليكتشفوا فيها القدرة الكبيرة لهذه الشرائح المجتمعية في العمل السياسي''.
وعن انتظارها من المجالس البلدية القادمة تقول '' يشعر أغلب المواطنين وخاصة الشباب منهم بالإحباط. المحطة الانتخابية القادمة هي فرصة لنرى اشياء تتغير نحو الافضل في مجالات عدة كالنقل والصحة والثقافة و الرياضة و الترفيه فتدهور الخدمات يمس بطريقة مباشرة الفئات الشبابية التي تستعمل وسائل النقل العمومي و ترتاد دور الثقافة و لها رؤيتها الخاصة للتجديد والابتكار ''.
تتفق منى مع صدام العكرمي في ان الاحزاب تستعمل الشباب وقت الإنتخابات أو للتجييش خلال المظاهرات والتحركات الاحتجاجية في الشارع ولكن ليس في القرار السياسي و يبقى المنتفع الأكبر هي الطبقة السياسية التي استفادت لمدة طويلة من التغييب المقصود للطاقات الشبابية.
مجدي الحسيني : ٢٦ سنة عضو مكتب وطني في حزب نداء تونس - بن عروس

يعتبر مجدي الحسيني ، وهو ناشط حزبي و جمعياتي في ولاية بن عروس في إقليم تونس الكبرى، أنه مهما كانت نسبة الشباب المشارك في القوائم الإنتخابية فإنها مؤشر إيجابي للمشاركة السياسية بالمقارنة بالمحطات الانتخابية الفارطة.
'' نسبة ٥٢% هي نسبة مشاركة عالية حتى بالمقارنة بالنسبة التي فرضتها الهيئة العليا المستقلة للإنتخابات. وهي خطوة اولى و ليست نهائية نحو التشريك الكامل و المطلق للشباب في الشأن العام''.
ويفسر مجدي الإحباط الذي تعرفه الطبقة الشبابية بخذلان الطبقة السياسية وتحديدا الأحزاب المنتخبة تباعا في ٢٠١١ و ٢٠١٤ لمطالب الشباب و تطلعاتهم بعد ثورة الحرية والكرامة. ومن اجل تحقيق هذا التشريك الفعلي للشباب يجب على المجالس البلدية المنتخبة العمل جنبا إلى جنب مع الشباب الذي لم يشارك في القائمات الانتخابية او في العملية الإنتخابية مطلقا.
في نهاية المطاف على الشاب أن يقرر هل هو فاعل أو مفعول به
يقارب عدد الشباب الذين لا يشاركون في الشأن العام و يشمل ذلك أيضا العمل الجمعياتي و الحزبي و المواطني و ارتياد دور الثقافة المليون شاب لا تعرف الدولة، حسب الحسيني، كيف ينشطون و ماهي مساهمتهم في الحياة العامة.
ويقول الحسيني أن قانون الجماعات المحلية يسمح لأكبر عدد ممكن من الشباب بما في ذلك الشباب المقاطع للانتخابات او غير المشارك في السياسة بصفة عامة من المشاركة في صنع القرار لأن التشاركية خيار لا مفر منه، اذ أن البلديات التي لا تشرك المجتمع المدني والمبادرات الوطنية المستقلة لن تتمتع بالمنح العمومية و لن يكون لها الحق في القروض. قائلا: ''إذا ستجد البلديات نفسها مجبرة بطريقة او باخرى على تشريك اكبر عدد ممكن من المواطنين و خاصة الشباب في العملية السياسية ''.
ويضيف الحسيني '' هنالك نوع من الشباب الذي يسمح للأحزاب أن تستعمله لغاياتها السياسية والإنتخابية ولكن في نهاية المطاف على الشاب أن يقرر هل هو فاعل أو مفعول به.على الشباب أن يرتقي إلى مرحلة التفكير والتخطيط لقطع الطريق أمام الأحزاب لاستعماله كآلة إنتخابية ودرع بشرية و لكن هنالك شباب دخلوا الاحزاب من اجل الوصول إلى مراتب اتخاذ القرار والمشاركة في صنعه ووجد بعضهم صدا وعرقلة صلب الهياكل الحزبية و بعضهم وجد فرصا لتحقيق هدفه''.
يصف الحسيني تجربته في نداء تونس قائلا '' ساهمت في تأسيس الحزب في سنة ٢٠١٢ فهو الحزب الذي ولدت فيه وترعرعت فيه سياسيا. ففي ما يخص جهة بن عروس ، لا يتجاوز عمر المنسق الجهوي للحزب ٣٥ سنة ولم يتجاوز معدل اعمار اعضاء المكتب الجهوي بن عروس ٣٥ سنة و لذلك أظن أن الخطوات التي قام بها الحزب إلى حد الآن هي خطوات إيجابية و داعمة لسياسة تشريك الشباب في صنع القرار السياسي''.
للشباب التونسي آراء مختلفة حول المحطة الانتخابية القادمة و أهميتها كخطوة أولى لتركيز مشاركة شبابية محلية في أخذ القرار السياسي. لكن عودة محتجين شباب إلى الشوارع للمطالبة بالشغل و اندلاع صدامات جديدة بينهم وبين أفراد الشرطة دليل على عودة التوتر إلى العلاقة التي تجمع شقا واسعا من الشباب بمؤسسات الدولة وهو ما سيؤدي بدوره إلى تواصل القطيعة بين الشباب وخاصة في الجهات المهمشة و الدولة.
لقراءة المزيد
تلقَّ بريدنا الأسبوعي
تعليقات
نشجّع أي شخص على التعليق. الرجاء الرجوع إلى openDemocracy تعليمات أسلوب التعليق الخاص ب ن كان لديك أسئلة