
مشهد بالقرب من محطة حماة مولاي علي شريف في المغرب. المصدر :jbdodane / Flickr.com (CC BY-NC 2.0) "أعولُ ثلاثة أطفال بهذا العمل. أزيد من عشر سنوات وأنا أزاول بيع الأكياس البلاستيكية، ولا أعرف مهنة سواها". هكذا يبرر أحمد بيعه للأكياس البلاستيكية الممنوع تداولها منذ سنة 2016. بسيارته المهترئة التي يعود عمرها إلى حوالي ثلاثين سنة، يجول أحمد بشكل شبه يومي الأسواق الأسبوعية بنواحي العاصمة الرباط، بالإضافة إلى محلات البقالة والأسواق الشعبية. وذلك بقصد توزيع وبيع أكياس البلاستيك للباعة بالجملة. حتى يوم الأحد الذي من المفترض أن يكون يوم راحة، يمضيه الأخير بين "سوق الأحد باللويزية"و"حد الصخيرات".
مرت سنتان على صدور المرسوم رقم2.16.174ونشره في الجريدة الرسمية (عدد 6458 - 21 أبريل 2016) القاضي بتنفيذ بعض أحكام قانون رقم 77.15، الصادر يوم 7 ديسمبر 2015، والذي يمنع استعمال وتداول الأكياس البلاستيكية ، دون تفعيل مقتضياته، وذلك في تقصير واضح من المكلفين بتنفيذه، والمتمثلين في ضباط الشرطة القضائية وأعوان الإدارة المعينين من طرف وزارة الداخلية، إضافة إلى الشرطة البيئية. فأكياس البلاستيك لا زالت رائجة في الأسواق، في ظل تسيب شبه تام.
هنا سوق "السويقة"،قلب مدينة الرباط النابض على مستوى التجارة التقليدية. ضجيج الباعة المتجولين يملأ المكان. لا شيء يُظهر أن أكياس البلاستيك قد مُنعت منذ سنتين. وباستثناء "الأكياس" الملونة والسوداء– التي اختفت من الوجود– فإن جُل العربات المتجولة والمحلات التجارية الصغيرة والمتوسطة تستخدم "الميكا" (الأكياس البيضاء) في تلفيف معروضاتها، نظرا لتكلفتها الزهيدة، حيث الكيلوغرام الواحد منها لا يكلف سوى 25 درهم (2.6 دولار)،مقارنة مع ما سمي بالأكياس البديلة، الذي كان يباع الكيس الواحد منها بحوالي درهم (0.11 دولار) للعموم، قبل أن تقوم عدد من المتاجر بمنحها بالمجان . علما أن جزء كبير من الزبائن يرفضون استعمال الأكياس الورقية التي تقدر تكلفتها ب 20 درهم (2.2 دولار) للكيلوغرام، نظرا لهشاشتها وعدم قدرتها على التحمل.
غداة دخول قانون "منع صنع واستيراد وتصدير وتسويق واستعمال الأكياس البلاستيكية" حيز التنفيذ في مطلع يوليو من عام 2016، سعت السلطات المكلفة بتنفيذ الأخير (القانون)إلى بذل أقصى جهودها في محاربة أكياس البلاستيك. وقد استعملت لأجل ذلك معظم الآليات المتاحة لها قانونيا، كالتفتيش الدوري والمتتالي للمحلات التجارية والأسواق الغير المهيكلة. يمكن القول إنها نجحت في المهمة مرحليا. وقد ساعد على ذلك تخوف الباعة من السقوط في مصيدة الغرامات الثقيلة التي جاء بها القانون الجديد، والتي تتراوح بين200.000 درهم ( 21.000 دولار) و 1.000.000 درهم (105.000 دولار) بالنسبة للمُصنعين، ومن 10.000 درهم (1050دولار) إلى 500.000 (52.000دولار) بالنسبة للباعة والموزعين. إلا أن "الهدنة" لم تدم طويلا، وعادت حليمة إلى عادتها القديمة.
"زيرو ميكا"... لأجل عيون منتدى الأمم المتحدة
ليس صدفة أن يتزامن صدور قانون منع الأكياس البلاستيكية، مع انعقاد مؤتمر الأمم المتحدة للتغيير المناخي (كوب 22) في دورته الثانية والعشرين بمدينة مراكش بين 7 و 18 نوفمبر من عام 2016. إذ أن طريقة إصدار القانون المتسرعة التي تمت من دون التشاور مع المعنيين، ولا دراسة مسبقة، عززت فرضية أن يكون القانون قد صدر فقط لأجل تلميع صورة المغرب (البلد المنظم)، وإظهاره كرائد في حماية البيئة أمام دول العالم.

