Home

في الذكرى السابعة للثورات العربية: لازال الاستبداد يهيمن على دول المنطقة

متى نصل إلى الديمقراطية؟ ما السبيل إلى ذلك؟ هذه الأسئلة وغيرها أصبحت تُطرح بشكل روتيني ودائم. 

عبد اللطيف الحماموشي
27.02.2018
39470097194_813dca7d77_o.jpg

A boy confronts Egyptian military police South of Cairo, Egypt. December 17, 2011. Picture by Alisdar Hickson / Flickr.com (CC BY-SA 2.0).سبع سنوات مرت على الحراك الشعبي الذي شهدته المنطقة العربية ابتداء من سنة ٢٠١٠ وبداية سنة ٢٠١١. الشرارة الأولى لما يسمى بالربيع العربي انطلقت من بلدة صغيرة تدعى سيدي بوزيد بتونس، عندما أضرم البوعزيزي النار في نفسه يوم الجمعة ١٧ ديسمبر/كانون الأول سنة ٢٠١٠ أمام مقر ولاية سيدي بوزيد احتجاجا على مصادرة شرطية عربته التي كان يبيع عليها الفواكه والخضر، بعد صفعها له. انتقلت شرارة الاحتجاجات إلى كل من مصر و ليبيا و البحرين ثم المغرب وعموم المنطقة. إلى أن وبعد ٧ سنوات على انطلاق الربيع الديمقراطي، لازال مطلب الانتقال إلى الديمقراطية عالق بين مطرقة رجوع النظام القديم إلى الحكم، وصعود الثورة المضادة (مصر)، وتغول الأنظمة السلطوية (المغرب، البحرين) و بين سندان الحرب الأهلية (سوريا- ليبيا- العراق). 

متى نصل إلى الديمقراطية؟ ما السبيل إلى ذلك؟ هذه الأسئلة وغيرها أصبحت تُطرح بشكل روتيني ودائم على جدول أعمال الفاعلين في المنطقة في جل الندوات و النقاشات المتداولة في الحقل السياسي العربي. من دون إيجاد حل أو جواب لكيفية إنجاح الانتقال الديمقراطي المنشود، الذي من المفترض أن يقطع مع الاستبداد- النظام القديم، ويؤسس لديمقراطيات حرة، يصبح فيها الفرد "مواطن" لا "رعية" .

غير أن الثورة المضادة و الأنظمة السلطوية، أثبتت قوتها والتزامها التام بإجهاض أي مشروع ديمقراطي في المنطقة. وبمهاجمة كل القوى المضادة لها. وظلت بذلك شعوب المنطقة الحالمة بالديمقراطية تتخبط بين الديكتاتورية واستفاقة النعرات القبلية والاثنية والدينية والتدخلات الأجنبية (١).

تونس: تقدم مهدد بعودة النظام القديم

وسط كل هذه الانتكاسات والتراجعات التي يعيشها العالم العربي-المغاربي اليوم. ظلت التجربة التونسية النموذج الوحيد في المنطقة الذي قطع شوطا مهما في مسألة التحول الديمقراطي. إلّا أن هذا الأخير  يبقى "غير مكتمل"، إذ ما زالت قوى النظام القديم التي صعد جزء كبير منها إلى سدّة الحكم تتربص بمكتسبات الثورة، وتحاول الرجوع بالبلاد تدريجيا إلى الوراء. ومن بين تجلّيات ذلك كمثال، فقد تم مؤخرا منع الرئيس التونسي السابق منصف المرزوقي، المعروف بانتقاداته للمنظومة الحاكمة حاليا، من دخول إذاعة قصد إجراء حوار مع أحد منشطيها(٢). ورغم كل المؤشرات التي تبيّن تربّص قوى النظام القديم بمكتسبات الثورة، إلّا أن ما يمنع "الحرس القديم" من السيطرة التامة على مقاليد الأمور، هو قوة ونشاط المجتمع المدني التونسي، الذي يلعب دور رقابي ومدافع عن الثورة ومكتسباتها التي من أهمها الدستور التوافقي الذي خرج إلى الوجود في سنة 2014.

