Home

الغطاء النباتي واثره على التغير المناخي في العراق

يعاني العراق ارتفاع في درجات الحرارة وتأثير الرياح الجافة وتكرار العواصف الغبارية في المنطقتين الوسطى والجنوبية بوجه خاص ويتطلب فهم اثارها البيئية والاقتصادية والاجتماعية والصحية وربما السياسية في الوقت الحاضر والمستقبل، للوصول الى الوسائل الناجعة لتقليل الاثار السلبية.

كرار علي
20.06.2017
iraq_amo_2016051_lrg.jpeg

NASA image by Jeff Schmaltz, LANCE/EOSDIS Rapid Response. Some rights reserved. ينشر هذا المقال بالتعاون مع "كلايمت تراكر"

أصبح التغير المناخي وآثاره الشغل الشاغل للعالم هذه الأيام ، فالكوارث الطبيعية كالجفاف الشديد والمجاعة في الصومال والإعصار الذي ضرب المكسيك أخيراً وبلغت سرعته 256 كم/ س وموجة الحر الشديدة في الولايات المتحدة الامريكية , وغيرها من المظاهر كلها مؤشرات على حدوث التغير المناخي.

ويعد الغطاء النباتي من العوامل المهمة للحفاظ على توازن الغازات في الجو وله اثر ايجابي في تخفيف ظاهرة الاحتباس الحراري. يغطي النبات ما يقرب من 20 ٪ من كوكب الأرض، فإنه ليس من المستغرب أن النباتات تؤثر على المناخ بشكل كبير .

يعاني العراق ارتفاع في درجات الحرارة وتأثير الرياح الجافة وتكرار العواصف الغبارية في المنطقتين الوسطى والجنوبية بوجه خاص وكل ارض العراق بوجه عام، وبالتالي يتطلب فهم اثارها البيئية والاقتصادية والاجتماعية والصحية وربما السياسية في الوقت الحاضر والمستقبل، للوصول الى الوسائل الناجعة لتقليل الاثار السلبية وتحقيق النتائج الملموسة في خفض تزايد ارتفاع درجات الحرارة والغبار من جهة والنهوض بالبيئة وتشغيل الانسان واستثمار النتائج المتحققة اقتصادياً واجتماعياً وبيئياً من جهة أخرى. يوضح هذا المقال عرضا مقتضباً (نسبياً) لدور الغطاء النباتي واهمية الاستزراع وانشاء الغابات والمحميات النباتية وما تعكسه من فوائد مختلفة للانسان والبيئة لجعل مدن العراق التي تقع على حواف الصحاري عموماً، وبغداد خاصةً نموذجا بيئياً ، ولكي يتم خفض درجة الحرارة وتحقيق تقليل اثار العواصف الغبارية وتلطيف المناخ.

دور المناطق الزراعية والاشجار في حماية البيئة

تؤثر الاشجار والشجيرات بشكل مباشر او غير مباشر على البيئة المحيطة بها، فتحمي موارد الانتاج وتحفظ التربة من التعرية والانجراف وتساعد في زيادة مخزون المياه الجوفية وتحسين نوعية المياه السطحية وتقلل من الترسبات الطينية والطميية في السدود والخزانات وتحفظ قدرة الاراضي الانتاجية وزيادة المادة العضوية وتقلل خطر الملوحة والجفاف من خلال التظليل الكبير لسطح التربة وانعكاسه على تقليل التبخر/ النتح وبالتالي تقليل شدة الحرارة الناجمة عن اشعة الشمس او المنعكسة من سطح الارض، كما تؤثر في حركة الرياح وتزيد سقوط الامطار وبالتالي دورها الايجابي الكبير في تغيير المناخ. وفيما ياتي وصفا موجزا لبعض هذه التاثيرات.

التاثير في المناخ

يساهم وجود وتزايد الغطاء النباتي والغاباتي منه بشكل خاص من دون ادنى شك في نشوء النظم البيئية المناخية الموضعية التي تؤثر في مناخ العراق ايجابا، لما تشكله من دور مهم في بناء الكتلة الحيوية والكساء الخضري واتساع نطاقها وكثافتها وانشطتها في البناء الضوئي وما ينجم عنها من العمليات الحيوية المتعلقة بامتصاص غاز ثاني اوكسيد الكاربون والتبخر والنتح، فالغطاء النباتي ليس صديقاً للبيئة فحسب، بل يمثل حجر الزاوية في بنائها. خير مثال ودليل على ذلك هي التاثيرات السلبية الناتجة عن تجفيف الاهوار وازالة الغابات وقطع الاشجار وانعكاسها على ارتفاع درجة الحرارة والرياح الجافة المصحوبة بهبوب العواصف الغبارية وقلة سقوط الامطار في مناطق مختلفة في العراق. فالدونم الواحد من اشجار الغابات يمتص 140 كغم من ثاني اوكسيد الكاربون، الذي يعد المساهم الاول في ظاهرة الاحتباس الحراري. فكم بالاحرى من الغاز الممتص للملايين من الدونمات الغاباتية، وما يقابله من انتاج للاوكسجين وبخار الماء، الى جانب امتصاص 3-5 طن/ دونم من الغبار سنويا، وتنقية الهواء وتلطيف الجو وتقليل اثر الملوثات وخفض درجة الحرارة، وينعكس بالنتيجة على راحة الانسان وصحته واطالة عمره.

