Home

عدم المساواة المفرطة كنقيض لحقوق الإنسان

Alston.jpg

عدم المساواة المفرطة تقوض بشكل مباشر حقوق الإنسان، وهي مدعاة للعار لمنظمات حقوق الإنسان. مساهمة في النقاش على الرابط openGlobalRights في موضوع عدم المساواة وحقوق الإنسان.  EspañolFrançais, English

Philip Alston
27.10.2015

عالم يمتلك فيه 1% هم الأغنى 48% من الثروة العالمية، ويزداد فيه هذا الخلل بمعدل سريع، هو عالم ظالم. عدم المساواة الجذرية بكل تأكيد تعزز انتشار الفقر المدقع تماماً مثلما تعزز الثروة الفاحشة. وأفضل تعريف للفقر المدقع هو أنه وضع قد لا يتحقق معه معظم حقوق الإنسان. وبعبارة أخرى، عدم المساواة ليست فقط قضية اقتصادية، ولكنها أيضاً قضية تتعلق بحقوق الإنسان.

لقد بدأت الأطراف الاقتصادية الدولية الفاعلة –مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي (IMF) ومنظمة التجارة العالمية (WTO) ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD)– في الحديث عن العواقب الاقتصادية السلبية لمثل هذه الأوجه من عدم المساواة. وليس من قبيل المصادفة أن هذه هي نفس المنظمات التي تقاوم بإصرار السياسات التي يمكن أن تترجم حقوق الإنسان إلى سياسات وبرامج. وبطبيعة الحال، لا ينبغي إلقاء اللوم على المنظمات نفسها، ولكن على الحكومات التي تسيطر عليها. ومن المعلوم أنه، عندما تثار القضايا الاقتصادية والمالية في مجلس حقوق الإنسان، يجادل شخص ما دائماً بأن هذا ليس هو المنتدى المناسب لمثل هذه القضايا وأنه يجب تناولها في أماكن أخرى. وعندما تُبذل الجهود لإثارة قضايا حقوق الإنسان في المحافل الاقتصادية، تصر الحكومات نفسها على أن هذه القضايا يجب تناولها في مجلس حقوق الإنسان. وبعبارة أخرى، هي تسعى إلى عزل واستبعاد القضايا المتشابكة بشكل عميق.

كما ينبغي النظر إلى عدم المساواة المفرطة باعتبارها سبباً للعار على جزء من الحركة الدولية لحقوق الإنسان. كما ينبغي النظر إلى عدم المساواة المفرطة باعتبارها سبباً للعار على جزء من الحركة الدولية لحقوق الإنسان. تماماً مثلما تتحاشى المؤسسات الاقتصادية العالمية التعامل مع مشكلة حقوق الإنسان، فكذلك تتجنب منظمات حقوق الإنسان الرئيسية معالجة مشكلة الحقوق الاقتصادية. ومع ذلك، لا ينبغي خلط هذه الخيارات المؤسسية غير المنسجمة وغير المثمرة مع الإطار الفعلي لقانون حقوق الإنسان. ويتضح إنعدم المنطق في زعم صامويل موين، بأنه "حتى حقوق الإنسان المتحققة بشكل مثالي، متوافقة مع... عدم المساواة المفرطة"، أو بأن حقوق الإنسان "ليس لها أدنى علاقة بعدم المساواة".

الحقوق الاقتصادية والاجتماعية هي جزء أساسي من حقوق الإنسان، و يجب أن نحرص على ألا نساوي الجهود الدؤوبة –التي تبذلها الولايات المتحدة على مدى عدة عقود زمنية لإنكار وتقويض وضع هذه الحقوق– مع ما يجري على أرض الواقع خارج الولايات المتحدة. ولطالما أكدت هيئات حقوق الإنسان –التي تفسر معايير المساواة– أن المساواة الشكلية ليست بديلاً مناسباً لأنواع المساواة الجوهرية التي تتطلبها مبادئ حقوق الإنسان، حتى إذا لم يوجد "الحق في المساواة" كحق قائم بذاته، على هذا النحو، في قانون حقوق الإنسان.

حتى في مجال الحقوق المدنية والسياسية، يوجد إدراك متزايد بأن سيطرة أصحاب الثراء الفاحش على العملية السياسية، وهو اتجاه لطالما كان مستهجناً ومكروهاً عندما كان يحدث بشكل سافر في البلدان النامية، هو الآن تهديد حقيقي للغاية في البلدان المتقدمة، بما في ذلك الولايات المتحدة نفسها.

يجب الاستماع إلى هذه التطورات باعتبارها دعوة واضحة لحركة حقوق الإنسان. لم يعد ممكناً تجاهل مسائل الموارد وإعادة التوزيع باعتبارها جزءاً من الدفاع عن حقوق الإنسان. المنظمات غير الحكومية الرائدة لحقوق الإنسان، بما في ذلك هيومن رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية، في حاجة للتغلب على ممانعتها الشديدة لضم مثل هذه القضايا إلى أبحاثها وتحليلاتها وأنشطتها. وقد نتج عن فشلها الحالي في القيام بذلك، على الرغم من جميع أعمالها الممتازة في فضح حجم نطاق معين من انتهاكات الحقوق المدنية والسياسية، أن الهياكل والأنظمة الأعمق التي تحافظ على الفقر المدقع وتتجاهل التطرف في عدم المساواة مازالت لا تبرح مكانها في الواقع. وبالتالي، لا يزال الوضع الراهن كما هو لم يتغير في الواقع.