الثورة المضادة و الأنظمة السلطوية، أثبتت قوتها والتزامها التام بإجهاض أي مشروع ديمقراطي في المنطقة

مصر: القمع سيّد اللحظة

أما مصر، وبعد الانقلاب الذي قام به الجيش بقيادة الجنرال عبد الفتاح السيسي في الثالث من يوليو/تموز ٢٠١٣، عندما تمت الإطاحة بمحمد مرسي الرئيس المنتخب ديمقراطيا من السلطة، وسيطرة الجيش على  مقاليد الحكم. يعيش المجتمع المصري منذ أربع سنوات على أنغام الثورة المضادة وعودة النظام الاستبدادي بقوة وبشكل فجّ أكثر مما كان عليه في عهد مبارك والسادات. فالمعارضة بكل توجهاتها علمانية كانت أم إسلامية، يتم قمعها بشكل وحشي والزج بها في السجون بشكل تعسفي وظالم، وذلك يمر تحت التعذيب الممنهج التي تمارسه السلطات على المعارضين والصحفيين وأصحاب الكلمة الحرة. فبحسب تقرير لمنظمة هيومن رايتس ووتش صادر يوم ٥ سبتمبر/أيلول ٢٠١٧، تحت عنوان "هنا نفعل أشياء لا تصدق"، فإن ضباط وعناصر الشرطة وقطاع الأمن الوطني في مصر، في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي، يعذبون المعتقلين السياسيين بشكل روتيني و بأساليب تشمل الضرب، الصعق بالكهرباء، وضعيات مجهدة، وأحيانا الاغتصاب. إضافة إلى القمع الشرس الذي يمارَس على كل أطياف المعارضة، وسط تنديد حقوقي دولي بذلك، وصمت حكومات و هيئات عالمية تدّعي الدفاع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان.

 يستعمل النظام المصري "ماكينة إعلامية" للتشهير بالمعارضة وتخوينها، عبر البرامج التلفزيونية، أو عبر "الصحافة التابعة" التي لا تحترم أدنى حد للمهنية، فسب وشتم المعارضين و تخوينهم، واتهامهم بالتعامل لصالح جهات خارجية مثل أمريكا وإسرائيل "لزعزعة استقرار البلد" أصبح شبه يومي، وبشكل روتيني في عدد من المنابر الإعلامية المصرية.

وتشهد مصر اليوم أكبر حملة اعتقالات، لقيادات حزبية وشخصيات معروفة، عقب الانتخابات الرئاسية المزعم تنظيمها في ٢٨ مارس/آذار ٢٠١٨. "فالجنرال" قرر الدخول وحيداُ سباق الانتخابات، ومن أجل ذلك تم اعتقال وتوقيف وترهيب عدد من الشخصيات التي أعلنت ترشيحها لسباق الرئاسيات. فقد تم اعتقال سامي عنان رئيس أركان القوات المسلّحة المصرية سابقاُ، وأحمد قانصوه الضابط بالقوات المسلحة المصرية. فيما تراجع الفريق أحمد شفيق عن قراره بالترشح، بعد توقيفه أثناء رجوعه من الإمارات. كما انسحب المحامي اليساري خالد علي من الانتخابات بعد معركة التوكيلات الذي خاضها، ودعا إلى مقاطعة ما سماه "المهزلة الانتخابية".

تُبرر السلطة هذا القمع بدعوى محاربة الإرهاب وحماية الأمن القومي

وقد تم اعتقال عبد المنعم أبو الفتوح، رئيس حزب مصر القوية، يوم ١٤ فبراير/شباط، هو وستة من قيادات الحزب، بعد إدلائه بتصريحات لعدد من القنوات التلفزيونية أثناء زيارته الأخيرة للندن، هاجم خلالها نظام السيسي. وقررت النيابة العامة حبس الدكتور عبد المنعم ١٥ يوم على ذمّة التحقيق، وتم اتهامه ب "تولي قيادة في جماعة إرهابية، بث شائعات كاذبة من شأنها اثارة البلبلة وإحداث الفتن".

تُبرر السلطة هذا القمع بدعوى محاربة الإرهاب وحماية الأمن القومي. فقد اعتبر الرئيس عبد الفتاح السيسي أنه لا يوجد في مصر معتقلون سياسيين، وأن الموقوفين هم على علاقة بأحداث أمنية.

