Home

نيتفليكس والمنطقة العربيّة سياسات الهويّة لم تمرّ من هنا

هل تلعب أجندة مسبقة للشبكة الدور الأكبر في تحديد خياراتها في المنطقة العربيّة؟

وسيم الشرقي
02.12.2018

Screen Shot 2018-11-26 at 19.36.04_0.png

No attribution needed. أثناء تسلمّها جائزة Screen Actors Guild Award لعام 2016 بصحبة باقي أفراد فريق عمل مسلسل Orange is the new black عبّرت الممثلّة والمخرجة الأمريكيّة لاورا بريبون وسط حماستها الشديدة عن فخرها بـ"التنوّع" الذي يميّز فريق عمل المسلسل الأمريكي الشهير الّذي تنتجه وتعرضه شبكة نيتفلكيس منذ عام 2013. "انظروا إلى الخشبة، هذا ما نتحدث عنه عندما نتحدّث عن التعدّدية: أعراق، ألوان، قناعات دينيّة، وتوجّهات جنسيّة، شكراً جزيلاً!".

مديح التعدّدية الذي استخدمته بيربون للإثناء على زملائها، لم يكن منفصلاً عن تحوّلات طرأت على المسلسل ذاته

مديح التعدّدية الذي استخدمته بيربون للإثناء على زملائها، لم يكن منفصلاً عن تحوّلات طرأت على المسلسل ذاته خلال مواسمه المختلفة، لجهة الاهتمام المتزايد بإظهار التنوّع والتعدّدية في مجتمع سجن النساء الأميريكي، الذي تدور معظم أحداث المسلسل داخله، ليغدو المسلسل مع الوقت أكثر اقتراباً للصوابيّة السياسيّة واجبة التمثيل، خاصة في مواسمه الأخيرة، أو حتّى في مسلسلات وأفلام أخرى من إنتاج شبكة نيتفليكس. الأمر الذي أدّى إلى تذمّر بعض مشاهدي الشبكة العملاقة، من الإقحام القسري للصوابيّة السياسيّة في أعمالها.

نيتفليكس في السوق العربي

كالولادة المتعثّرة التي ينتظرها الجميع، تدخل نيتفليكس تدريجيّاً على السوق الكبير الذي تشكلّه المنطقة العربيّة. ومع اشتباك سياسات الشبكة العملاقة مع العديد من القضايا المرتبطة مثلاً بخطر نيتفليكس على صناعة السينما في العالم، أو هوس الشبكة بعكس المزاج العام لتنامي سياسات الهويّة في إنتاجاتها كما ذكرنا، تبدو المنطقة العربيّة معنيّة بأسئلة أخرى بالعلاقة مع منصّة نيتفليكس.

فعلى المستوى الأوّل، يبرز سؤال القرصنة الإشكالي لمنصّات عرض محتوى أصلي مثل نيتفليكس، فكثير من بلدان المنطقة العربيّة لا تجرّم تحميل الأفلام والمسلسلات بشكل "غير قانوني"، خاصة مع غياب قوانين تحمي حقوق الملكية. بالإضافة إلى ضعف خدمات الدفع الإلكتروني في عدد من الدول العربيّة، ما يجعل دخول الشبكة إلى مثل هذا السوق غير المضبوط نوعاً من المغامرة.

ولكن على مستوى ثان لعلاقة نيتفليكس بالمنطقة العربيّة، يبرز السؤال عن المحتوى الذي من الممكن أن تنتجه الشبكة بشكل خاص للمنطقة العربيّة، بخاصّة بعد العمل الأوّل الذي قدّمته، وهو عرض كوميديا من أداء اللبناني عادل كرم، والّذي قوبل بنقد سلبي، سواء من ناحية ضعف الكوميديا الّتي قدّمها، أو تعارض نوعيّة الكوميديا الّتي قدّمها مع صوابية نيتفليكس في مناطق أخرى من العالم.