صيانة التنوع البيئي والحياتي

تتفاوت الاشجار والشجيرات فيما بينها من حيث تركيبها المظهري والوراثي والهندسي مما يجعلها من اغنى المجاميع النباتية في الاختلاف الوراثي في بيئاتها بسبب تنوع الظروف المحلية المحيطة واختلاف ظروف التلقيح وتوليف التراكيب الوراثية الجديدة التي تخدم التنوع الحياتي. النخيل من الامثلة الشائعة والمعروفة في العراق ، حيث يزيد عدد الاصناف على 600 بحسب الاحصاءات والمراجع العلمية ومنها الدليل العراقي لسنة 1934، مع الاشارة الى ان بعض المصادر تؤكد على اكثر من هذا العدد من اصناف النخيل من خلال التهجين والانتخاب، ومثلها بالنسبة لأشجار الغابات الاخرى. ان توافر المحميات النباتية والغاباتية سيتيح بلا شك الفرصة لضمان استمرارية بقاء وتطور وزيادة تنوع هذه الانماط الوراثية بما يخدم الانسانية في المستقبل.

صيانة موارد المياه والتربة

للاشجار دور فعال في توزيع مياه الامطار والحد من طاقتها الحركية. يتعزز هذا الدور ايجابيا بزيادة الكثافة النباتية عموما، تتحسن خواص التربة نتيجة تقليل اثر الرياح من جهة وتوفير المادة العضوية التي تزيد من قابلية التربة على الاحتفاظ بالماء وبالتالي النفاذية العالية التي تؤدي الى زيادة امتصاص المياه الجارية والحد من تاثير تدفقها (تقليل اثر السيول) وتنشيط ميكروبات التربة، مثلما تعمل جذور الاشجار والشجيرات النافذة في اعماق التربة على تكسير الطبقة الصماء وتفتيت الصخور وامتصاص العناصر المعدنية وضخها الى سطح التربة، مما يتيح القدرة على صيانة التربة واعادة تأهيلها باستمرار. تستخدم الاشجار المزروعة وفق نظام هندسي معين مصدات للرياح وتقليل او ايقاف زحف الصحراء، فضلا عن المساعدة في تقليل انجراف التربة بنسبة تزيد عن 55% وتقليل اثر الملوحة والجفاف واطالة عمر السدود المعدة لخزن المياه وتحسين نوعية المياه.

حماية البيئة البشرية

 

من قراءة الكتب السماوية على سبيل المثال لا الحصر نستذكر التين والزيتون (سورة التين، القرآن الكريم) ، وقول الرسول الكريم محمد (ص) بحق النخلة "عليكم بعمتكم النخلة" على ان هذه النباتات المباركة قد افرزت دورا مهما في حياة الانسان منذ الازل ولا زالت تؤثر في اقتصاديات العديد من الدول. يستشف من ذلك وجوب تطوير المرافق السياحية والانتاجية والترفيهية، ولا شك في ان المنافع العلمية احد اكثر الجوانب اهمية، اذ يتخذها علماء البيولوجيا والبيئة والنبات والجغرافيا والجيولوجيا وعلوم التربة والمياه والمناخ وحتى التاريخ والاثار وسيلة لتوفير مستلزمات البحث العلمي التي تنعكس على تحقيق الجانب التطبيقي الذي يخدم الانسان وبيئته.

اما الدور السياحي للغابات فهو من الجوانب المتميزة التي يمكن تسخيرها بفاعلية كبيرة لخدمة الدخل الوطني والمجتمع السكاني القريب منها. يتفق الكثيرين على ان تطوير السياحة في شمالنا الحبيب على اساس جمال الطبيعة وما يجاورها من التراث العراقي الزاخر من الاثار والمرافق الدينية، ومثلها في مناطق العراق الاخرى، سيعود بالمنفعة الاقتصادية غير الناضبة، كونها اجمل بكثير من مثيلاتها في الدول الاوروبية. كما انها تساعد في قيام حرف ومهن جديدة مثل الصيد والقنص والمشافي الصحية والعلاج الطبي والنفسي بعيدا عن التلوث والضجيج.

الاستنتاج

للغطاء النباتي تاثيرات ايجابية كبيره تمس حياة الانسان بكل جوانبها وفي الوقت المعاصر اصبح له حاجة كبيره في التاثير على المناخ وتلطيف الجو في العراق ، لذلك يتطلب الامر تشجيع الاستثمار الغاباتي واقامة الغابات والمحميات وفق اسلوب علمي مدروس وبعيد المدى لكل مناطق العراق، وهو بمثابة دعوة لاعادة احياء فكرة الحزام الاخضر لمدينة بغداد التي غفت باحضان دجلة والفرات وصحت مبكرة بسبب حر تموز وآب اللهّاب، وهي فكرة ليست جديدة، يتوجب على المعنيين وكل المختصين في وزارات الدولة والانسان العراقي بوجه عام، اعادة فتح الملفات السابقة برؤية علمية جديدة لتاهيل الغابات الطبيعية والسعي الى توطين واقامة الغابات والاحزمة الخضراء والمتنزهات في داخل المدن، فنزرع نخلة او شجرة زيتون او نبق او سرو لتحقيق الفوائد الصحية والغذائية وتوفير فرص العمل، فنعيد بغداد الى سابق عهدها الناظر الجميل، ليترحم علينا الاحفاد ويذكرونا بالذكر الحميد.

فكما قال الجواهري عن بغداد (حييت سفحك عن بعد فحييني    يا دجلة الخير يا ام البساتين)

Had enough of ‘alternative facts’? openDemocracy is different Join the conversation: get our weekly email

تعليقات

نشجّع أي شخص على التعليق. الرجاء الرجوع إلى openDemocracy تعليمات أسلوب التعليق الخاص ب ن كان لديك أسئلة
Audio available Bookmark Check Language Close Comments Download Facebook Link Email Newsletter Newsletter Play Print Share Twitter Youtube Search Instagram WhatsApp yourData