البحرين: ما من متنفس للحرية

لا يختلف الوضع في مصر عن البحرين، فالمملكة الصغيرة تعيش على وقع استبداد قوي، يتم خلاله سحق المعارضة بكل أشكالها، وبمختلف توجهاتها سواء الصحفيين و المدافعين عن حقوق الإنسان و النشطاء السياسيين أو رجال الدين الشيعة. ففي مايو/أيار ٢٠١٧ ثم مقتل خمسة متظاهرين في منطقة الدرز غرب مدينة المنامة خلال عملية أمنية لتفريق اعتصام لمؤيدي عيسى قاسم، رجل الدين الشيعي البارز في البلاد. ومنذ سنة ٢٠١١، تعيش البحرين موجة قمع رهيبة عقب خروج حشود من البحرينيين والبحرينيات في يوم ١٤ فبراير/شباط، مطالبين بإصلاحات جوهرية على مستوى شكل النظام الملكي ومضمونه. تعرّض المتظاهرون خلال ذلك للضرب وإطلاق النار العشوائي، وقتل بعضهم(٣) وسجن معظمهم بتهم مفبركة، في ظل محاكمات غابت فيها شروط المحاكمة العادلة. ولازالت حملة القمع الشرسة تتمدد على ربوع المملكة إلى حدود الآن. فبحسب مراقبين، فقد شكّلت سنة ٢٠١٦ تراجعا قويا عن الإصلاحات "المحتشمة" التي اتخذت عقب احتجاجات ٢٠١١. فقد أجرت الحكومة تعديلات قانونية مثّلت في واقع الأمر ارتدادا عن بعض توصيات "اللجنة البحرينية المستقلة لتقصّي الحقائق"، مثل السماح مرة أخرى بمحاكمة المدنيين أمام محاكم عسكرية(٤). أما بالنسبة إلى وضعية حرية الصحافة والتعبير، فالتضييق والمنع هما سيد الموقف. ففي الرابع من يونيو/حزيران ٢٠١٧، منعت السلطات البحرينية جريدة الوسط التي تعتبر الصحيفة الوحيدة المستقلّة في البلاد عن الصدور، على أثر نشرها مقال للكاتب قاسم حنين عن حراك الريف المغربي، تحت عنوان "الحسيمة المغربية تعيد قرع الأجراس"، بتبرير "مخالفتها القانون وتكرار نشر وبث ما يثير الفرقة بالمجتمع ويؤثر على علاقات مملكة البحرين بالدول الأخرى، بنشرها في عدد الأحد مقالاً يتضمن إساءة لإحدى الدول الشقيقة" كما جاء في بيان أصدرته وزارة شؤون الإعلام. وفي 28 نوفمبر/تشرين الثاني ٢٠١٧ تم منع الحقوقي البارز عبد النبي العكري والأمين العام السابق لجمعية وعد رضى الموسوي من السفر من طرف السلطات البحرينية بأمر من النيابة العامة من دون إعطاء تفسير للمنع.

المغرب: السلطوية في تقدم

غير بعيد عن الاستبداد البحريني، يعيش المغرب اليوم على وقع عودة قوية للتسلّط والقمع، أعلنت بذلك قطيعة مع ما سمي بالاستثناء المغربي، والعهد الجديد(٥)، فالمغرب مؤخّراً يعيش على وقع انتكاسة قويّة في مجال حقوق الإنسان، وتراجعات واضحة في مجال البناء الديمقراطي والحريات.

شهدت البلاد حدثين رئيسيين أظهرا وجه الدولة العميقة السلطوي، الذي لم يتأثر بعد بما جرى في المنطقة بشكل عام والمغرب بشكل خاص.

الحدث الأول هو الانسداد الحكومي أو ما سمي "بالبلوكاج Blocage " السياسي، الذي ظل المغرب خلاله أكثر من خمسة أشهر بدون حكومة. أصل الحكاية يعود عندما فاز حزب العدالة والتنمية الإسلامي في انتخابات السابع من أكتوبر/تشرين الأول  ب ١٢٥ مقعدا بقيادة زعيمه المثير للجدل عبد الإله بنكيران، إلا أن جهات في الدولة أرادت إبعاد بنكيران عن كرسي رئاسة الحكومة، نظرا لكونه يشكل إزعاج لبعض صنّاع القرار. وبحسب مراقبين ومتتبعين للشأن السياسي المغربي، فإن عرقلة المشاورات تمت عن طريق صديق الملك عزيز أخنوش، الذي صار أمين عام لحزب التجمع الوطني للأحرار، مباشرة بعد انتخابات السابع من أكتوبر/تشرين الأول، مما يؤكد فرضية أنه وضع خصيصا لإعاقة مشاورات تشكيل حكومة بنكيران، نظرا لأن الرجل الثري لديه نفود قوي في الساحة السياسية والاقتصادية، كقربه من القصر الملكي. و بعد خمسة أشهر من المفاوضات دون تشكيل الحكومة، وفي مارس/ آذار من سنة ٢٠١٧، تم تعيين الرجل الثاني في حزب العدالة والتنمية الإسلامي، سعد الدين العثماني، الهادئ والمعتدل، رئيساُ للحكومة من طرف الملك، الشيء الذي رأى فيه الكثير تعبير عن أن الانتخابات في المغرب لا تعكس حقيقة إرادة الناخبين ولا تطلّعاتهم ما دام الأمر محسوما.