المصدر: ملصق خاص بحملة "زيرو ميكا" (صفر كيس بلاستيكي) التي أطلقها الائتلاف المغربي من أجل العدالة المناخية ولعل الواقع يؤكد صحة هذه الفرضية. إذ قبل أشهر قليلة من انطلاق "كوب 22" – بعد صدور القانون رقم 77.15 – تجندت السلطات الأمنية والإدارية لأجل منع إنتاج وتداول الأكياس البلاستيكية. وبالفعل نجحت الأخيرة في مهمتها، بمساعدة من الإعلام الرسمي الذي كان يبث بشكل دوري أشرطة تحذر من استعمال الأكياس. لكن سرعان ما انتهى "الفيلم"، مع إسدال الستار على منتدى الأمم المتحدة للمناخ. وأصبح التقصير واللامبالاة هما سيد الموقف. وإن كان بين الفينة والأخرى يتم تفكيك مصانع سرية لإنتاج الأكياس، فإن ذلك ليس بالكافي، خصوصا مع الانتشار المهول للأكياس – أشهر قليلة بعد المؤتمر – كما توضح دراسة لجمعية "زيرو زبل ZeroZbel ".

المصدر: تقرير جمعية "زيرو زبل". ص: 9 معنى ذلك أنه رغم أن السلطات المكلفة بتطبيق القانون في مقدوريتها الحد من تصنيع وتداول أكياس البلاستيك، كما حصل في فترة بداية سريان القانون، فإن التزامها بإنفاذ القانون قد تراجع بشكل كبير مع بداية 2017.
وقد اعترفت النيابة العامة في دورية لها بخصوص الأمر في سبتمبر 2018 بالبطء الذي يشمل إنجاز الأبحاث وتهيئ الملفات وإحالتها على المحكمة.ويمكن أن نشبه الدور التي تلعبه السلطات في الحالة الراهنة بمن يستخدم صنارة صغيرة لأجل صيد سمك قرش ممانع وعصي على الاستقطاب، عوض استعمال شباك قوية ومتينة للإيقاع بالأخير.
منازل ومصانع
"سيكون قرار إحداث وحدة صناعية سرية لإنتاج أكياس البلاستيك داخل الميدان الحضري، غير موفق وغير آمن. باستثناء مدينة البيضاء– عاصمة المغرب الاقتصادية – فإن جُل المصانع السرية– التي غالبا ما تأخذ شكل منازل –تتموقع في البادية (تبعد عن المدينة بحوالي عشرين كيلومتر)" يقول سعيد وهو أحد باعة الأكياس البلاستيكية بمدينة الرباط، عن أماكن نشاط المصانع السرية.
تحولت مآرب و"كراجات" بعض المنازل في مدة وجيزة إلى مستودعات تخزين وإنتاج الأكياس الممنوعة. ف"ماكينات" الانتاج ليست كبيرة الحجم، ولا تصدر ضجيجا مزعجا حقا كما قد نعتقد. ويقدر سعيد (بائع الأكياس البلاستيكية) الوحدات الصناعية المنزلية لصناعة أكياس البلاستيك في مدينة البيضاء لوحدها بحوالي أربعين ورشة.
صناعة سهلة
"جُل الأفراد أصبحوا مؤهلين لتشغيل آلات إنتاج الأكياس بمفردهم". كما يشرح لنا سعيد. فما يحتاجه الشخص هو التعرف على سمسار أو وسيط –عبر علاقاته الخاصة أو الأنترنت– لشراء آلات الإنتاج، التي تكون قد دخلت إلى البلاد بطريقة غير قانونية (عبر التهريب)، أو عن طريق شرائها من إحدى المصانع التي غيرت نشاطها بفعل قانون حظر إنتاج أكياس البلاستيك.
"المسألة جد سهلة"، على حد تعبير سعيد. إذ أن التقني المرافق للسمسار سيشرح لك جُل مراحل الإنتاج، ومن المؤكد أنه سيقدم لك مع الآلة دليلا لكيفية تشغيلها. كما يمكن البحث في موقع يوتوب عن كيفية استعمال واستخدام آلة معينة، وستجد – غالبا – جُل مراحل الإنتاج مفصلة مرحلة بمرحلة كما في هذا الفيديو
أما
عن كيفية الحصول على المواد الأولية
لصناعة الأكياس، فيمكن (من
وجهة نظر سعيد)أن
تتحصل عليها من مصادر مختلفة، كالتي
تبيع لوازم صنع معدات مهنية مثل أنابيب
الغاز وخراطيم المياه،...
وعلى
العموم ليست بممنوعة، لأنها تُستعمل
في أكثر من مجال، وليست حصرا على قطاع
الأكياس البلاستيكية.