إذ ركّز الممثل اللبناني في عرضه على نوع الكوميديا الذي يعتمد على الصور الهويّاتيّة النمطيّة، الذي يبدو أنّ الشبكة تحاول اللعب على فكرة محاربته في الكثير من أعمالها الأصليّة، أي المنتجة من قبل الشبكة، وليست تلك التي تشتري حقوق بثّها من شركات إنتاج أخرى بغرض العرض فقط، كما في حالة مسلسل Friends الشهير الذي أثار عرضه مؤخراً على الشبكة سخط شريحة من متابعيها لتضمنّه محتوى ينتمي إلى نوع الكوميديا التي قدّمها كرم في برنامجه.

جدار مصمت في وجه التحرّر

الصدمة السلبيّة حول أداء نيتفليكس المحتمل في المنطقة العربيّة تعزّزت مع اختيار الشبكة لمسلسل "الهيبة" اللبناني، للكاتب السوري هوزان عكو، لتقدمه لمشاهديها حول العالم. فالمسلسل الذي أنتج منه جزآن حتّى اليوم، أثار أيضاً انتقادات واسعة لجهة تغزلّه بقيم ذكوريّة الطابع، كالقوّة البدنيّة والسلاح. هذا بالإضافة إلى دعوى قضائيّة توجّه بها أهالي منطقة بعلبك اللبنانيّة ضدّ الشركة المنتجة للمسلسل، على اعتبار أنّه يمسّ بسمعة أهل المنطقة.

ومن هنا، من الممكن طرح سؤالين مختلفين: هل تلعب أجندة مسبقة للشبكة الدور الأكبر في تحديد خياراتها في المنطقة العربيّة؟ أمّ أنّ سوق الإنتاج التلفزيوني العربي تحمل تناقضاتها الذاتيّة التي أدّت إلى تفاعل نيتفليكس معها بهذه الطريقة؟

تبدو الإجابة على السؤال الثاني ربّما أكثر أهميّة للاهتداء إلى فهم أدق للواقع الحالي للصناعة التلفزيونيّة في المنطقة العربيّة، والتي يبدو أنّها تعاني في نسخها الأغزر إنتاجاً في مصر وسوريا من أزمات متواصلة، سواءً في مرحلة ما قبل الثورات في البلدين أو في الأعوام التالية، لذلك تبدو عمليّة الإنتاج التلفزيوني العربي أشبه بعملية إدارة أزمة مستمرّة، أقلّه على مستوى النقد المكتوب حول الدراما التلفزيونيّة في المنطقة.

ولكن يبدو أيضاً أنّ "الأزمات" المفترضة التي تعاني منها صناعة المسلسلات التلفزونيّة العربيّة، تتقاطع مع آليّة تجسّد سياسات الهويّة في شبكة نيتفليكس. فمن الواضح أنّ تصاعد تمثيل سياسيات الهويّة يأتي تلبية لمزاج شريحة واسعة من متابعي نيتفليكس في "الغرب" من النخب الأقرب إلى اعتناق سياسات الهويّة والمطالبة بانعكاسها على الفنون والسياسة والفضاء العام، وحيث أنّ هذا التوجّه يحتمل النقد بطبيعة الحال، إلّا أنّنا نريد هنا الاقتصار على ذكر وجوده الذي يمكن رصده كما في مثال Orange is the new black، و Master of None وغيرها من إنتاجات الشبكة.

أمّا في حالة المنطقة العربيّة، فتبدو عمليّة الاستجابة لمزاج النخب الثقافيّة معكوسة تماماً

أمّا في حالة المنطقة العربيّة، فتبدو عمليّة الاستجابة لمزاج النخب الثقافيّة معكوسة تماماً، فالصناعة التلفزيونيّة تبتعد على مستويين عن عمليّة تمثّيل مزاج النخب الثقّافيّة، وبخاصّة الشابة منها. فعلى المستوى الأوّل يلعب مصدر التمويل دوراً رئيسيّاً في تبنّي الأعمال التلفزيونيّة لأجندات معادية للقيم السياسيّة التحرّريّة، كما في حالة عدد كبير من المسلسلات التلفزيونيّة السوريّة المموّلة بأموال النظام السياسي، أو مصادر مقرّبة منه. الأمر الذي ينجز بصورة أقل حدّة في الدراما المصريّة.