الحدث الثاني هو الحراك الذي شهدته منطقة أقصى الشمال المغربي، والذي يعود إلى يوم ٢٨ أكتوبر/تشرين الأول ٢٠١٦، حينما تعرض الشاب محسن فكري، وهو بائع أسماك بمدينة الحسيمة للطحن في شاحنة جمع القمامة بعدما تم رمي أسماكه في الشاحنة نفسها بزعم أنه ممنوع صيدها، مما أنتج عنه غضب شعبي و دعوات للتظاهر في كل مناطق المغرب، احتجاجا على "الحكرة" و الظلم الذي تعرض له هذا الأخير. استعملت السلطات المغربية كل الوسائل لقمع الحراك والحد منه، واعتقلت بذلك معظم النشطاء أبرزهم الشاب ناصر الزفزافي المتزعم للحراك والذي يواجه اليوم تهمًا ثقيلة أمام العدالة المغربية.

 أصبح أسلوب التشهير بالمعارضة ونشطاء حقوق الإنسان المستقلين عن الدولة شائع

كل ذلك يضاف إليه سعي الدولة إلى محاربة الصحافة المستقلة والتضييق عليها بمختلف الوسائل (منع الإشهار عنها، الاعتقالات، المحاكمات التي لا تنتهي،...).

كذلك أصبح أسلوب التشهير بالمعارضة ونشطاء حقوق الإنسان المستقلين عن الدولة شائع، بشكل يومي، عبر مختلف وسائل الإعلام الموجهة، التي أصبحت تستهدف الأفراد في سمعتهم وحياتهم الخاصة التي لا يمتلكون سواها داخل المجتمع، في انتهاك واضح للمهنية ورسالة الإعلام النبيلة.

من خلال كل ذلك يتبين لنا أن المنطقة العربية-المغاربية تعيش اليوم على وقع عودة قوية للسلطوية والقمع، إما عبر رجوع النظام القديم (بعد ثورات ٢٠١١) وصعود الثورة المضادة بدعم من أطراف داخلية وخارجية بهدف الحفاظ عن المصالح، أو عبر تقوية وتغوّل الأنظمة ذات النزعة الاستبدادية، مستفيدة من الإضطرابات التي تعيشها بعض دول المنطقة، مما يقوي خطابها لدى العامة.

ورغم كل ذلك لازالت القوى الإصلاحية والثورية تناهض هذه السلطويات القائمة كما واجهتها قبل ٢٠١١، ولازالت المطالب الديمقراطية تتصدر الساحة السياسية، مما يعزز فرضية أن المنطقة ستعرف مستقبلا انتفاضات شبيهة بما كان عليه الأمر بداية الثورات العربية. ولأن الأسباب التي قامت من أجلها الثورات مازالت قائمة فإن النتيجة ستكون حتما نفسها، أي انتفاضات عبر مختلف ربوع المنطقة، تتصدرها شعارات من قبيل "الديمقراطية الآن"، "حرية، كرامة، عدالة اجتماعية".

(١) كارم يحيى، تقديم مسعود الرمضاني، الديمقراطية الصعبة رؤية مصرية للانتقال التونسي، منشورات مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، تونس، 2016، ص 7.

(
٢) أنظر إلى بيان حزب حراك تونس الإرادة بتاريخ 29 أكتوبر 2017. 

(
٣) تقرير منظمة العفو الدولية، لا أحد يستطيع حمايتكم، عام من قمع المعارضة بالبحرين، ص 10، (2017).

(
٤) التقرير نفسه، ص 11.

(٥) ارتبطت كلمة العهد الجديد بقترة صعود الملك محمد السادس إلى الحكم، وذلك من خلال الانفتاح الجزئي الذي شهده المغرب حينها، وما نتج عنه من إنشاء هيئات مثل "الإنصاف والمصالحة"، التي تروم إلى حل مشاكل الماضي المرتبطة بسنوات " الجمر الرصاص" الحاصلة في فترة الملك الراحل الحسن الثاني، إلا أن ذلك ظل حبر على ورق، أو بعبارة أخرى "ديكور"، بدون تغيير جوهري حقيقي.

Had enough of ‘alternative facts’? openDemocracy is different Join the conversation: get our weekly email

تعليقات

نشجّع أي شخص على التعليق. الرجاء الرجوع إلى openDemocracy تعليمات أسلوب التعليق الخاص ب ن كان لديك أسئلة
Audio available Bookmark Check Language Close Comments Download Facebook Link Email Newsletter Newsletter Play Print Share Twitter Youtube Search Instagram WhatsApp yourData