Alston.jpg

Flickr/John Christian Fjellestad (Some rights reserved)

Filipino youths view downtown Manila from a rooftop in a poorer neighborhood.


والذي يرتبط بهذا هو ضرورة أن يفكر أنصار حقوق الإنسان بعمق أكثر في العلاقة بين الموارد وطبيعة الالتزام بضمان احترام الحقوق المدنية والسياسية. وغالباً ما تستند جميع الأساليب القائمة إلى الوهم بأن الاعتبارات الخاصة بالموارد لا ترتبط بتقييم امتثال الحكومات للالتزامات الدولية ذات الصلة. ونتيجة لذلك وإلى حد كبير، فقد تم استبعاد مسائل توافر الموارد والمساواة في الحصول عليها من الأجزاء الأكثر حيوية في النظام الدولي لحقوق الإنسان، وبدلاً من ذلك فقد هبطت هذه المسائل إلى مناقشات دورية ثانوية حول الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. ومن المفارقات في السياق الأخير، فقد أعطيت هذه المسائل أهمية بالغة، بحيث أنه غالباً ما يتم التذرع بالشرط الوارد في العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية –بأن تلتزم كل دولة فقط بأقصى ما تسمح به مواردها المتاحة– لتبرير الحالات التعسفية من عدم الامتثال.

وبشكل عام، يحتاج مجتمع حقوق الإنسان أن يتعامل مباشرة مع الدرجة التي بمقدراها يقوض التطرف في عدم المساواة حقوق الإنسان. إحدى نقاط البداية هي الاعتراف بشكل واضح بوجود حدود للدرجة التي تبلغها عدم المساواة والتي يمكن أن تتوافق مع مفاهيم المساواة والكرامة والالتزامات تجاه حقوق الإنسان للجميع. وينبغي على الحكومات أن تلتزم رسمياً بسياسات تهدف بشكل واضح للقضاء على المغالاة في عدم المساواة. ويجب أن تصبح الحقوق الاقتصادية والاجتماعية جزءاً لا يتجزأ من برامج حقوق الإنسان. حملة منسقة لضمان أن كل دولة لديها أرضية حماية اجتماعية مناسبة يمكن أن تشير إلى حدوث تحول في هذا الصدد. يعتمد هذا المفهوم –الذي وضعته في البداية منظمة العمل الدولية، ولاحقاً أقرته الأمم المتحدة والآن البنك الدولي– على خبرة مجموعة من البلدان في جميع أنحاء العالم التي عالجت بنجاح مشكلة الفقر من خلال البرامج مع التغطية الشاملة، وقد وضعت صيغتها في إطار حقوق الإنسان والاستحقاقات القانونية المحلية.

وأخيرا، فإن الإدراك بأن السياسة الضريبية هي، في كثير من النواحي، سياسة متعلقة بحقوق الإنسان –وهو مفهوم دافعت عنه طويلاً المنظمات الطليعية مثل مركز الحقوق الاقتصادية والاجتماعية– يحتاج أن تحتضنه منظمات حقوق الإنسان بوجه عام. الطبيعة الرجعية أو التقدمية للهيكل الضريبي لأي دولة، والجماعات والأغراض التي تمنحها إعفاءات أو خصومات، كل ذلك يشكل نوعية توزيع وتخصيص الدخل والأصول بين الشعب. وهذا يؤثر لا محالة على مستويات عدم المساواة ومدى التمتع بمزايا حقوق الإنسان. تدابير إعادة التوزيع المناسبة من خلال السياسات المالية هي أمر ضروري لا غنى عنه لضمان الاحترام الكامل لحقوق الإنسان.

وبغض النظر عن وجود القليل الذي يقال عن عدم المساواة الاقتصادية، تتطلب حقوق الإنسان بأن ترفض الدول ممارسات عدم المساواة المفرطة وأن تلزم نفسها رسمياً بسياسات تهدف بشكل واضح للحد منها إن لم يكن القضاء عليها. يجب أن تضع هذه السياسات الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في الاعتبار وتأخذها على محمل الجد تماماً مثل الحقوق المدنية والسياسية. ويجب أن تضمن أرضيات حماية اجتماعية وأنظمة مالية تهدف إلى الحد من عدم المساواة وإلى تحقيق الحقوق للجميع. وإذا كانت حركة حقوق الإنسان تشجع الدول لأن تتبني البرامج التي تحقق المساواة، فسوف يحتاج ذلك منها أولاً أن تصحح ثغراتها وانحيازاتها، بما في ذلك تجديد التفاهمات المعيارية للمساواة، ووضع مسائل الموارد وإعادة التوزيع مرة أخرى في معادلة حقوق الإنسان .

Had enough of ‘alternative facts’? openDemocracy is different Join the conversation: get our weekly email

تعليقات

نشجّع أي شخص على التعليق. الرجاء الرجوع إلى openDemocracy تعليمات أسلوب التعليق الخاص ب ن كان لديك أسئلة
Audio available Bookmark Check Language Close Comments Download Facebook Link Email Newsletter Newsletter Play Print Share Twitter Youtube Search Instagram WhatsApp yourData