وعلى المستوى الثاني تلعب عوامل بنيويّة في سوق الدراما العربيّة عاملاً حاسماً في تحديد شكل العلاقة بين المنتج والمستهلك، ففكرة الموسم الرمضاني الذي ينتج قبله مسلسلاً كاملاً بثلاثين حلقة للعرض خلال الشهر مع منافسة حادّة لكلّ ما أنتج خلال العام في المنطقة، تختلف بشكل جذري عن صناعة الدراما التلفزيونيّة في الولايات المتّحدة الأمريكيّة، أو حتّى في بلدان أقرب للمنطقة العربيّة مثل تركيّا مثلاً، حيث تشكّل حلقة تلفزيونيّة واحدة مادّة لتجريب المنتج في سوق العرض قبل إكمال إنتاجه في حال لاقت "العيّنة" رضى المتابعين واهتمامهم، وبطبيعة الحال تطوّر حلقات المسلسل اللّاحقة (أو أجزائه) بعلاقة تبادليّة مع الجمهور ومزاجه العام، وطبعاً عوامل أخرى متنوّعة.

هذه المحدّدات لعمليّة إنتاج الدراما التلفزيونيّة العربيّة تشكّل آليّات ممانعة مستمرّة ضدّ الإمكانيّات المحتملة لتمرير قيم تحرّرية سياسيّة عامّة، وفرديّة خاصّة ضمن المسلسلات، زد على ذلك الحذر الشديد في التعامل مع التلفاز كونه وسيطاً "يدخل كلّ بيت" و"في متناول كلّ أفراد العائلة"، وغيرها من السرديّات التي تشكّل حائطاً دفاعيّاً أوليّاً على مستوى الخطاب ضدّ محاولات خرق محاذير الرقابة التلفزيونيّة العربيّة متعدّدة الطبقات، الأمر الذي يبدو أن محاولات مختلفة تحاول اليوم خرقه على مستوى الإنتاج العربي، كما في مسلسل "بدون قيد" الذي اعتمد وسيط اليوتيوب لعرض حلقاته، وربّما لاحقاً في الإنتاجات العربيّة المنتظرة من نيتفلكيس.

ليس من المستبعد كليّاً أن نرى ممثلة عربيّة تحتفي على أحد منصّات التتويج في السنوات القادمة على طريقة لاورا بيربون بالتنوّع والاختلاف، بخاصّة في منطقة متنوّعة بطبيعة الحال كالمنطقة العربيّة، لكن يبدو أنّه كما يتزامن العصر الذهبي للتلفاز عالميّا مع أزمات تلفزيونيّة مستمرّة في المنطقة العربيّة، فإنّ الأمر ذاته يتكرّر مع "تريند" سياسيات الهويّة –أيّا كان منشأه- بما يحمله من نقاش، قد يكون مفيداً في منطقتنا أكثر من غيرها. ليتأخّر بدوره عن القدوم إلينا كحال الكثير ممّا ننتظر في هذه المنطقة من العالم.

Had enough of ‘alternative facts’? openDemocracy is different Join the conversation: get our weekly email

تعليقات

نشجّع أي شخص على التعليق. الرجاء الرجوع إلى openDemocracy تعليمات أسلوب التعليق الخاص ب ن كان لديك أسئلة
Audio available Bookmark Check Language Close Comments Download Facebook Link Email Newsletter Newsletter Play Print Share Twitter Youtube Search Instagram WhatsApp yourData