وعلى
سبيل المثال فإن مادة البولي
إثيلين (Polyéthylène) منخفض
الكثافة
(
(LDPE) التي
تعتبر أهم مادة في صناعة الأكياس
البلاستيكية، تستخدم في أنشطة متعددة
كصناعة علب حفظ الحليب، علب الأقراص
الصلبة،...
ويتمثل
المصدر الثاني للمواد الأولية لصناعة
"الميكا"
في
النفايات البلاستيكية، حيث بعد أن يتم
تدويرها، تصبح مادة خام لصناعة الأكياس
البلاستيكية.
وإضافة
إلى "التصنيع
السري"،
فإن المصدر الآخر للأكياس المحظورة يتمثل
في ما قد تم تخزينه في مستودعات الشركات
التي توقفت عن الانتاج عقب تنفيذ قانون
الحظر.
وبحسب
مصدر رفض ذكر اسمه (يتواصل
مع بعض هذه الشركات)
فإن
أغلب المصانع عرضت ما تبقى لها من الأكياس
للبيع في السوق السوداء.
وهناك
مصانع زادت في إنتاجيتها قبيل التوقف عن
إنتاج أكياس البلاستيك.
بيع عبر الأنترنيت
وأخيرا بعدما ظل الخط مشغولا لحوالي ربع ساعة، أجاب عبد الله– الذي كان قد أدرج إعلانا لبيع الأكياس البلاستيكية على موقع أفيتوAvito.ma –على المكالمة. بنبرة ممتزجة بالخوف جادل في ثمن وجودة الأكياس كأي تاجر يريد يبع سلعته. وعندما تم الحديث عن مكان التسليم، سرعان ما تراجع عن إتمام "الصفقة" و طلب من المتصل القَسَم على عدم إيذاءه، وذلك ما كان.

"سكرين شوت" لأحد إعلانات بيع الأكياس البلاستيكية الممنوعة يقول عبد الله أنه زاول مهنا متعددة، ولم يظل أمامه سوى بيع الأكياس البلاستيكية، فهي الآن مصدر من مصادره المتعددة للإنفاق على أسرته المعوزة. "أنا دوما معرض للخطر بسبب هذا الإعلان بالرغم من إدراج رقم هاتف غير مسجل باسمي الشخصي، لكن ماذا أفعل. ليس لدي خيار. طرف الخبز صعيب".
وعن مصدر الأكياس البلاستيكية يقول عبد الله أنه تعرف على موزع للأكياس عبر أحد أصدقائه. يلتقيه خلسة،ويتسلم منه شحنة الأكياس البلاستيكية دون معرفة مصدر ومكان صنعها.
كذبة الأكياس البديلة
بالموازاة مع تنفيذ قانون منع تداول وصنع الأكياس البلاستيكية، برزت أكياس ملونة، شبيهة بالقماش. وقد أطلِق عليها اسم الأكياس البديلة. والحال أن هذه الأكياس التي تعرف "بالأكياس غير المنسوجة" تصنع من مادة البولي إيثيلين (Polyéthylène)، نفس المادة التي تستخدم في صنع الأكياس البلاستيكية الممنوعة، بحسب ما جاء في مقال منشور على موقع منظمة Heinrich-Böll-Stiftung. وقد تنبعث رائحة البلاستيك مباشرة بعد حرق كيس من هذا النوع.
يشار إلى أن جزءًا كبير من المغاربة لا يستعملون الأكياس البلاستيكية فقط للتلفيف، إذ أن بعض محلات بيع الأغدية تستعمل الأخيرة في تعبئة الأطعمة الساخنة كالفاصوليا أو العدس. وهو ما يشكل خطرا كبيرا على صحة الفرد، ويمكن أن يؤدي به إلى الإصابة بأمراض خطيرة كالسرطان.
وقد أقرت وزارة الصناعة والتجارة والاستثمار الرقمي في لقاء نُظم حول تقدم تفعيل قانون منع تداول وبيع وإنتاج الأكياس البلاستيكية في مطلع يوليو الماضي بالفشل في الحد من استخدام أكياس البلاستيك، وقد أرجعت ذلك إلى ما أسمته بشيوع أنماط "جديدة للتزويد والتوزيع" كالورشات السرية والتهريب. وقد تحدثت الوزارة عن مشروع تعديل قانون يرمي إلى تعزيز المراقبة وتوسيع مجال تدخل السلطات.
أنجز هذا التحقيق تحت إشراف الصحفي أنس بنضريف، بالتعاون مع منظمة "المادة 19" والجمعية التونسية للصحافة الاستقصائية "تاج".
لقراءة المزيد
تلقَّ بريدنا الأسبوعي
تعليقات
نشجّع أي شخص على التعليق. الرجاء الرجوع إلى openDemocracy تعليمات أسلوب التعليق الخاص ب ن كان لديك أسئلة